في الحقيقة إن موضوع التعليم هو من أهم الموضوعات التي تستحوذ على الأهمية والاهتمام على جميع المستويات المحلية والدولية.
وكم من الدراسات تم إعدادها أو ما تزال في طور الإعداد ولم يتم الانتهاء منها بعد كلها تستهدف تطوير التعليم بجميع جوانبه.
وليس هذا بجديد لأن تطوير التعليم هو الهاجس الأساسي الذي يؤرق علماء التربية والتعليم والقائمين على أمر إدارة التعليم بالدول المختلفة.
اقرأ أيضًا أثر التعليم الإلكتروني وطرق التعليم الحديث
التطور الحقيقي للتعليم
ولكن لم يتطور التعليم بعد، ولن يتطور أبدًا بتلك الأساليب، وينطبق هذا الطرح على الدول الأقل نموًّا في عالم اليوم، وينطبق بصورة أقل على دول العالم الأخرى التي تُصنف من العالم الثاني أو حتى الأول.
بكل صراحة يجب تطوير التعليم من طريق قفزات علمية ومعرفية وتكنولوجية هائلة، تستطيع أن تتخطى ببراعة كل الحواجز والعوائق التي يمكن أن تواجه أنظمة التعليم بدولة ما.
ليس ذلك فحسب، وإنما يجب أن يكون تطوير التعليم بما يشمله من أفكار وأدوات جديدة ومبتكرة متصفًا بالريادية، بمعنى أن أفكار وأدوات التعليم يجب أن تتخطى بمراحل كبيرة ما يمكن تصنيفه بأنه مشكلات مستقبلية ستحدث بعد عشر سنوات في الأقل، وهذا هو الفكر الاستراتيجي طويل الأمد.
المدارس ومعاهد التعليم في كثير من الدول ما زالت تراوح مكانها منذ سنوات طويلة مكبلة بكثير من القيود والحواجز والمشكلات الهيكلية التي حدثت بسبب التغير الاجتماعي، والتغير النفسي، والتغير الفظيع المرتبط بالخصائص الفردية لطالب العلم بعد ظهور الحاسب الآلي والإنترنت والتواصل الاجتماعي، وما زال التطور التكنولوجي العالمي يواتينا كل يوم بمزيد.
وبكل وضوح لا أرى في المؤسسات التعليمية بكثير من البلدان القدرة على مواكبة هذه التغيرات المتسارعة اجتماعيًّا ونفسيًّا، بل وسياسيًّا واقتصاديًّا وتكنولوجيًّا كذلك.
وهذا ما يؤدي بكثير من المفكرين وأصحاب الرؤى أن يصرخوا بأعلى صوتهم (أوقفوا التعليم فورًا)، ليراجع الجميع سبيله، ويعيد النظر في طريقه الذي يسير فيه، والأهداف التي يبتغي الوصول إليها باستخدام وسائله وأدواته التعليمية المستخدمة فعلًا، وما إذا كانت ستساعده في تحقيق الأهداف التعليمية من عدمه.
اقرأ أيضًا تمكين العقول.. أهمية التعليم في عالم اليوم
ماذا يحتاج التعليم في العصر الحاضر؟
بل إن الأهداف التعليمية ذاتها صارت في حاجة إلى إعادة نظر متعمق، وطبيعة المؤسسة التعليمية التي اتصفت بخصائص ثابتة منذ بداية القرن الماضي قد حان الوقت للنظر في تغييرها بكل جدية لتلائم واقعًا جديدًا مختلفًا، ومتلقين للتعليم يختلفون بمستوى 360 درجة عن غيرهم من متلقي التعليم الذين وُجدوا منذ عشرات السنين، فضلًا على أدوات التعليم وخصائص المعلمين وطرائق الإدارة التعليمية التي يجب أن يُعاد النظر فيها من جديد.
لذا فنحن محتاجون فعلًا لوقفة جادة، ولا مانع من مشاركة النداء مع من ينادي (أوقفوا التعليم فورًا) بهذه الطرائق والأفكار الكلاسيكية التي عفى عليها الزمن.
التعليم في العصر الحاضر صار محتاجًا فعلًا لأفكار أكثر جرأة وأكثر انفتاحًا على الواقع، هذا المدير النمطي والموجه التقليدي والمعلم بأدواته الكلاسيكية، بل والحصة المدرسية، ودور المدرسة الاجتماعي والتربوي والتنموي، كل ذلك في حاجة لإعادة نظر.
الأفكار المجنونة غيرت التاريخ، فهل كان يُنظر لنيوتن بجدية واحترام وهو يقف مشدوهًا ويتساءل وهو في حالة حيرة: لماذا سقطت التفاحة للأسفل ولم تذهب إلى الأعلى سابحة في الفضاء؟
كان سؤالًا محيرًا ومؤرقًا فعلًا ودفعه لمزيد من التأمل والبحث والتعمق في قضيته المؤرقة، في حين غيره ربما كان يراه تائهًا في ترهات عقلية غير عادية وغير مطلوبة، وينظر أحدهم مشفقًا عليه وربما تناول تفاحة نيوتن المحيرة ليأكلها ليخلصه من حيرته.
بالضبط العالم اليوم محتاج لمزيد من الأفكار التربوية خارج صندوق الأفكار التي نستحوذ عليها فعلًا، وهذا ما يسمى بالتفكير خارج الصندوق، عالم التربية والتعليم بصفته علم التطوير والتأهيل للفكر والمهارة والوجدان في أشد الاحتياج لأفكار مبتكرة خلاقة من عقول مبدعة ترتجي خدمة الكون والخليقة.
اقرأ أيضًا أفضل الدول في أنظمة التعليم
الجرأة والأفكار غير التقليدية
ولمَ لا نرجع إلى الوراء قليلًا لنستلهم العبرة من موقف نبي الله نوح عليه السلام وهو يصنع الفلك في مكان ما بالصحراء ويمر عليه الملأ تلو الملأ من قومه وهو يصنع الفلك سنوات عدة وهو منهمك في عمله، في حين هم يصدرون إليه عبارات السخرية والاستهجان صباح مساء.
ولم يفت ذلك في عضده ولم يسبب له الإحباط أبدًا ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ (هود: 38).
فلا يكن هناك عجب أو استهجان لدعاوى شديدة الجرأة كمن يدعو إلى إيقاف التعليم بالمدارس على وضعها الحالي، والتحول إلى مدارس ذكية بل أكثر ذكاءً مما يطلق عليه الأجهزة الذكية، حتى يتسنى أو يكون في المستطاع تطوير تلك الأجهزة الذكية إلى أخرى أكثر ذكاءً، فمن الواجب أن تكون المدارس ومؤسسات التعليم أكثر ذكاءً وفقًا لمقرراتها وأسلوب إدارتها وبيئاتها العامة والبيئة الاجتماعية كذلك.
أما أن يتجاوز النظام الآلي بأجهزته الآلية الحديثة والأجهزة اللوحية المتطورة النظام التعليمي ومؤسساته فإنه أمر مؤسف.
ولن يقدم التعليم بذلك ما يُرتجى من ورائه من فوائد، وهي ورطة حقيقية تعاني منها المجتمعات، وبصفة خاصة المعلمين والطلاب الذين يقفون مشدوهين أمام الاستخدامات المتطورة للهاتف المحمول والحاسب الآلي والجهاز اللوحي الذي يُطلق عليه التابلت، وتلك الأجهزة كلها بما فيها الهاتف المحمول يُطلق عليها الأجهزة اللوحية.
وأحب أن أضيف طرفة إلى هذا الموضوع، وهو أن كل شخص أو طالب كان يتصف بضعف الفهم كان يطلق عليه ويناديه المعلم: افهم يا لوح، مستهجنًا لحالته ووضعيته.
الألواح سبقتنا في عالم اليوم، ويجب استحداث طريقة علمية للسيطرة على الطالب، وتوفير قدر من الإثارة الفكرية والجاذبية لوسائل التعليم بعد امتلاكه لتلك الأجهزة اللوحية، خاصة وهو يستطيع الحصول على معلومة أفضل مئة مرة مما يقدمه له المعلم في الوقت الحاضر والظروف الحالية من طريق تلك الأجهزة اللوحية.
لقد فقد المعلم هيبته، وللأسف تلاشت تلك الهالة الكبيرة التي كان الطلاب يحيطون بها معلميهم.
عندما تكون قادرًا على الحلم فقد أنجزت قدرًا كبيرًا من الطريق، وعندما لا يبادر أحدهم بمباغتة الحلم لإجهاضه في مهده فإنك تسير على الطريق الصحيح.
وعندما تكون قادرًا على رسم المخطط الذي يحول حلمك إلى حقيقة فقد قطعت مسافة كبيرة على طريق الإنسانية، يثبت أنك إنسان حقيقي تعايش الواقع وتتبادل الأحلام والتطلعات مع البيئة الكونية من حولك.
وعندما تستطيع تحقيق حلمك أو جزء منه فقد قطعت طريق النجاح بكامله بكفاءة يغبطك عليها كثيرون وكثيرون من سكان كوكب الأرض.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.