«الأوشحة السوداء».. قصة قصيرة

رعاديد السماء المظلمة

لم يكن هذا الطفل الذي وُلد حديثًا يعلم ما الحكمة التي قامت عليها مقومات الحياة والبناء؟! ولا يعلمُ يقينًا ماهية تلك المفردات التي تقوم عليها عوامل الموت والفناء؟! ولم يمضِ وقتُ طويل إلاَّ وقد اهتز بيته الصغير وعِمارته البسيطة، وبدأ يُدركُ بأن هناك خطبًا جَللًا قد وقع.. فلم تنفكُّ كثير من الخطوات تدنو من جسده الصغير، وتلك الصورة الباهتة في عقليته البسيطة عن تلك الأوشحة السوداء التي باتت أشبه بقطيعٍ مُخيف من الغرابيب السود..

لم يكن المشهد الوحيد

في الحقيقة لم يكن هذا المشهد الوحيد الذي بث جميع ترددات الرعب داخل قلب هذا الطفل المسكين، فكان الأمرُ أقربَ إلى ذلك السالك في دروبِ قد سكنتها خيوط الظلام.. فلم ينفك يسمعُ أطيط بعيره، في حين تلاشت في ناظريه أطياف السماء، واستقرت في ثكنات عقله شُجيرات البرق المُهلكة، واستوطنت في جوفه كل رعاديد السماء المُظلمة..

في مرمى النظرات

في تلك الأثناء بدأ جسده وما سكنته من أشباحِ الخوفِ في تأدية كل الحركات.. أخذ يضربُ الهواء برجليه.. بدأ يقعرُ فراشه بكلتا يديه، أضحى يصيحُ صُراخًا عابس وجهه وشفتيه.. لم يكن المؤلم في الحياة أنه قد فقد أباه.. لكنها تلك النظرات التي يرميها عليه صنم القلبِ وما جفاه..

مناجاة الصورة

أخذ ينادي أباه الذي لم تره قطُّ عينه.. يا أبي: لم أكن يومًا لأسمع صوتك.. لكن إيقاع صوتك في منامي يناديني بثبات المُحارب.. يا أبي: لم أزل أشتاق لرسمك: وفي يقظتي نفير صوتك يُحذرني من مكر الثعالب..

وأخذ يُخاطب صورة خاله: يا خالي: أراكَ وجهير صوتك يَشدُّ أزري بجرسٍ وأجراس.. يا خالي: تراني ومكحل عياني يرسم بالدموع ما كان منك لي من حَرَسٍ وحُراس.. أخذ ينادي كليهما!

يا أبويَّ أراكما كما كنتما لي في سابق العهدِ بدرعٍ ورُصاص..

يا أبويَّ لا تتركاني وسط البيداءِ دون غرسٍ وأغراس..

يا أبويَّ لكم عندي ميثاق بمتين الذكر وبالقلم والكُراس.. ولله الأمر في السرِّ والعلن ويوم البعث وحين مناص..

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

ما شاء الله أسلوب في قمة الرقي والإبداع
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

ما شاء الله ايه الجمال ده سلمت يداك
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

تسلم ده من شمائل كرمك الجم..
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

ما شاء الله تسلم يدك
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

قصة بالفعل خزينة ... لكنها ممتعة.
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

كلمات غاية فى الروعة والابداع.
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

كم هي مؤلمه ولكنها واقعيه
احييك علي رقي فكرك واسلوبك الرائع في اختصار ما يمر بيه اي انسان فقد اغلي مالديه في الحياه..
تحياتي
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

أطيب السلامات وأرقها لصديق جدير بكل شمائل الاحترام...
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

فعلا رعاية السماء المظلمة
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

اسلوب رائع و مزيد من الابداع
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

حقا رائعة جدا
أبدعت 🌹
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة