الإبداع التسويقي واستراتيجية المحيط الأزرق

أدت التحولات المتلاحقة في بيئات الأعمال الخارجية وتأثيراتها في البيئات الداخلية إلى تعقد الأعمال على نحو ملحوظ على معظم القطاعات السوقية.

ومن بين تلك البيئات التي شهدت درجة عالية من التعقيد البيئة التنافسية. وعليه فلقد كان على المنظمات أن تجد لنفسها آفاقًا جديدة والخروج إلى أسواق منخفضة المنافسة أو ما يُسمي الأسواق الزرقاء (المحيط الأزرق).

ولقد عرف (Kim & Mauborgne,2005) الأسواق الزرقاء بأنها تلك الصناعات التي لم تخرج إلى حيز الوجود، وهي تمثل الفراغ والمناطق المجهولة من السوق أو لم تُكتشف بعد من نقاط السوق النائية التي لم يصلها ما يعكِّر صفوها بعد.

في هذه البقاع المكتشفة يُصنع الطلب للمرة الأولي وهي صافية وعُبِّر عنها باللون الأزرق وخالية من تهديدات المنافسين والتي عُبِّر عنها بالنقاط الحمراء (الدموية).

وهذا أحد الأسرار التي تجعل منظمات الأعمال تصمِّم شعاراتها وعلاماتها التجارية من اللون الأزرق. لكن كلًّا من (Kim & Mauborgne) راح تفسيره إلى الأسواق الزرقاء بالأسواق البعيدة النائية.

ولكن الإبداع التسويقي قد يساعد المنظمة في صناعة سوق أزرق داخل سوق أحمر، لأن السوق الأزرق يعبِّر عن قدرة المنظمة على أن تنأى بنفسها بعيدًا عن حدود احتدام المنافسة.

وفي سياق آخر عرف (Yang,2007) الأسواق الزرقاء بقدرة المنظمة على تقديم شيء مختلف عما يقدمه الآخرون، وإنتاج شيء لم ينتج من قبل.

فضلًا عن تكيفها على نحو كبير مع القيم الأساسية للعملاء لتشكل مجموعة جديدة من القيم دون وجود أي منافسة تذكر. ولكن هل صناعة الأسواق الزرقاء قائمة فقط على المنتج من دون جميع عناصر المزيج التسويقي؟ بالطبع لا. إن صناعة الأسواق الزرقاء مرتبط بالقدرة على الإبداع والابتكار، وهما قوتان غير محدودتي الأدوات.

وذكر (Kotller,2008) أن الأسواق الزرقاء تعني كيفية تجاوز المنظمة حدود السوق الحالية والسعي لإيجاد أسواق جديدة لمنتجاتها القائمة وترك المنافسة في الخلف.

ولم يتطرق كوتلر لاستراتيجية التنويع مثلما عبَّرت عنها مصفوفة أنسوف (Ansof matrix) بقدرة المنظمة على الدخول لأسواق جديدة بمنتجات جديدة.

ويفرِّق كل من (Kim & Mauborgne) بين الأسواق الحمراء والأسواق الزرقاء بأن الأسواق الحمراء هي تلك الأسواق المألوفة والمنتجات المعروفة التي تزدحم لدى كثير من المنافسين، فتصبح المنافسة حامية والأوضاع دامية، فيخرج منافسون كثيرون من السوق (Fisher,2006).

بم تتميز الأسواق الزرقاء عن الأسواق الحمراء؟

ويمكن القول إن الأسواق الزرقاء تتميز عن الأسواق الحمراء بأنها: تهتم بصناعة سوق جديدة لم تصله المنافسة بعد -جعل المنافسة خارج نطاق اللعبة- صناعة طلب جديد لم يكن موجودًا من قبل - كسر معادلة زيادة القيمة وتقليل النفقات والتوجه لابتكار قيمة جديدة - العمل على موازاة كل أنشطة المنظمة لتلائم تحقيق كل من التميز للمنتجات وتقليص النفقات - وجعل التوجه الاستراتيجي للمنظمة هو المصدر الأساسي والنسق الرئيس للإبداع التسويقي (Kim & Mauborgne,2005).

اقرأ ايضاََ الادخار الاستثماري وإدارة المستقبل في الاقتصاد المصري

أبعاد فلسفة الأسواق الزرقـاء

ذكر (Kim & Mauborgne,2005) أربعة أبعاد أساسية تقوم عليها فلسفة الأسواق الزرقاء هي: الاستبعاد - التقليص - الزيادة - والإبداع. ومن الواضح أن أبعاد فلسفة الأسواق الزرقاء تتسم بالمنطق، كما أنها تمر في إطار إبداعي ممنهج.

1- الاستبعاد

ويعني إمعان النظر فيما تقدمه المنظمة، واستبعاد ما يمثل عبئًا عليها، وما يمثل بؤرًا شديدة المنافسة.

2- التقليص

إذا ما أرادت المنظمة أن تصنع سوقًا أزرق فعليها أن تتجنب كل مواطن الترهل والخلل، سواء على صعيد المنتجات أو على صعيد العمليات التشغيلية؛ بغرض تخفيض النفقات وسرعة التنفيذ وخلو المنتج من التعقيد.

كأن تقرر إلغاء بعض الخدمات غير الضرورية المقدمة للعملاء والمبالغ فيها (Kim&Mauborgne,2005) أو التخلص من بعض الأفكار عديمة الجدوى مستحيلة التنفيذ وإن كانت جيدة اقتصاديًّا وماليًّا واجتماعيًّا (الطائي والعلاق، 2009).

3- الانفرادية

ويُقصد بها أن تركز المنظمة على بعض الأمور التي تمثل لها انفرادية عن المنافسين وتثير تفضيلات العملاء وتضع المنظمة بعيدًا عن حدود المنافسة.

وقد تكون تلك الزيادة هي مزايا على صعيد المزيج التسويقي (المنتج - السعر - الترويج - التوزيع). مثال (استطاعت شركة Apple أن تصنع لنفسها سوقًا أزرق في تجارة الحواسب الشخصية ظلت تغرِّد منفردة فيه لعدة سنوات عن طريق الاعتماد على استراتيجية توزيع إلكتروني كفء) أو على صعيد استراتيجيات التنافس (تكلفة متفوقة - جودة متفوقة - تحديث وتطوير متفوق- استجابة متفوقة).

4- الإبداع

إن قيام المنظمة بتحقيق الأبعاد السابقة يصنع مناخًا يساعد في الإبداع لتكتمل استراتيجية بناء الأسواق الزرقاء.

مبادئ استراتيجية الأسواق الزرقـاء

لقد صنَّف كل من (Siegemund,2009) مبادئ الأسواق الزرقاء إلى ستة مبادئ أساسية أهمها:

1- إعادة بناء حدود السوق: في ظل استراتيجية الأسواق الزرقاء يتعين على المديرين إعادة النظر في حدود السوق الحالي بما يحمله من تهديدات، والخروج إلى مساحة زرقاء جديدة بما تحمله من فرص تسويقية جديدة.

2- التركيز على الصورة الكاملة: في ظل التوجه الإبداعي واستراتيجية الأسواق الزرقاء تتسع الرؤى، ويُنظر إلى أبعد من حدود المتعارف عليه؛ بما يهيِّئ الفكر للإبداع والقدرة على صناعة آفاق جديدة في أسواق جديدة.

3- الوصول إلى أبعد من الطلب الحالي: إن الهدف من استراتيجية الأسواق الزرقاء هو الانتقال بالعميل من منطقة الإشباع إلى منطقة الإبداع والتفرد، والقدرة على صناعة طلب جديد، وإشباع حاجات جديدة.

4- منهجية التخطيط: صناعة الأسواق الزرقاء هي عملية تتسم بالرشد والتسلسل والتفكير طويل المدى، والسعي إلى وضع المنظمة في صورة ذهنية لائقة تدعم وضع المنظمة في أولويات تفضيلات العميل.

5- تخطي العقبات الرئيسة للمنظمات: الإبداع التسويقي وصناعة الأسواق الزرقاء يلزمهما الوقوف على العقبات الداخلية وإزالتها من تكرار الإجراءات وعشوائية القرارات وسوء تخصيص الموارد... إلخ.

6- التطبيق الفعلي ومراقبة النتائج: إن الأساس في أي نظرية هو التطبيق ومتابعة النتائج. وفي ظل الفكر الإبداعي ترتفع نسبة المخاطر؛ الأمر الذي يوجب على المنظمة التقييم المستمر للنتائج في ضوء المعايير الموضوعة والأهداف المرجوة وعدم الرضا بأنصاف الحلول.

