إذا كنت تجلس في مقهى عصري (كافيه) وتشرب قهوتك اللاتيه، فيوجد احتمال ليس بضعيف لأن يأتي إليك أحدهم ويقول لك: "يا أخي، أنت برج الجدي، أكيد دماغك شغال 24 ساعة وليس لديك وقت لأي أحد". هنا تبدأ في التفكير: هل فعلًا الأبراج علم حقيقي، أم أنا أعيش في فيلم خيال علمي؟ يا عزيزي، دعنا نغص معًا في هذا الموضوع العجيب الذي لم يترك لنا لا سماءً ولا أرضًا إلا ودخلها.
رأي المؤيدين.. بين النجوم والطباع
المؤيدون للأبراج لديهم وجهة نظر قوية، ويقولون إن حركة الكواكب والنجوم لها تأثير مباشر في حياتنا وشخصياتنا. "كيف هذا؟"، تسأل. حسنًا، حسب رأيهم، الكواكب ليست مجرد أجرام سماوية تجوب الفضاء، بل هي تسير في مدارات دقيقة، تؤثر في كل شيء في الكون! المريخ يتحكم في عصبيتك، وعطارد هو سبب كل تلك الرسائل التي نسيت أن ترد عليها!
المؤيدون يعتمدون على هذه الفكرة، ويدَّعون وجود علاقة علمية بين موقع الكواكب ووقت ولادتك وبين شخصيتك، وحظك، حتى حبيبتك (أو عدم وجودها). واستدلوا حتى بآيات من الذكر الحكيم كقوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} (سورة الواقعة: 75- 76)، وقوله: {والسماء ذات البروج} (سورة البروج: 1)، وقوله: {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} (سورة النحل: 16)، وقوله: {ولقد جعلنا في السماء بروجا} (سورة الحجر: 16)، وغيرها من الآيات.
كل هذا يدل -عندهم- على صدق ما يدَّعون، ولولا أن للنجوم ومواقعها أسرارًا كبيرة وخبايا عظيمة، فلماذا إذًا أقسم الله بها هذا القسم، بل ليس مجرد قسم عادي، وإنما أسماه بالعظيم؟ وأيضًا السماء وبروجها، هل ذكرها هكذا اعتباطًا؟ حاشاه سبحانه!
وقد استدلوا بتفسير الشيخ الشعراوي لهذه الآيات حين قال ما فحواه: معنى أن يقسم الله بالبروج ومواقع النجوم، يعني أن لها أسرارًا جليلة، ومن هذه الأسرار: أن لها تأثيرًا في أحوال الناس، وفي الزروع والثمار والطقس وأمور كثيرة؛ وهذا دليل على عظمة قدرة الله في خلقه، وترتيبه وتدبيره الحكيم. وعقَّب على قوله: {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} أن الاهتداء في الآية قد يتطرق إلى أمور أخرى غير الاهتداء بهم في البر والبحر، كالاستدلال منها على معرفة الأحوال والتفاصيل.
وذكر المؤيدون أيضًا أن هذا الكلام لا يتعارض مع قدرة الله، بل ما سبق يبرهن على عظمة قدرة الله، فالله هو الذي جعل للنجوم هذه القدرة على التأثير، النجوم مجرد سبب، لا تؤثر في شيء إلا بإذن الله؛ وهذا أكبر دليل على عظمة صنع الله، وتدبيره الحكيم.
فلذلك علم الأبراج عندهم علم حقيقي، والتعمق والغوص فيه يكسبك معرفة كبيرة.
أيضًا، يرون أن علم الفلك قديم، وقد استخدمته الحضارات العريقة مثل المصريين القدماء، البابليين، والهنود، وأن هؤلاء لم يكونوا ليتعلقوا بشيء إلا لو كان له أساس علمي.
اقرأ أيضًا: أنواع الأبراج.. وصفات كل برج
رأي المعارضين.. إذا كانت الكواكب تتحدث فلماذا لا تقول شيئًا مفيدًا؟
الآن، دعونا نذهب إلى الجانب الآخر من المقهى، حيث يجلس فريق المعارضين. هؤلاء لا يقتنعون بسهولة بوجود قوى غامضة تأتي من الكواكب البعيدة لتؤثر في حياتنا اليومية. يقولون: "يا عم، لو الكواكب فعلًا تتحكم في حظي، فهذا يؤكد لي أن الكواكب لا تطيقني".
يستند المعارضون إلى المنطق العلمي الذي يقول إن الأبراج ما هي إلا مجموعة من التخمينات العامة التي يمكن أن تنطبق على أي شخص. "عندما يقول لك برجك إنك ستواجه تحديات هذا الأسبوع، يا رجل، هذا الأسبوع مملوء بالتحديات للجميع! فمن منا لا يواجه تحديات؟ الكهرباء انقطعت ثلاث مرات منذ الصباح". بالنسبة لهؤلاء، كل ما يقال في الأبراج هو مجرد كلام فضفاض يمكن أن يتناسب مع أي ظرف.
واحدة من أقوى حجج المعارضين هي أن شخصية الإنسان معقدة جدًّا ولا يمكن حصرها في 12 نوعًا فقط. كيف يمكن أن يكون ملايين الأشخاص الذين وُلدوا تحت برج الأسد جميعهم قياديين؟ أو أن جميع مواليد برج الثور عنيدون؟!
