بين الإحباط والأمل.. صراع أبدًا لا ينتهي!نحن دائمًا في حالة صراع لا ينتهي أبدًا بين الإحباط والأمل.. الإحباط هو لحظة مريرة نحس فيها بعدم قدرتنا على النجاح أو المُضي قدما.. لحظة قد نفقد فيها الثقة في ما حولنا وفي من حولنا وفي أنفسنا.. ونحس أننا مهما فعلنا لن ننجح أبدًا وأن حياتنا أصبحت عالة على أجسادنا التي تفقد بالتالي رغبتها وقدرتها على الحركة والسير قدمًا.
الإحباط هو إذن فقدان المعنى والأمل في الحياة.. إنه الموت المعنوي.. وأحيانًا أخرى يأتي وينتصر الأمل.
اقرأ أيضاً طرق لتحقيق الأهداف والتغلب على شعور الإحباط
الإحباط الداخلي والإحباط الخارجي
عوامل الإحباط قد تأتي من داخلنا أو من خارجنا.. فأحيانًا لا نبذل الجهد والتركيز الكافي فتفشل محاولاتنا الواحدة تلو الأخري؛ فنحس بغياب صفحة الغد في سماء اليوم.. أي أننا نفقد الثقة في الغد فنفقد الأمل ويتغلب علينا الإحباط فلا نتقدم قيد أنملة للأمام؛ فقد غاب الدافع وعتمت الرؤية وولجنا صفحة الظلام الكئيبة.. وأحيانًا أخرى يأتينا الإحباط من الخارج.
أي من من القوى التي تريد أن تدمرنا، ربما لأن وجودنا خطر عليهم.. فيضعون أمامنا العراقيل الواحدة تلو الأخرى حتى نفقد القدرة ونفقد الأمل فلا نتقدم للأمام.. وليس صعبًا أن نعرف لمَ يفعلون ذلك.. فهم أيضًا في صراع وجودي لإثبات أنفسهم وقد نكون نحن أحيانًا عقبة في رحلة إثبات وجودهم.. فمن المعتاد أن يتمسكوا بأملهم حتى لو كان على حساب الآخرين.. فتفكيرهم في أنفسهم بغزارة وكثافة قد لا يسمح لهم بإدارك ما يفعلونه من أذى للآخرين.
ولو فكروا قليلًا لاكتشفوا أن ما يفعلونه جريمة مقيتة مكتملة الأركان حتى لو كانوا عنها غافلين أو متغافلين..
جريمة الإحباط
من يزرع الإحباط في دروب الآخرين إنما يدفعهم دفعًا نحو وادي الموت المعنوي الذي لا يختلف كثيرًا عن الموت المادي إلا في غياب جثة الجريمة.. ولكن أليس الجسد بلا روح وبلا أمل أقسى كثيرًا من غياب الجسد ذاته.. ولهذا فلا مهرب من أن ندرك ونعترف أن زرع الإحباط في طريق الآخرين عامدين متعمدين هو جريمة لا أخلاقية كبرى حتى وإن تاهت دلائلها المادية وعصت أو تعاصت على الكشف والظهور.
وتُقاس بشاعة هذه الجريمة بمقدار العمد والقصد في ارتكابها وبمقدار إخفاء الدوافع والأفعال تحت مظاهر شرعية أو تنظيمية، في حين هي جريمة متعمدة في حق الآخرين.. وما أكثر المشاركين في جرائم زرع الإحباط وما أكثر أوجه الانخراط في مثل هذه الجرائم.. فمن يسكتون عن وصول صاحب حق لحقه إنما يرتكبون ربما دون أن يدروا جريمة زرع إحباط.
أما من يعملون عامدين متعمدين على زرع الإحباط في دروب الآخرين إنما يرتكبون جريمة بشعة مكتملة الأركان في حق الآخرين مع سبق الإصرار والتعمد.. فهل هؤلاء المحبطون (بكسر الباء) بحاجة حقًّا إلي إحباط الآخرين.
