هذه القصيدة ليست كلمات فقط، بل رحلة نفسٍ تمر بأودية الشك، وتتعثر في صخور الذكرى، لكنها لا تفقد بوصلة الإيمان بالعلم والأمل. النص يظهر شوق الإنسان للحرية بعد خضوع، ولسكينة النفس بعد اضطراب، وكل بيت في القصيدة هو مرآة تعكس نبض قلب لا يزال يُصارع ليتشبث بالحياة على الرغْم من فصول الجفاف الروحي. نقرأ هنا تأملات وجودية ممزوجة بالشجن والبحث عن الذات.
وأي نعيم هو كلما سافرت حتى آخر اليوم
وحين كنت أمتطي الخطوب وأنا أحتسي المدام
كان يكفيني ما تنثره السماء عليَّ حتى أبحر في المنام
بين خيرات تفوق الخيال حين تغدق عليَّ بالكم
فما كنت أحلم إلا بالقليل من كل تلك النعم
كم هي بريئة هذه النفس الراضية بالحكم
بعدما ترسو على شواطئ القدر والحسم
فما أيقنت أن الحرية حق إلا بعد ذل الندم
وأنه ما يولد جنين الفكر إلا من حبر الألم
وهو كل ما قد يعترف به لسان اليمن والكرم
حين تتكرم على عيوني بالدمع كما المطر على اليم
فسلكت دروبًا كنت بها كالأعمى وكالأصم والأبكم
لأهرب من أيامي الخوالي ومن طفولة الهم
لإبراء نفسي بنفسي كلما جار عليَّ الظلم
آه منك يا قلبي كم تهوى ولا تتقبل السوم
فكيف تجرأت على الهجر وأنت المتيم؟
وما أسعدني بقبلة باسمة ناعمة على الفم
وكم هي جميلة الدنيا حين تداعبني بين القوم
فكأني مالك للأرض والسماء والنجم
كنت طفلًا ملاكًا قسى على حاله الصوم
حين طرحتني الأيام بلا زاد أو مدد المقام
فصرت ألعق الحروف وأعكف على العلم
ما كان لي مخرج من ظلمة الجهل إلا بالقلم
فحملت روحي بين نواجزي مناشدًا أعتى القمم
وسلمت أمري لنفسي وقصدت أعلى الهمم
ونجوت من ويلات الكبائر وسموم الإثم
فاعتدت عناق الأمل كما كانت تباغتني الأم
كان يعاودني الحنين كلما داهمني حال السقم
فتفلت أناي من سوط الغضب بدرع الحلم
كنت إذا ما فرحت اغرورقت مقلتاي بالضيم
كلما صار حالي يشبه حالات تذكرني بنبل الدعم
وما زلت أطلب العفو لكل زمن نقع بالدم
وها أنا أكتم أسرارًا لعلي أنجو من الشؤم
في هذه القصيدة، يقف الشاعر على حافة الهاوية، لا ليسقط، بل لينظر إلى ماضيه من أعلى. ومن أعماق الألم يولد فكرٌ جديد، تتفتق منه الحكمة. إنها رسالة لكل من عرف الجوع الروحي والفقر الفكري أن الطريق إلى النجاة يبدأ بكلمة.. بحبر.. بحلم. فهنا لا تنتهي القصيدة، بل تبدأ رحلة الخلاص.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.