أيضًا هم يذكرون أن الأبراج الموجودة في السماء ليست 12 برجًا فقط، بل هي أكثر من ذلك؛ واكتُشفت حديثًا أبراج جديدة غير الـ12 برجًا المعروفة، وهذا كافٍ لهدم هذا العلم المزعوم بتاتًا من جذوره، ودحض كل النظريات القائمة عليه، من مواقيت الأبراج وكل شيء. فعلى هذا سيتغير تاريخ برج الأسد أصلًا وفق الترتيب الجديد؛ تخيل أن تنام من مواليد الدلو، وتستيقظ لتجد نفسك من مواليد الحمل؛ إذًا كل الصفات وجميع الدراسات ستذهب هباءً منثورًا.
اقرأ أيضًا: 5 أبراج الأكثر ذكاء عاطفياً 2023.. تعرف عليهم
خلاصة القول.. علم أم خرافة؟
أما أنا، فإليكم رأيي بكل صراحة. الأبراج، في رأيي المتواضع، تنقسم إلى نوعين. النوع الأول هو الأبراج التي تتحدث عن التنبؤ بالمستقبل، والحديث عن حظك اليوم... إلخ. من طريق حركة النجوم والكواكب؛ فهذا النوع، يا عزيزي، أضعه في خانة "ما لا يُعقل ولا يُقبل". لماذا؟ لأنه ببساطة إذا كان يوجد من يستطيع التنبؤ بالمستقبل بواسطة هذا العلم، لنفع نفسه أولًا، واستطاع تلافي كل المخاطر والأمور غير المرغوبة، وأصبح حالهم مثاليًّا؛ لكن انظر لحال هؤلاء ممن يدَّعون براعتهم في هذا العلم، أغلبهم حالته يُرثى لها.
غير أن هذا الأمر من جانب ديني مرفوض، فالغيب لا يعلمه إلا الله، أو من أراد الله له ذلك ولكن بطريق لدني موهوب، لا طريق علم مكسوب.
أما عن كلام الشيخ الشعراوي وغيره! نعم، قد يكون الأمر صحيحًا، والنجوم لها أسرار فعلًا، وقد يكون لها تأثير في أحوال الناس؛ لكنهم لم يذكروا أنه علم يستطيع الناس به التنبؤ بالمستقبل، هم تحدثوا عن كون النجوم لها تأثير وفق إرادة الله فقط.
وأرفض هذا أيضًا استنادًا إلى النصوص الكثيرة التي تحرِّم التعامل مع هؤلاء العرافين والمنجمين وتصديقهم؛ ولا أصدق من القول المأثور: "كذب المنجمون ولو صدقوا".
أما النوع الثاني من الأبراج، الذي يتحدث عن صفات الأشخاص استنادًا إلى استقراء سلوكيات معينة بناءً على تاريخ الميلاد، فهذا قد يكون فيه كلام. نعم، قد نجد تشابهات بين مواليد البرج الواحد، لكن يجب أن نكون حذرين في التعميم.
فلقد أجريت بحثًا عن هذا الموضوع، للتحقق هل مواليد البرج الواحد يحملون صفات مشتركة بينهم، بعرض صفات عامة على مجموعة من مواليد البرج لنرى هل هذه الصفات العامة مشتركة عندهم أم لا.
النتيجة، صفات البرج العامة لأي برج موجودة عند أكثر من 90% من أبناء البرج، فهذا يعني أن التشابه بين أبناء البرج الواحد حقًّا موجود، فأغلب مواليد برج الأسد ستجد عندهم ثقة قوية، وأغلب مواليد العذراء عقلانيون، نعم هذا حقيقي، لكن هذا ليس تنجيمًا كمل تظن، بل هذا مبني على استقراء حقيقي واقعي، كيف ذلك؟ يكون ذلك بسؤال مجموعة من مواليد برج الجوزاء مثلًا: ما أكثر صفة تتميزون بها؟ وجدنا إجماعًا من غالبيتهم على أنهم متقلبو المزاج، فعممنا الحكم ببساطة على مواليد برج الجوزاء بأن أغلبهم قد يكونون متقلبي المزاج، وبنسبة تفوق 90% سيكون الحكم صحيحًا.
هل ما يجعل هناك تشابهًا بين مواليد البرج الواحد النجوم والكواكب كما يقولون؟ لا ندري، ربما، لكن ما من دليل علمي يؤكد هذا أو ينفيه.
لكن يجب أن نعلم بأن حديثنا هذا كله عن صفات عامة جدًا، يسهل أن تكون مشتركة بين الناس، فلا يعني هذا أن مواليد البرج الواحد متشابهون تمامًا، فالشخصيات لها تفاصيل معقدة ومتشابكة يستحيل أن تتشابه..
أيضًا فهذه التعميمات للصفات ليست على نحو مؤكد، فالشخصيات معقدة كما ذكرنا الذي يتحكم في شخصية أي فرد، أمور كثيرة، كالتربية والبيئة المحيطة والوراثة وغير ذلك كثير، ليس تاريخ الميلاد فقط.
اقرأ أيضًا: كل ما تود معرفته عن الأبراج الهوائية
ختامًا.. يمكن أن توجد دراسات تربط بين مزاج الإنسان وفصول السنة أو تاريخ ولادته، لكن القول إن شخصيتك بالكامل محكومة بموقع المشترى في لحظة ولادتك، هذا، مع احترامي للمؤيدين، قد لا يكون دقيقًا.
وفي النهاية، سواء أكنت من مواليد برج الأسد وتعتقد أنك الملك، أم من مواليد برج العذراء وتبحث عن الكمال في كل شيء، تذكَّر أن الحياة مليئة بالمتغيرات، وأن الكواكب لا تعرف شيئًا عن موقفك المالي ولا مشكلاتك مع الإنترنت البطيء.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.