اقرأ أيضاً أسباب تؤدى بك إلي الإحباط.. تعرف عليها الأن
المحبِطون (بكسر الباء)
فإذا نظرنا إلى الخلفية النفسية السيكولوجية لهؤلاء المحبطين سنجد أنماطًا وصورًا عدة لتلك الخلفيات الباطنة.. فقد يتملكهم أحيانًا الإحساس بعدم قدرتهم على تحقيق أهدافهم بطرق شرعية بسبب تدني قدراتهم عن الآخرين فلا يجدون مخرجًا سوى هذا التحبيط.. أو قد يتملكهم أحيانًا الإحساس بالقوة والعظمة والقدرة على إيذاء الآخرين.. أو أنهم أحيانًا قد يكونون تحت تأثير هاجس أن الآخرين قد أساءوا لهم يومًا ومن العدل أن يردوا الإساءة الآن بإساءة مثلها أو أعلى منها بعد أن دانت لهم الوسائل وأصبحت أيديهم هي العليا.. أو أحيانًا قد يسود الإحباط خلفياتهم النفسية فلا يجدوا مفرًّا من هذا ا سوى تحويل طاقة الإحباط السلبية على الآخرين.
وأيًّا كانت الخلفية النفسية لهؤلاء المحبطون فتوجد جريمة زرع إحباط سواء أكان الجاني عامدًا متعمدا أم أنه أيضًا ضحية جريمة إحباط سابقة ولا يعدو دوره أن يكون حلقة وصل في استمرارية تواتر الإحباط.
اقرأ أيضاً المرونة و الأمل.. هل هناك ما يربطهم بالروحانية؟
بين الإحباط والأمل
بداية لحظة الإحباط كما أسلفنا هي الوصول لصفحة الظلام نتيجة إحساسنا بالفشل وعدم القدرة على النجاح أو الوصول للحق والعدل.. ففي هذه المظلمة قد لا نتبين طريقنا أو موقع أقدامنا.. وعند هذه اللحظة قد نستسلم تمامًا أو قد نستسلم لحظة نعيد بعدها الكَرَّة.. في هذه اللحظة الفارقة يوجد خياران، إما الاستسلام والموت الرخيص أو الأمل والمقاومة والبحث عن غد جديد.
آلية الطبيعة والحياة تلهمنا البحث عن غدٍ جديد وأمل أكيد.. فنحن نشاهد يوميًّا بزوغ الضوء من حصار حلكة الظلام مع قدوم يوم جديد.. فمهما كانت حلكة الظلام كان دائمًا الضوء قادمًا ونافذًا وساطعًا.. علينا إذًا ألا نلعن الظلام بل نشكره أنه دفعنا للبحث عن بصيص الضوء.. ولولا الظلام ما أحسسنا وما أدركنا قيمة الضوء.. إذن لنشكر الظلام أنه دفعنا للبحث عن ضوء سديد وغدٍ جديد وأمل أكيد..
الأمل هو إحساس وطاقة إيجابية تدفعنا للتحرك قدمًا وصعودًا في دروب الحياة كي نكد ونجتهد من أجل البناء والخير والأجمل والأصوب.. فنحن لا نسعى فقط لاستمرارية حياتنا ولكن لتحسين حياتنا باستمرار.. وهدف تحسين حياتنا هو الذي يغذي آمالنا ويجعلنا نستخرج من أنفسنا كل قدراتنا وطاقاتنا كي نحقق هذا الهدف.. عندما تخلو حياتنا من الطموح نفقد جزءًا كبيرًا من طاقة توليد الأمل.
وقد لا تتوقف حياتنا ولكنها تخلو من الحركية والمعنى وتصبح خطوات مكررة تكفي بالكاد كي نحافظ على فسيولوجية أجسامنا كي تعمل بهدف استمرار حياة الأجساد.. وكلما كانت حلكة الظلام دامغة زاد التحدي واستنفرت قوانا كي نهزم العتمة ونتحرر من النقمة كي نصل إلى القمة بكامل القصد والهمة.
