تخيل أنك مستلقٍ على سريرك، تغلق عينيك للحظة، ثم فجأة تشعر بشيء غريب، وكأنك تخرج من جسدك، تصعد لأعلى، وتشعر بخفة كأنك تطير، وفجأة ترى جسدك الممدد على السرير من الأعلى! ليس في حلم، بل بوعي كامل، كما لو أن روحك انفصلت عنك وخرجت في جولة استكشافية عبر العوالم الخفية. هل هذا مجرد وهم؟ أم أن حقيقة علمية وراء الإسقاط النجمي؟
ما الإسقاط النجمي؟
الإسقاط النجمي (Astral Projection) هو مصطلح يشير إلى تجربة يعتقد أصحابها أنها خروج الروح أو الوعي من الجسد المادي، والسفر إلى أبعاد أخرى تُعرف بالعالم النجمي (Astral Plane).
وفي نظر بعض المؤيدين، يمكنك التجول في عالمنا، والسفر إلى أي مكان بوعيك أو ما يُعرف بالجسم الأثيري، فلربما تسافر للهند وجسدك مستلقٍ على جانبه بسلام في المنزل.
ويرون أيضًا أن الأشياء التي تحدث في أثناء تلك الرحلة هي أشياء حقيقية تحدث في الواقع، فلو خرجت من جسدك بجسمك الأثيري وذهبت إلى مطبخ منزلكم الجميل، ووجدت والدتك تطبخ المعكرونة التي تحبها، فبعدما تصحو ستجدها قد طبخت ما رأيته فعلًا.
لكن لحسن الحظ لا يمكنك التدخل في الأحداث، فأنت تشاهد فقط كما لو كنت في سينما تشاهد فيلمًا لا يمكنك التدخل في أحداثه؛ فجسمك الأثيري لا يمكنه سرقة بنك، لذا لا تفكر في فعل الإسقاط النجمي من أجل هذا.
يصفه البعض بأنه تجربة روحية خارقة، في حين يُعدُّه العلماء مجرد خداع عقلي ناتج عن حالات الوعي المتغيرة.
لكن السؤال الذي يثير الحيرة هنا: هل يمكن للإنسان أن يتحرر من قيود جسده فعلًا، أم أن الأمر لا يتعدى كونه لعبة ذهنية يخدع بها العقل نفسه؟
البعد التاريخي والديني
يُعتقد أن فكرة الخروج من الجسد ليست حديثة، فقد ظهرت في عدد من الثقافات القديمة. في الفلسفات الهندوسية والبوذية، يوجد مفهوم "السفر الروحي" إذ يُقال إن الإنسان يستطيع الانفصال عن جسده المادي والارتقاء إلى مستوى روحي أعلى.
أما في التراث الإسلامي، فقد ارتبطت هذه الفكرة بالرؤى والمنامات، ويوجد من يربطها بقصة الإسراء والمعراج، على الرغْم من أن العلماء يؤكدون أن معراج النبي ﷺ كان جسديًّا وروحيًّا وليس مجرد تجربة وعي.
كيف يحدث الإسقاط النجمي؟
يقال إن الإسقاط النجمي يمكن أن يحدث تلقائيًّا من غير أن تشعر أو عبر تقنيات محددة، مثل:
- الاسترخاء العميق: الدخول في حالة استرخاء تام تُشبه التنويم المغناطيسي.
- تقنيات التأمل والتخيل: استخدام التأمل البصري والتركيز على الخروج من الجسد.
- مرحلة النوم واليقظة (Sleep Paralysis): وهي لحظة ما بين الاستيقاظ والنوم عندما يكون الجسم مشلولًا لكن الوعي نشطًا.
- تجارب الاقتراب من الموت (NDEs): كثيرون ممن مرُّوا بتجربة الموت المؤقت وصفوا خروج أرواحهم ورؤيتهم لأجسادهم من الأعلى.
- التدريب والممارسة: لكنك إذا أردت تجربة هذا الإسقاط، فلا تظن أن الأمر سهل، فالأمر كما يذكر مؤيدوه يحتاج إلى تدريب كثير، وقد يستغرق وقتًا طويلًا ربما شهورًا من الخطوات الكثيرة والمعقدة من التأمل والاسترخاء وتسجيل الأحلام، وربما بعد ذلك كله لن تفلح.
تحذير: لا تحاول!
يرى البعض أن الأمر شديد الخطر، وقد يودي بك إلى الوفاة! فلا تحاول تجربة هذا، فقد لا تستطيع الرجوع إلى جسدك لأي سبب كان؛ لهذا لم أذكر لك الخطوات التفصيلية لفعل ذلك.
توجد نظرية تقول: إذا خرجت من جسدك، وتأخرت في العودة، قد لا تستطيع الرجوع إلى جسمك أبدًا، ويظل جسدك فاقد الوعي حتى الموت، لكن هل توجد أدلة على إمكان ذلك؟ هل يوجد أشخاص جربوا تلك التجربة الغريبة؟
نعم، توجد قصص تثير الدهشة بحق، انظر معي...
قصص حقيقية: عندما تصبح الأحلام واقعًا
كل شيء كان يبدو عاديًا في تلك الليلة الهادئة، حتى بدأ "مارك هوبكنز"، المهندس الأمريكي المتقاعد، يشعر بوخز غريب يسري في جسده.
فجأة، وجد نفسه يطفو فوق سريره، ينظر إلى جسده النائم وكأنه مجرد قشرة فارغة! الذعر تملَّكه للحظات، لكنه سرعان ما أدرك أنه يستطيع التحرك، بل والطيران بحرية.
لم يضيع الفرصة، وانطلق في جولة عبر شقته، ثم إلى الشارع، حتى وجد نفسه في منزل صديق قديم لم يره منذ سنوات. في الصباح، اتصل مارك بصديقه، ووصف له بالتفصيل ما كان يرتديه وما كان يفعله في تلك الليلة. الصديق أصيب بالذهول.. كل شيء كان دقيقًا تمامًا!
لكن هل يمكن أن يكون هذا مجرد حظ؟
"التجربة التي غيّرت حياتي"
أما "إميلي روسو"، الكاتبة البريطانية، فلم تكن تؤمن بالإسقاط النجمي قط، حتى حدث ما لم تتوقعه أبدًا. ذات ليلة، استلقت على سريرها بعد يوم مرهق، وأغمضت عينيها، لكن بدلًا من النوم، وجدت نفسها تطفو إلى الأعلى. تقول: "رأيت جسدي في الأسفل، لكنني لم أشعر بأي خوف. كان هناك ضوء أزرق غريب يحيط بي. شعرت بسلام غريب، كما لو أنني في عالم مختلف.
بدأت أتحرك بحرية، وكأنني ريح خفيفة، ثم قررت أن أذهب إلى منزل أمي. رأيتها هناك، جالسة على أريكتها، تتابع التلفاز وتشرب كوبًا من الشاي. في الصباح، اتصلت بها وسألتها عما كانت تفعله في تلك اللحظة، وكان جوابها مطابقًا تمامًا لما رأيته! لا أدري كيف حدث ذلك، لكن حياتي تغيّرت منذ تلك الليلة."
حينما يصبح المستحيل ممكنًا
"مايكل جيبسون"، طبيب نفسي، قضى سنوات في دراسة عقول المرضى، لكنه لم يكن مستعدًا لما سيحدث له شخصيًّا. في إحدى الليالي، عندما كان يختبر تقنيات التأمل العميق، بدأ يشعر بجسده يخف، حتى انفصل تمامًا.
كان بإمكانه رؤية غرفة نومه بوضوح، لكنه لم يكتفِ بذلك، بل دفع نفسه إلى الخارج، وطار فوق مدينته، وشاهد الشوارع الهادئة من الأعلى. عندما عاد إلى جسده، كان متيقِّنًا أنه مجرد حلم، لكن الصدمة كانت عندما قرأ في الأخبار صباح اليوم التالي عن حادث سير شاهده بنفسه في أثناء رحلته "الخارجية"!
حقيقة أم وهم؟
ماذا لو كانت هذه التجارب ليست مجرد هلوسات؟ ماذا لو أن الإسقاط النجمي ليس خيالًا، بل قدرة كامنة داخل كل إنسان، تنتظر فقط من يكتشفها؟ أم أن العقل قادر على خلق أوهام متقنة تجعلنا نصدق أننا نعيش مغامرات لا تحدث إلا داخل رؤوسنا؟
علم أم خرافة؟
على الرغم من كثرة القصص والتجارب الشخصية، فإن العلم يقف موقف المتشكك، وعلماء الأعصاب يفسرون الإسقاط النجمي على أنه ظاهرة عقلية تحدث بسبب:
- الهلاوس البصرية: الدماغ قد يخلق صورًا وهمية تجعل الشخص يعتقد أنه خرج من جسده.
- اضطراب الوعي: في حالات مثل شلل النوم، يشعر الشخص بانفصال عن جسده نتيجة اضطرابات عصبية.
- التلاعب بالإدراك الحسي: تجارب علمية أثبتت أنه يمكن خداع الدماغ ليظن أنه يرى جسده من الخارج.
ففي دراسة أجراها الباحث السويسري أولاف بلانك، جرى تحفيز مناطق معينة في الدماغ كهربائيًّا، ما جعل المشاركين يشعرون كما لو أنهم ينفصلون عن أجسادهم!
هذه التجربة تدعم فرضية أن الإسقاط النجمي قد يكون مجرد خداع عصبي وليس خروجًا حقيقيًّا من الجسد.
لكن ماذا عن الحالات التي زعم فيها أشخاص أنهم رأوا تفاصيل دقيقة في أماكن لم يزوروها من قبل؟ هل هي مجرد مصادفة؟ أم أن شيئًا لم نكتشفه بعد؟
نظرة الحضارات واختلاف الثقافات
في حين أن النظرة العلمية الغربية ترفض فكرة الإسقاط النجمي بعدِّها وهمًا إدراكيًّا، فإن بعض الثقافات الشرقية تتعامل معها كونها حقيقة روحية.
في التقاليد اليابانية، يوجد مفهوم يُعرف باسم "إيكي ريو" (Ikiryo)، ويشير إلى إمكانية انفصال الروح عن الجسد في أثناء الحياة.
أما في العالم العربي، فالموضوع يُناقش غالبًا من منظور ديني أو في الأقل ظاهرة غامضة لم تُحسم حقيقتها.
حقيقة أم تجربة ذاتية؟
تجارب الإسقاط النجمي الشخصية تظل لغزًا محيرًا، فبعضنا يرى أنها مجرد هلوسة، في حين يُعدها آخرون دليلًا على وجود بُعد روحي لم نفهمه بعد.
هل يمكن للروح أن تنفصل عن الجسد؟ أم أن كل شيء يحدث داخل عقلك؟
مهما كان الجواب، فإن الإسقاط النجمي سيظل أحد أكثر الموضوعات غموضًا وإثارة للجدل في عالم الوعي البشري.
وربما، فقط ربما.. في ليلة هادئة، وأنت مستلقٍ على سريرك، قد تجد نفسك فجأة تسبح في عوالم لا يعلم حقيقتها إلا الله!
المصادر
- Susan Blackmore, "Beyond the Body: An Investigation of Out-of-Body Experiences," Oxford University Press, 1992.
- Olaf Blanke & Thomas Metzinger, "Full-body illusions and minimal phenomenal selfhood," Trends in Cognitive Sciences, 2009.
- Robert Monroe, "Journeys Out of the Body," Doubleday, 1971.
- Charles T. Tart, "Altered States of Consciousness," Wiley, 1969.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.