ابتكار الأسواق الزرقـاء

يجب على الإدارة العليا أن يكون لديها القدرة على تصور أو تخيل أسواق جديدة لم توجد بعد (أبو النجا، 2008)؛ الأمر الذي يستوجب توفر مجموعة من العناصر التي تساعد في تطبيق استراتيجية الأسواق الزرقاء. وقد حدد (Hamel&Prahalad,1991) أربعة عناصر تتفاعل وتدعم قدرة المنظمة على التخيل وهي:

1- التفكير خارج نطاق الأسواق التي تُخدم في الوقت الحالي.

2- الحرية في تصور مفاهيم غير تقليدية للمنتج.

3- هدم الأفكار التقليدية الخاصة بارتفاع السعر كلما تطور المنتج.

4- قيادة المستهلكين أينما يريدون دون أن يعرف حتى المستهلكون أنفسهم ذلك.

وبذلك نجد أن أهم عنصرين من عناصر استراتيجية الأسواق الزرقاء ودعم القدرة التنافسية هما الطموح أو الرغبة الشديدة في هزيمة المنافسين، والتفوق على الشركات الرائدة في السوق (أبو النجا، 2008).

أساليب صناعة الأسواق الزرقاء 

وذكر كل من (Kim & Mauborgne,2005) و(أبو النجا، 2008) أن صناعة الأسواق الزرقاء تتطلب الالتزام بأساليب محددة منها:

1- الانتقال عبر الكتل الاستراتيجية للصناعات

يشير مفهوم الكتل الاستراتيجية إلى مجموعة من المنظمات تعمل في مجال محدد وتتبع استراتيجية متشابهة. ففي أغلب الصناعات تتلخص الاختلافات الاستراتيجية الأساسية للصناعة في مجموعات المنافسين الرئيسين بها (أبو النجا، 2008).

وغالبًا ما تُصنَّف الكتل الاستراتيجية لصناعة ما على أساس الجودة والتقدم التكنولوجي، وكلاهما مرتبط بالسعر، لكن في ظل الأسواق الزرقاء تتجاوز المنظمة هذا المنتج لتصنع فراغًا سلعيًّا جديدًا يجذب إليه العملاء من تلك التكتلات الاستراتيجية للصناعة.

2- الانتقال عبر البدائل

يشير مفهوم البدائل المتقابلة إلى تلك المنتجات التي تختلف طريقة عملها وشكلها الخارجي، ولكنها تشبع الحاجات نفسها (النقل البحري والنقل الجوي).

وهي تختلف عن البدائل المتماثلة التي تتفق في طريقة عملها وفوائدها (مصر للطيران وطيران العربية). وتوجد البدائل المتباعدة التي تختلف تمامًا في الشكل وأسلوب الأداء ولكنها تتفق في وظيفتها (نقل زيت البترول عن طريق الشاحنات وخطوط أنابيب البترول).

ويتوقف مدى القدرة على الانتقال عبر البدائل على مجموعة من العوامل منها: المعرفة التسويقية (المعرفة بالمنظمة - المعرفة بالمنافسين - المعرفة بالعملاء الحاليين والمحتملين - المعرفة بالأسواق)، ثقافة المنظمة والقدرة على الإبداع، عوائق دخول الصناعة والخروج منها، القدرات المالية والفنية للمنظمة، والمرحلة التي تمر بها الصناعة.

3- الانتقال عبر المنتجات والخدمات المكملة

قد تحقق المنظمة سوقًا أزرق عن طريق ما تقدمه من منتجات وخدمات مكملة؛ لأن في النهاية العميل يقيس جدوى التعامل مع المنظمة عن طريق القيمة المدركة للمنتج. فقد عرَّفها (Gug,2003) بأنها متغير يزداد بتلبية حاجات العميل وانخفاض تكلفة المنتج الفعلية (تكاليف مادية - تكاليف غير مادية).

في حين (Zeithmal et al. 2006) عرَّف القيمة المدركة للمنتج بأنها التقييم العام لمدى منفعة المنتج من قبل المستهلك وذلك على أساس ما يدركه من سلع وخدمات. فالعبرة في تفضيلات العميل هي القيمة المدركة للمنتج (المنتج + الخدمات الأخرى المكملة + المزايا الأخرى التي يحققها المنتج).

4- الانتقال بين سلاسل المشترين

عملية الشراء في الحقيقة لا تمثلها العمليات اللوجستية للانتقال المادي للسلعة فقط ولكن هي عملية تتسم بالتعقيد تمر بعدة مراحل تسمى مراحل تكوين القرار الشرائي.