متي يهزمنا الإحباط؟
إذا أغمضنا أعيننا عن فلسفة الكون التي تكرر علينا يوميًّا الدرس نفسه في التجدد والإزهار ونحن عنه لاهون غافلون.. وإذا فقدنا الثقة في قدرة العقل واستسلمنا لكم الإحباط التاريخي الذي يملأ ثنايا التفكير الاجتماعي الذي يدعو في كثير من الأحوال إلى الهمود والقعود، وإذا تركنا الإحباط يعربد في حياتنا ونحن له مستسلمون خانعون فلا عزاء لنا في أنفسنا فقد أضعنا حياتنا بأيدينا.. وارتكبنا جريمة انتحار معنوي رغم كل عناصر القوة التي نمتلكها دون أن نختبرها أو نفعِّلها.
اقرأ أيضاً إشراقات الأمل.. روح متفائلة تحب الحياة والسكينة
أبدية الصراع بين الإحباط والأمل
لماذا نعيش دائمًا وعقولنا وأحاسيسنا موزعة بين الأمل والإحباط؟ ولماذا لا تنتهي أبدًا تلك الملحمة؟! تلك أسئلة قد لا نستطيع الإجابة عنها ولا نملك إلا أن نعترف حقًّا أننا دائمًا ميدان صراع لا ينتهي أبدًا بين الأمل والإحباط.. فحتى عندما ينتهي الأمل بتحقيق مبتغاه في أحد النجاحات التي نسعى إليها فإننا نعاود الكَرَّة للبحث عن هدف جديد نحققه.. فهذه هي فلسفة الحياة الإنسانية.
وحتى عندما يصرعنا الإحباط بفشل ذريع حاسم ومفاجئ فإننا لا ننفك أبدًا في مقاومة الإحباط والبحث عن أمل جديد.. فغياب الأهداف والآمال من حياتنا قد يمثل نقطة موت معنوية، أي نقطة إحباط معتمة.
إذن هذا الصراع الدائم هو دليل استمرارية الحياة وعلينا أن نقبله ونتعايش معه كي تستمر لنا رحلة الحياة.. فهل ينتهي يومًا الصراع بين الإحباط والأمل؟.. لا، ولكننا يجب أن ننظر لهذا الصراع كدورة عابرة تخترق حياتنا.. تنتهي لحظة.. وتعود من جديد ونحن دائمًا ندير حياتنا نحو ما نتمناه لأنفسنا ولحياتنا ولذوينا ولأوطاننا.. الإحباط والأمل هما وجها عملة واحدة تمامًا كما تستدير الأرض حول نفسها مرة تستنير بضوء الشمس مبتهجة لاهية.. ومرة أخرى تدير وجهها بعيدًا عن الشمس مكفهرة عابسة.. لكنها لن تتوقف عند أي لحظة..
متي ينتصر ويتجدد الأمل؟
وجود الأمل في حد ذاته هو انتصار له حتى لو لم يتحقق النجاح.. فالآمال لا تنتهي كما لا تنتهي نوبات الشروق الدائم بعد نوبات الغروب المتكرر.. فاتساقنا وتوافقنا وانسجامنا مع هذه الحقيقة البسيطة يعطينا الأمن والأمان.. كما أن قدرة العقل اللامتناهية تعطينا دائمًا آفاقا وأمواجًا متتالية من آمال لا تنتهي..علينا فقط أن نؤمن بما نراه من تجدد الآمال وما نشهده من معجزات العقل التي لا تعرف المحال.
علينا فقط فك شفرات الصندوق الأسود الذي نحمله في جماجمنا وندعه يعمل في حرية تامة.. فهو كفيل أن يفيض علينا ليس فقط بالآمال لكن أيضًا بترجمتها إلى أفعال..علينا أن نصرع الإحباط كلما ظهر ونقاوم الخنوع كلما بدر بدوام إعمال العقل ومتابعة الكد والدأب ونحن في قناعة تامة أن النور قادم لا محالة.. لا عائق.. لا استحالة..
أ.د. محمود سطوحي
6 مايو 2023
مايو 11, 2023, 6:53 ص
صباح السعادة والتوكل على الله
مقال حضرتك جميل جدا ومعبر عن حالنا جزاء آلله خيرا مع تحياتي لكم بالتوفيق ان شاء الله
مايو 14, 2023, 5:02 ص
دفعة من الأمل بعد كم الإحباطات المتتالية ..شكرا لهذا المقال الرائع
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.