تعريف الأخلاق حسبما جاء في قاموس معجم المعاني الجامع "هي جمع خُلُق، وهي مجموعة صفات نفسية وأعمال الإنسان التي توصف بالحُسن أو القُبُح سمو/كرم أخلاق " وعلم الأخلاق: "هو علم بالفضائل وكيفية التحلي بها، والرذائل وكيفية تجنبها ".
وللشاعر معروف الرصافي:
هي الأخلاق تنبت كالنبات إذا سقيت بماء المكرمات
وقال الشاعر أحمد شوقي:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وهكذا تربي العوائل أبناؤها، وتعلمها منذ الصغر الحلال والحرام، والصح والخطأ، وفضائل المكارم، ومغبة السيئات. وهكذا نشأنا، وعندما كبرنا، وجدنا أن تلك المعايير آخذة بالتغير، فأصبحنا نرى شخصاً يرتدي بنطال مثقب، وكنا إذا ثُقبَ البنطال نروفه ونخيطه، إذا لم نشتري غيره. أو أن يحلق آخر شعر رأسه "كعرف الديك "، وعندما نتكلم يقولون لنا، إنكم متخلفون، هذا ليس زمانكم. فإن قَبِلنا بذلك فكيف نَقبل أن تُنتَهك في هذا الزمان الحُرمات وتَنتَشر المفاسد والقتل والذبح والغش، ويقل الاحترام، لكبار السن أو للمعلم او للطبيب أو للأديب، أو للأستاذ الجامعي أو للمعلم أو لشرف المهنة. فترى الفضائيون بالآلاف، وترى من يعمل له عدة ببطاقات شخصية ويستلم بكل واحدة راتب. كانوا يقولون الفقر سبباً للسرقة، لكنا وجدنا من تبلغ رواتبهم عدة ملايين يسرقون.
كلما تقدم الزمن، وكلما تقدم الإنسان في ارتقاء سلم الحضارة، وكلما زاد بعض الناس في فساد أخلاقهم، وكلما برز على الصعيد الاجتماعي أناس لا يراعون في سلوكهم مخافة الله، ولا الخجل من الناس. كنا نقرأ عن لصوص الماض، قرأنا:" أن لصا دخل داراً لغرض السرقة ليلاً، وكانت ربة البيت نائمة مع طفل لها. ولم يكن في السابق النقود والمجوهرات متواجدة لدى معظم الناس كما هو عليه الحال الآن، فقام اللص ببسط عباءته على الأرض ووضع عليها مواد من الدار ما يستفاد منه أو يبيعه، وأن هذا اللص بعدما ملا عباءته أراد أن ينهض فلم يستطع، وكانت ربة البيت تنظر إليه من تحت الغطاء هي وطفلها الصغير، فنادت طفلها قائلة: وليدي قوم ساعد خالك حتى يشيل الأغراض، فلما سمع اللص ذلك منها، قال لها: يا أختي تُحْرَم علي هذه الأغراض لأنَكِ اعتبرتني خاله ثم سحب عباءته وخرج دون أن يسرق شيئاً"، كان كبار السن ممن إلتقي بهم يقولون كنا نسبح في الأنهار رجالاً ونساء، ولم تشتكي امرأة من رجل أنه أسمعها كلاماً جارحاً أو تحرش بها، لصوص هذا الوقت يسرقون ويغتصبون ويتحدثون ولا يخجلون، وشباب هذا الوقت يتحارشون بالنساء، فتيات بعمر الزهور يهددونها، يحتالون عليها وبمجرد حصولهم على صورتها، يبتزونها، فتيات تهرب من عوائلها بحجة "تحب أحد المراهقين " وزوجات يطلبن الطلاق من أزواجهن، وأزواج يطلقوا نسائهم لأتفه الأسباب، كأن لم تحضر له وجبة غذاء. حالات الطلاق كل عام عشرات الالاف، تترك خلفها أولاداً إن أصبحوا تحت رحمة زوجة الاب ، ستلقنهم اشد أنواع العذاب ،الزوج الذي يدفع الأموال لكي تصبح زوجته خريجة كلية، تطلب الإنفصال بعد حصولها على الشهادة، لأنه لم يعد يناسبها، ولله در الشاعر سليم ابن مالك بن فهم الدوسي الزهراني الأزدي الذي يقول:
فَيا عجباً لمن ربَّيت طفلاً ألقمه بأطراف البَنانِ
أُعلّمهُ الرِّماية كل يـــــوم فلمَّا أشتدَّ ساعِدهُ رَماني
وكم علَّمْتهُ نظم القوافــي فلمَّا قال قافيهُ هجاني
كان الطلاب في المدرسة، يقدسون المعلم ويعتبر بمثابة الأب والموجه، وكان الطالب الكسلان يرسب في صفه سنتين أو ثلاثة ثم يَُفصل من المدرسة، ويذهب لدائرة تجنيده عن بلوغه سن 18 سنه لأداء الخدمة العسكرية، لا أحد يعترض على ذلك، ولا يُُهدد المعلم أو يعتدي عليه، الآن المعلم وأستاذ الجامعة يُهدد من قبل الطالب داخل الصف وخارجه، ويعتدي عليه إذا رسب أحد الطلاب في أحد الدروس، وتصله رسائل التهديد على جواله. لا بل حتى العنصر النسوي من المعلمات لم يسلمن من التهديد، فعندما تكون المعلمة مديرة مركز امتحاني، يأتوها للمركز ويهددونها بالسماح للطالب الفلاني بالغش ومساعدته وإلا تتحمل عواقب ذلك. وعندما امتنعت مسؤولة إحدى المراكز الامتحانية عن ذلك، تبعتها مجموعة من النسوة إلى دارها واعتدين عليها في باب دارها بالضرب المبرّح. فيا ترى ماذا حصل للناس.
الموت والحياة بيد الله وليس بيد الطبيب، إن مات مريض بعملية، تقوم الدنيا على الطبيب ولا تقعد، ويعملون معه "كوامة "، الناس تموت لأنه للناس آجال ،ولأن الموت مصيرنا جميعاً، والعمر بيد الله، يقول الشاعر :
أين الملوك وملاّك الملوك، ومن ... كانوا إذا الناس قاموا هيبةً جلسوا
ومن سيوفهم في كل معركة ....... تخشى، ودونهم الحجّاب والحرس
أصمّهم حدثٌ وضمّهم جدثٌ ... باتوا وهم جثث في الرمس قد حبسوا
وسائل التقدم أصبحت وسائل للغش فابتكرت "سماعة الجاسوس" وهي أداة تسمح للاتصال بطريقة مخفية تماماً عن عين المراقب، إضافة إلى السماعات الخاصة والساعات المشبوكة بالإنترنت وتسريب المواضيع عبر الشبكات الاجتماعية، مثال ذلك قيام إحدى طالبات الثانوية العامة بالجزائر بوضع شريحة إلكترونية في الأذن لها قدرة على الاتصال عبر الأقمار الصناعية، واعتمدت عليها في نسخ إجابات كان يمليها عليها زميل لها بالخارج. وفي عام 2016م، استخدم ثلاثة طلاب تايلنديين بهدف اجتياز امتحان القبول في كلية الطب لإخفاء كأمرات صغيرة جداً بنظاراتهم، مرتبطة بساعات متصلة بالإنترنت.
إن مجتمعاتنا بحاجة إلى إعادة النظر في التربية الأخلاقية، ومحاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين، ومنع الجريمة ومعقبة المجرمين، وتنشأة الأحداث نشأة مبنية على القيم الأخلاقية الحميدة، كالأمانة والصدق والتعايش وحب الآخرين ومساعدة المحتاجين، وحماية الأسرة والاستخدام المنضبط لوسائل التواصل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات في المجتمع، وعدالة القضاء، ونزاهة التعليم، وحماية أرواح الناس من التهديدات، ونظام اجتماعي للرعاية الاجتماعية، وتوفير الخدمات الاجتماعية المطلوبة من كهرباء ومياه صالحة للشرب وشوارع مبلطة وتعليم حديث، ذلك سيكون أساساً لبناء مجتمع يعتمد الصدق والأخلاق الحميدة .
أرجو أن لا أكون متشائماً، فكل المعطيات تقودنا إلى واقع تغيرت فيه الأخلاق، مع التغير الحاصل في التقدم الحضاري، لكن ذلك لا يعني أن أهل المعروف والخير قد انتهوا، إنهم موجودين، ونقول فيهم الخير والبركة إن شاء الله .
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.