ويمثل فيها مجموعة من الأطراف أدورًا مختلفة تسمى أدوار الشراء مثل: المبادرون، المؤثرون، القائمون بالشراء، والمستخدمون. وبذلك نجد أن الإبداع في صناعة الأسواق الزرقاء يأتي من إدراك المنظمة لمراحل القرار الشرائي مع التحرك بين سلاسل المشترين مع مراعاة أدوار الشراء.

5- الانتقال عبر الجاذبية الوظيفية والعاطفية لدى المشترين

ذكرت (أبو النجا، 2008) أن الشركات تسعى للحضور في أذهان العملاء عن طريق إحدى الاستراتيجيتين. الاستراتيجية الوظيفية التي ترتكز على القيم المادية للمنتج مثل السعر والجودة.

والاستراتيجية العاطفية التي تؤدي على الصورة الذهنية في أذهان العملاء وما تحمله من مشاعر وأحاسيس حول المنظمة. وبذلك نجد أن قدرة المنظمة على التحويل من منطقة الجاذبية الوظيفية إلى الجاذبية العاطفية أو العكس يمثل توجهًا جديدًا ورغبة من المنظمة في صناعة سوق أزرق جديد عن طريق الاعتماد على استراتيجيات تنافسية جديدة.

6- الانتقال عبر الاتجاهات الجديدة والمبادرة بتبنيها

تتأثر الأسواق بكثير من الاتجاهات المستحدثة تفرضها عليها البيئات الخارجية. فنجد مثلًا تحولات في البيئة الثقافية للمجتمعات مثل زيادة معدلات الوعي الصحي في عام 2020م؛ نظرًا لتفشي وباء Covide-19 الأمر الذي صاحبه طفرة ملحوظة في مبيعات المطهرات والمنظفات والأكواب البلاستيكية.

الأمر الذي استغلته كثير من شركات صناعة البلاستيك في التحول إلى صناعة الأكواب البلاستيكية وزجاجات المطهرات وغيرها. وعليه فإن رؤية المنظمة ومرونة استراتيجياتها التسويقية يزيد قدرتها على استغلال تلك الفرص التسويقية وبناء أسواق زرقاء.

مصفوفة أنسوف واستراتيجيات ابتكار الأسواق الزرقاء: (Ansoff matrix)

اهتمت مصفوفة أنسوف التي أطلقها العالم (Igor Ansoff) عام 1957م بشرح كيفية بناء واستغلال الفرص التسويقية، واعتمد عليها كثير من المهتمين في دراسة استراتيجيات النمو في منظمات الأعمال المختلفة. وذكر (رضوان وأبو النجا، 2014) أربعة خيارات لاستراتيجيات النمو:

1- اختراق السوق (التغلغل في السوق): وذلك بزيادة المنظمة مبيعات منتجاتها الحالية في الأسواق الحالية عن طريق: تشجيع العملاء الحاليين على زيادة مشترياتهم، جذب عملاء المنافسين، وإدخال فئات جديدة من المستهلكين حيز استخدام السلعة.

2- تطوير المنتج: وبها تسعى المنظمة لزيادة مبيعاتها داخل السوق الحالي باستخدام منتجات جديدة عن طريق: زيادة مستوى الجودة في المنتج الحالي عن طريق استخدام تكنولوجيا أحدث تزيد من فاعلية المنتج.

إضافة خصائص ومواصفات جديدة للمنتج الحالي، وابتكار منتج جديد يشبع الاحتياجات نفسها تقريبًا للمنافسة داخل السوق الحالي.

3 -تنمية السوق: فتسعى المنظمة إلى توسيع رقعة السوق بإدخال قطاعات جديدة مثل مناطق جغرافية جديدة ونوعيات جديدة من العملاء.

4 -التنويع: فتدخل الشركة إلى أسواق جديدة عن طريق مجموعة من المنتجات الجديدة.

وإذا ما أردنا التعبير عن ابتكار الأسواق الزرقاء بمصفوفة أنسوف فنجد أن استراتيجية اختراق السوق أو التغلغل تعبر عن الأسواق الحمراء.

في حين كل من تطوير المنتج وتنمية السوق تعبر عن ابتكار فراغات زرقاء داخل أسواق حمراء، أما ابتكار الأسواق الزرقاء فيرمز إلى استراتيجية التنويع (منتجات جديدة - أسواق جديدة).

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة