تاريخ اكتشاف الأوتوكلاف.. كيف غير التعقيم بالبخار مستقبل الطب؟

مثَّل التلوث الجرثومي تحديًا كبيرًا في المجال الطبي، فقد كانت العدوى القاتلة تنتشر بسرعة داخل المستشفيات وغرف العمليات قبل اكتشاف طرق فعالة للتعقيم.

لكن مع تطور العلوم الطبية في القرن التاسع عشر، ظهر الأوتوكلاف الاختراع الثوري الذي غيَّر مفهوم التعقيم بالكامل، مسهمًا في تقليل معدلات الوفيات وتحسين إجراءات السلامة الطبية. فكيف كانت بدايات هذا الجهاز؟ وما دوره في تغيير مستقبل الطب؟

العالم قبل الأوتوكلاف.. عندما كانت العمليات تعني الموت

قبل القرن التاسع عشر، لم يكن تعقيم الأدوات الطبية جزءًا من الممارسات الجراحية، ما أدى إلى ارتفاع معدل وفيات المرضى بنسبة 50% بسبب العدوى.

كان الأطباء يجرون العمليات بأدوات ملوثة، دون إدراك دور الجراثيم في انتشار الأمراض، حتى الطبيب المجري إجناز سيميلويس (Ignaz Semmelweis) لاحظ أن غسل اليدين يقلل وفيات الأمهات بعد الولادة، لكن فكرته رُفضت في ذلك الوقت، ما أدى إلى استمرار المعاناة لعقود.

لكن كيف انتقل الطب من هذه الحقبة المظلمة إلى تعقيم الأدوات بالبخار؟ الإجابة تبدأ من وعاء طهي الطعام! 

من طاهي البخار إلى قتل الجراثيم.. الفكرة الأولى للتعقيم

في عام 1679، اخترع العالم الفرنسي دينيس بابين (Denis Papin) جهازًا لطهي الطعام تحت الضغط، أطلق عليه "طاهي البخار". لاحظ بابين أن الضغط العالي يجعل الطعام يُطهى أسرع، لكنه لم يدرك أن فكرته ستستخدم لاحقًا للقضاء على الجراثيم في الأدوات الطبية. 

اختراع الطهي بالبخار

لم يكن لهذا الاختراع تأثير طبي مباشر حتى منتصف القرن التاسع عشر، وعندما جاء لويس باستور بنظرية غيّرت مسار الطب إلى الأبد. 

لويس باستور.. الرجل الذي كشف سر الجراثيم

في عام 1861، أثبت العالم الفرنسي لويس باستور (Louis Pasteur) أن الجراثيم هي المسبب الرئيس للأمراض، ما أدى إلى تحوّل جذري في الطب. هذه النظرية دفعت العلماء إلى البحث عن وسائل أكثر فاعلية للقضاء على الميكروبات لا سيما في الجراحة. 

وحينئذ بدأ أحد تلاميذ باستور، تشارلز شامبرلاند (Charles Chamberland)، في تطوير طريقة للتعقيم بالبخار. 

لحظة ولادة الأوتوكلاف عام 1879

في عام 1879، ابتكر تشارلز شامبرلاند أول أوتوكلاف لتعقيم الأدوات الطبية، وهو جهاز يستخدم البخار المضغوط للقضاء على جميع أنواع الجراثيم، بما في ذلك الأبواغ البكتيرية المقاومة للحرارة.

أول جهاز أوتوكلاف للتعقيم

 كيف يعمل الأوتوكلاف؟

  • يُرفع ضغط البخار داخل الجهاز ليصل إلى 15-30 PSI.
  • ترتفع درجة الحرارة إلى 121-134 درجة مئوية.
  • خلال 15-20 دقيقة، يتم القضاء على جميع الكائنات الحية الدقيقة.

تأثير الأوتوكلاف في الطب من الموت إلى النجاة

بعد إدخال الأوتوكلاف في المستشفيات:

  • انخفض معدل الوفيات في العمليات الجراحية بنسبة 80%.
    أصبح تعقيم الأدوات الجراحية والمعدات الطبية إجراءً أساسيًا.
  • أسهم في إجراء جراحات معقدة مثل زراعة الأعضاء، التي كانت مستحيلة سابقًا بسبب خطر العدوى.

كيفية عمل الأوتوكلاف

 لم يقتصر استخدام الأوتوكلاف على الطب فقط، بل امتد إلى مجالات أخرى.

كيف يستخدم الأوتوكلاف اليوم؟

  • مختبرات البحث العلمي: لتعقيم الأدوات والمستنبتات البكتيرية.
  • صناعة الأدوية: لضمان خلو المحاليل الطبية من الجراثيم.
  • إدارة النفايات الطبيةلمنع انتشار الأمراض من النفايات البيولوجية.

لكن ماذا عن الطرق الأخرى للتعقيم؟ هل الغليان يكفي؟

مقارنة بين الأوتوكلاف والتعقيم بالغليان

العامل     الأوتوكلاف           الغليان
درجة الحرارة 121-134°C 

 100°C

الضغط    15-30 PSI   غير متوفر
مدة التعقيم  15-20 دقيقة   30-60 دقيقة
فعالية ضد الأبواغ  نعم  لا

النتيجة؟

الغليان يقضي على بعض الجراثيم، لكنه لا يقتل الأبواغ البكتيرية، لذا لا يُعتمد عليه في تعقيم الأدوات الجراحية.

 ختامًا.. يُعد الأوتوكلاف من أهم الاختراعات في تاريخ الطب، فقد أنقذ ملايين الأرواح وغيّر مفهوم التعقيم، وخفّض معدلات الوفيات، وساعد في إجراء عمليات كانت مستحيلة سابقًا.

هل كنت تتخيل أن وعاء طهي الطعام سيكون الأساس لأهم تقنية تعقيم طبي؟ أخبرنا في التعليقاتهل سبق لك رؤية الأوتوكلاف في مختبر أو مستشفى؟

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.