الأكوان الموازية.. في أي عالم نعيش؟

أنا أُحدثك من عالمٍ آخر، عالمٍ موازٍ غير العالم الذي تعيش فيه، قد يتشابه معه، لكنه ليس هو. لا تُصدِّقني؟ حسنًا، أخبرني: لماذا؟ لماذا لا يكون كلامي صحيحًا؟ لماذا لا أكون أنا بالذات نسختك في عالمي، وأنت نسختي في عالمك؟

الأمر شديد الغرابة إليك، نعم، أعلم. لكن الأمر ليس خيالًا علميًّا، ولا هذيان كاتب واسع الخيال مثلي؛ بل هو موضوع علمي جاد تدور فيه نقاشات ضخمة، وتدعمه شواهد من الفيزياء، والدين، والتجارب الواقعية. تابع معي حتى النهاية، فقد تجد نفسك تعيد التفكير في كل شيء حولك.

تخيل معي.. هل سبق أن شعرت بأنك عشت موقفًا من قبل؟ أو أنك زرت مكانًا أول مرة، لكنك تعرف تفاصيله مسبقًا؟ هل يمكن أن تكون هذه إشارات من عالم آخر؟!

هل فكرت يومًا وأنت جالس على أريكتك المفضلة تحتسي كوب شاي ساخن، أن نسخة أخرى منك في كون آخر تجلس على أريكة مماثلة، لكنها تفضل القهوة على الشاي؟ بل ربما في كون ثالث، أنت لا تجلس على الأريكة أصلًا، بل تقف على رأسك!

هذه ليست حبكة فيلم خيال علمي، بل جزء من نظرية علمية تُحيِّر العلماء منذ عقود: نظرية الأكوان المتوازية.

عالم “التعددية الكونية”

تقوم فكرة الأكوان المتوازية على فرضية أن عددًا لا نهائيًّا من الأكوان، إذ يتفرَّع كل قرار أو احتمال إلى كون جديد. اخترت الفانيليا بدلًا من الشوكولاتة؟ مبروك، لقد أُنشئ كون جديد!

تقوم فكرة الأكوان المتوازية على فرضية وجود عدد لا نهائي من الأكوان

لكن لحظة، إذا كان هذا صحيحًا، فهل يعني أن نسخة منك حصلت على الدرجة النهائية في امتحان الفيزياء، أنت فشلت؟ أو أن عالمًا آخر تكون فيه مليونيرًا، في حين تعاني ماليًّا هنا؟ يبدو أن الأكوان المتوازية ليست مجرد نظرية علمية، بل سيناريو عبثي يتلاعب بمشاعرنا أيضًا!

لماذا يعتقد العلماء بهذه الفكرة “المجنونة”؟

حسنًا، لنأخذك في رحلة سريعة إلى عالم الفيزياء الكمية (لا تقلق، لن نستخدم المعادلات!).

1- تراكب الحالات: هل يمكن أن تكون في مكانين في وقت واحد؟

إحدى أغرب الظواهر في ميكانيكا الكم هي "تراكب الحالات" التي تعني أن الجسيمات دون الذرية يمكن أن تكون في حالتين في الوقت نفسه. خذ على سبيل المثال تجربة قطة شرودنجر، فقد تكون القطة في صندوق مغلق "ميتة وحية" في آنٍ واحد حتى نفتح الصندوق ونراقبها.

لكن ماذا لو كان الكون كله يخضع لهذا التراكب؟ أي إنه عند كل اختيار، يتفرَّع إلى احتمالات متعددة تحدث جميعها ولكن في أكوان منفصلة!

2- نظرية الأوتار: الأكوان كأوتار موسيقية!

تطرح نظرية الأوتار تصورًا آخر، إذ تفترض أن الأكوان ليست منفصلة تمامًا، بل متصلة بأوتار صغيرة تهتز في أبعاد غير مرئية. تخيَّل أن الأكوان مثل قيثارة كونية ضخمة، وكل وتر يعزف نغمة مختلفة، وكل نغمة تمثل كونًا مستقلًا عن الآخر.

ولا تسألني لماذا الأبعاد غير مرئية، فنحن بالكاد نفهم الأبعاد الثلاثة التي تحيط بنا!

لكن كيف نثبت ذلك؟ حسنًا، هذه هي المشكلة، فلا أحد يستطيع “رؤية” هذه الأبعاد الإضافية، ما يجعل الأمر أشبه بلغز بلا حل… حتى الآن.

قصص تثير التساؤلات

عندما يتحدث العلماء عن الأكوان المتوازية، تظهر قصص غريبة تجعلنا نتساءل: هل توجد بالفعل أدلة على العوالم الأخرى؟

1- لغز الرجل من "تورد"

في عام 1954، ظهر رجل في مطار طوكيو يحمل جواز سفر لدولة غير موجودة تُدعى “تورد”. لم يكن الرجل مشوَّشًا، بل كان متأكدًا من أن بلاده موجودة ولها تاريخ وثقافة وحكومة!

عام 1954 ظهر رجل  في مطار طوكيو يحمل جواز سفر لدولة تُدعى “تورد” ثم اختفى قبل التحقيق معه

وضعت الشرطة الرجل في غرفة مغلقة للتحقيق في أمره، لكنه اختفى فجأة ولم يُعثر عليه مرة أخرى!

2- محطات الوقود التي لا وجود لها!

يوجد أشخاص يدَّعون أنهم زاروا أماكن لم يكن من المفترض أن تكون موجودة، مثل سيدة توقفت عند محطة وقود ذات تصميم غير مألوف، لتكتشف لاحقًا أنها غير موجودة على أي خريطة!

هل هؤلاء مجرد واهمين، أم مسافرون بين العوالم دون قصد؟

3- الطائرة الماليزية.. الرحلة التي لم تعد أبدًا

في ليلة هادئة من ليالي مارس 2014، أقلعت الرحلة (MH370) من كوالالمبور إلى بكين وعلى متنها 239 راكبًا، لكن ما حدث بعد ذلك جعل العالم كله في حيرةٍ لا تنتهي. بعد إقلاعها بساعتين فقط، اختفت الطائرة تمامًا من جميع أنظمة الرادار، وكأنها لم تكن موجودةً من الأساس!

انطلقت عمليات البحث في كل مكان، من أعماق المحيط الهندي إلى أقمار التجسس، لكن لم يُعثر على أي أثرٍ لها سوى بعض الحطام المتناثر بعد سنوات، وحتى هذا لم يُحسم إن كان ينتمي إلى الطائرة أم لا. هنا بدأت نظريات المؤامرة تتصاعد، فالبعض يعتقد أن الطائرة لم تتحطم، بل انتقلت إلى بُعدٍ آخر!

في 2014 أقلعت طائرة من كوالالمبور إلى بكين وبعد بساعتين اختفت تمامًا من جميع أنظمة الرادار

داعمو هذه النظرية يستشهدون بحالاتٍ مشابهة، مثل اختفاء السفن والطائرات في مثلث برمودا، أو تلك الظواهر الغامضة التي تحدث في نقاط معينةٍ من العالم إذ يُقال إن الزمان والمكان يلتويان. هل سقطت الطائرة في صدعٍ كوني يقود إلى عالمٍ آخر؟ أم أنها مجرد حادثة مأساوية لم تُكشف تفاصيلها؟ اللغز لا يزال مفتوحًا، والإجابات ضائعةٌ في سماء المجهول.

4- الطفل الذي يتذكر حياةً أخرى

في أحد الأحياء الهادئة بأمريكا، كان يوجد صبيٌ صغير يُدعى لوكاس، يبلغ من العمر خمس سنوات فقط، لكنه لم يكن طفلًا عاديًا. منذ أن بدأ يتحدث، راح يروي قصصًا غريبةً عن حياته السابقة، حياةٍ في عالمٍ آخر تمامًا!

لم يكن يتحدث عن ذكريات طفولة عادية، بل عن مدينة ذات مبانٍ لم يرها أحدٌ من قبل، وأشخاص غريبي الأطوار، وتكنولوجيا متقدمة للغاية. كان يقول إنه عاش هناك، وإنه تعرض لحادثٍ انتهى بوفاته، ثم استيقظ ليجد نفسه في جسد طفلٍ صغيرٍ على كوكبٍ آخر يُسمى "الأرض".

الأمر المثير للدهشة أن لوكاس استطاع وصف أماكن وأحداثٍ لا يمكن أن يعرفها، بل ذكر أسماء أشخاصٍ لم يسمع بها أحدٌ من عائلته. والأغرب أن أحد الباحثين في علم التناسخ والتجارب الغامضة وجد تطابقًا مريبًا بين أوصافه وبين مكانٍ حقيقي في إسكتلندا لم يسبق له زيارته!

هل كان لوكاس يعيش في كونٍ موازٍ قبل أن يولد هنا؟ أم أن هذه مجرد خيالات طفلٍ عبقري؟ لا أحد يعرف، لكن قصته تبقى واحدةً من أكثر الألغاز المحيرة حول إمكانية وجود عوالم أخرى تتداخل مع عالمنا.

المعضلة الأخلاقية للأكوان المتعددة

إذا افترضنا صحة نظريَّة الأكوان المتعدِّدة، فماذا عن الأخلاق؟ تخيَّل أن كونًا آخر ارتكبتَ فيه جرائم أو صنعتَ أمجادًا عظيمة! هل يجب أن نحاسب على أفعال “نسخنا” الأخرى؟

تخيَّل أن كونًا آخر ارتكبتَ فيه جرائم.. فهل يجب أن نحاسب على أفعال

أو بالعكس، إذا كنت فاشلًا هنا وناجحًا هناك، فهل يحق لك المطالبة بنصيب من نجاح “نسختك” الأخرى؟ أم أن هذا هو مفهوم “العدالة الكونية”؟

نظرة الدين إلى الأكوان الموازية

عند النظر في النصوص الدينية، قد نجد إشارات قد تفتح الباب لفهم هذه الظاهرة.

1- إشارات من القرآن

يقول الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لاحظ قوله: (العالمين) بصيغة الجمع، وليس (العالم)!

يفسر المفسرون ذلك بأنه يشير إلى تعدد العوالم مثل عالم الجن، والملائكة، والطير. لكن هل يمكن أن يشمل ذلك أكوانًا أخرى موازية؟

كذلك، يقول الله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} فهل الأكوان المتوازية من ضمن ما خلقه الله ولا نعلمه بعد؟

2- إشارات من السنة

رحلة الإسراء والمعراج التي تنقل فيها النبي محمد ﷺ عبر عوالم مختلفة، ألا تشير إلى إمكانية وجود أكوان أخرى؟

أليس وجود الجن معنا، لكننا لا نراهم لأنهم في بُعد آخر، دليلًا على أن فكرة العوالم الموازية ممكنة؟

هل يمكننا السفر إلى الأكوان الأخرى؟

العلماء يعتقدون أن السفر إلى الأكوان الأخرى قد يكون ممكنًا بواسطة الثقوب السوداء التي يصفها بعض الباحثين بأنها بوابات محتملة. لكن توجد مشكلة: دخول ثقب أسود يعني أنك ستتمزق إلى ذرات صغيرة قبل أن تعرف إلى أين سينتهي بك الأمر!

يعتقد العلماء أن السفر إلى الأكوان الأخرى ممكن بواسطة الثقوب السوداء

توجد أيضًا فرضية مثيرة للاهتمام: هل الأحلام نوافذ إلى العوالم الموازية؟

ختامًا.. في أي عالم نحن الآن؟

حسنًا، هل شعرت بالارتباك؟ جيد! لأن هذه هي الفكرة. الأكوان المتوازية ليست مجرد نظرية علمية، بل اختبار لقدرتنا على استيعاب الواقع.

والآن، دعنا نطرح السؤال الأكبر: إذا كانت الأكوان المتوازية حقيقية، ففي أي عالم نحن الآن؟ وكيف نعرف أننا في “النسخة الصحيحة” من الواقع؟

وفقًا لرأيي، لا أدري. لكن الشيء الوحيد الذي أعرفه يقينًا هو أن خالد العوضي الذي يحاورك الآن، ليس هو خالد العوضي الموجود معك في عالمك!

المصادر 

  • القرآن الكريم (سور: النحل، الفاتحة).
  • البداية والنهاية – ابن كثير.
  • ‏The Hidden Reality – برايان غرين.
  • تجربة قطة شرودنجر (في ميكانيكا الكم).
  • مقالة علمية في مجلة Nature (2019) عن الأبعاد الإضافية.
  • برنامج Cosmos – نيل ديغراس تايسون (حلقة الأكوان المتوازية).

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

محتوى رائع صديقي
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة