الأرض العطشى.. رحلة بين الأمل واليأس لمواجهة الجفاف في تارودانت

لم تعد أقدام عبد السلام تلامس حقول الزعفران في إقليم تارودانت؛ تلك الحقول التي كبر بين أحضانها وعاش على عطائها، ليرتد الحال وتتغير معالمه، والسبب: جفافٌ هبَّ فكسح خيراتها سنوات.

يخرج عبد السلام بيأس من بيته صباحًا ليعد العدة ويباشر عمله الجديد سائق شاحنة، ينظر إلى السماء الصافية من الغيوم، ويأخذ نفسًا عميقًا قبل أن ينطلق في رحلة يومية تنقله بين القرى المجاورة لقريته "تالوين".

لقد اضطر عبد السلام إلى بيع قطعة من أرضه، التي جفت مصادر مياهها، ليشتري شاحنة صغيرة. يقول عبد السلام: "لم أفكر أبدًا في ترك الزراعة، لكن الظروف أقوى منا جميعًا"، ويضيف: "الحمد لله على كل حال، فقد علَّمتني الأرض الصبر والعمل، وهذا يساعدني الآن في مهنتي الجديدة".

وأردف قائلًا: "لست وحدي من اضطر لتغيير مهنته، فكثير من الناس هنا فقدوا صلتهم بأراضيهم بسبب شح المياه، ومنهم من لم يجد حتى عملًا يعينه على مواجهة الصعاب".

يحاول المغرب منذ عقود التصدي لأزمة المياه عبر مشروعات مختلفة، أبرزها سياسة السدود التي أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني التي هدفت إلى تحسين تدبير الموارد المائية وضمان استدامتها.

غير أن التحديات التي تواجهها هذه السدود كبيرة، إذ سجلت بعض السدود الكبرى نسب ملء متواضعة، كسد المسيرة الذي لا تتجاوز نسبة ملئه 1.3%.

قريبًا من منزل عبد السلام، التقينا محمد -عامل سابق في ضيعة للحوامض- يعاني الوضع ذاته. فقد أجبره توقف نشاط الضيعة على البحث عن بدائل في مدينة قريبة. يقول محمد: "الأشجار تموت يومًا بعد يوم، ولم يعد هناك عمل هنا، الخيار الوحيد كان مغادرة قريتي والبحث عن عمل جديد في المدن".

وتشير الدراسات إلى أن المغرب قد يواجه في السنوات القادمة تفاقمًا في مشكلة الجفاف بسبب التغيرات المناخية.

ومع ذلك، فإن بعض الفلاحين يواصلون زراعة محاصيل تستهلك كميات كبيرة من المياه، ما يفاقم أزمة استنزاف الفرشة المائية.

وفي خطوة لمواجهة هذا النقص، أعلنت السلطات المغربية إجراءات لترشيد استهلاك المياه، من بينها إغلاق الحمامات ومحلات غسيل السيارات في بعض الجهات أيامًا عدة.

وقد أثار هذا القرار استياء العديد من أرباب هذه المحلات الذين أكدوا أن الإجراء يزيد من معاناتهم الاقتصادية.

وتشير الإحصاءات إلى أن متوسط تساقط الأمطار في المغرب قد تراجع بنسبة تصل إلى ثلاثين في المئة خلال العقود الماضية.

وتُظهر أن التغيرات المناخية تؤثر بدرجة كبيرة على أنماط التساقط، إذ أصبحت الأمطار تهطل على نحو غير منتظم، ما يؤدي إلى وقوع ظواهر متناقضة مثل الفيضانات والجفاف.

وفي سياق البحث عن حلول واقعية، تبنت الحكومة المغربية مخطط المغرب الأخضر لتعزيز الزراعات المستدامة. وعلى الرغم من النجاحات المعلنة، فإن عددًا من الفاعلين يشككون في مدى فعالية هذا المخطط، مشيرين إلى أن التركيز على التصدير أدى إلى تهميش الزراعات المعيشية وارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية.

من جهة أخرى، يعمل المغرب على تطوير مشروعات لتحلية مياه البحر كونه حلًا استراتيجيًّا لتوفير المياه. ويُتوقع أن تصل القدرة الإنتاجية لمحطات التحلية إلى أكثر من 1490 مليون متر مكعب سنويًا خلال السنوات المقبلة، ما يظهر الجهود الرامية لمواجهة الإجهاد المائي والجفاف.

المغرب يواصل تعاونه مع المجتمع الدولي في هذا الإطار، عبر شراكات مع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، إلى جانب التزامه باتفاق باريس للمناخ، بهدف التصدي للتغيرات المناخية وآثارها المتزايدة.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة