الإنسان بعد الأربعين

على حين غرة وجدت نفسي في الأربعين ثم واحد وأربعين ثم اثنين ثلاثة وأربعين! هذه الأرقام لم أسمع عنها قط، ولم أتخيل في السابق بأنها ممكنة، فلا أزال طفلًا.

انتابني شعور بالخوف عندما قال لي عون أمن في أثناء أداء عمله بكل أدب بعد التحية، وهو شاب في مقتبل العمر، وأنا بزيي البدوي (يا حاج) لاستظهار الهوية وأوراق السيارة.

يزداد الأمر سوءًا عندما يناديني صغار الحومة (عمي)، ألهذه الدرجة كبرنا؟ (أرغب روحك)، (وينها الفتروشة) تلميحًا إلى بلوغ قطار العمر منتهى السرعة، ليخفف السرعة تدريجيًا حتى يصل إلى آخر الرحلة.

أجل، كل يوم نقضيه سير نحو النهاية، لعل ما مضى أكثر مما هو آت، سويعات، أيام، عقد من الزمن، من يدري؟

كله في علم صاحب الغيب، عقود من أعمارنا مضت بغثها وسمينها، وذهبت معها فروة الرأس لترسم بكل شعرة خريطة من التجاعيد، ولا ندري ما حملت صحائف أعمالنا.

على حين غرة وجدت نفسي في سن الأربعين وينادونني عمي

(وينك)، (شبيك لتو)، (كمل نص دينك)، حتى يخيل إليك أنك من كفار قريش أو من عبدة الشيطان، سنوات مضت، يوجد من درسناه ورفعنا عنه غشاوة الجهل، وهو الآن يداعب صغيره بالقول (سلم على أستاذي).

يوجد من يلاعب صغيره باستفزاز تشفيًا أو حسدًا على ما نحن عليه، وهو لا يعلم أن ابن النبي نوح مات كافرًا، كم من ضحية نشأت وترعرعت بين أحضانه صغيرًا يحمل جينات هجينة، كم من أب تمنى صغيرًا ولو كان معاقًا، لكنه عندما رزقه اللّه تكبر وطغى وتجبر ليمرغ ذلك الطفل أنفه في التراب.

بعضنا يبالغ في مدح الحياة الأسرية كأنها الجنة الموعودة، كم من صحابي وإمام ذهب إلى خالقه وهو أعزب، البنون زينة الحياة الدنيا، وهذا حكم إلهي دون شك عندما تكون التربية سليمة، وتلك المهمة تُركت للحاضنة؛ الشارعِ ووسائل التواصل الاجتماعي.

يوجد من يجد حرجًا في الذهاب إلى عيادة (جينيكولوڨ) مع عشيرته، والويل لمن بُشر بأنثى، أجل لا تزال فينا جينات الجاهلية الأولى، ولو تظاهرنا بالعكس.

صغيرك اليوم كأنه مخلوق فضائي شبيه بحكاية الأمير الصغير لأنطوان سانت إڨزيبيري، والقادم أسوأ.

خلاصة القول.. الأعزب كمن صام رمضان، يقتني أصنافًا شتًى من الطعام، وعند الزوال تتصاعد حمى الشهوات تدفعها غريزة الجوع والعطش، وأذان المغرب يصبح كالزفة، فحبات تمر وكأس حليب يسد الرمق؛ لتبقى بعض الأطباق مجرد زينة للمائدة، ثم يُرمى بها، ولكل أجل كتاب وشهية طيبة للجميع.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.