اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في العمل

يُعد اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه تحديًا يمكن أن يمتد تأثيره ليشمل مختلف جوانب حياة البالغين، وخصوصًا بيئة العمل التي تتطلب مهارات تنظيمية وتركيزًا عاليًا، فحين يبحث أصحاب العمل عن صفات مثل الدقة والسرعة والاهتمام بالتفاصيل، قد يجد الأشخاص المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه صعوبة في تلبية هذه التوقعات بالطريقة التقليدية، ما قد يؤثر في مسارهم المهني.

يستكشف هذا المقال بعمق طبيعة هذه الصعوبات، موضحًا كيف يمكن لأعراض مثل صعوبة التركيز وإدارة الوقت، والالتزام بالمواعيد النهائية أن تمثل تحديات حقيقية، وسنتناول الفروق المحتملة في ظهور الأعراض بين الرجال والنساء، ونقدم إستراتيجيات عملية للتعامل مع هذه التحديات، ونناقش الحقوق القانونية للموظفين المصابين، وكيف يمكن تحويل بعض سمات هذا الاضطراب إلى نقاط قوة في بيئة العمل المناسبة.

يُعد التركيز الممتاز، والاهتمام بالتفاصيل، والسرعة، والتنظيم من الصفات التي يبحث عنها أصحاب العمل في الموظفين لديهم، ولكن عند الإصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، قد تُشكل هذه المهارات وغيرها تحديًا حقيقيًا؛ ما يُصعب معه التفوق في العمل، بل حتى الحفاظ على الوظيفة أحيانًا.

ويختلف اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى البالغين من شخص لآخر، فقد تجد صعوبة في التركيز على المهام والالتزام بالمواعيد النهائية، أو قد تجد نفسك أحيانًا في جدال مع رئيسك أو زميلك في العمل، وكلها أشياء تجلب لك مشكلات في العمل، وقد تنتهي بك إلى الفصل من الوظيفة التي تعمل بها.

تنقسم أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه -وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية DSM-5 الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) (DSM-5 Criteria for ADHD by APA)]- إلى فئتين: مشكلات في الانتباه، أو سلوكيات مفرطة النشاط كالتململ والاندفاع. لا يعرف الباحثون كثيرًا عن هذه الأعراض لدى البالغين بالمقارنة مع الأطفال، ولكن الوعي يتزايد؛ لأنها قد تكون أقل وضوحًا من تلك لدى الأطفال، ولكنها قد تشمل النسيان، وصعوبة تحديد الأولويات، أو عدم القدرة على التعامل مع التوتر.

وقد يختلف شكل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى الرجال عنه لدى النساء، فكما أشارت دراسة منشورة في (PubMed Central)، غالبًا ما تكون أعراض الرجال خارجية، مثل السلوك العدواني، ومقاطعة الآخرين، أو نوبات الغضب. أما لدى النساء، فأعراضهن ​​تميل إلى أن تكون داخلية، فقد يشعرن بفقدان الحماس أو الشعور بالإرهاق بسهولة، أو صعوبة في النوم، أو انخفاض في تقدير الذات.

مصابو فرط الحركة ونقص الانتباه.. أرقام صادمة

في الولايات المتحدة على سبيل المثال، يُقدر أن ما بين 8 ملايين و9 ملايين بالغ أمريكي مصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ووفقًا لبيانات حديثة من (مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)) صدرت في عام 2024 بناءً على مسح عام 2023، يُقدر أن نحو 6.0% من البالغين لديهم تشخيص حالي لـADHD، أي ما يعادل نحو 15.5 مليون بالغ أمريكي.

أظهرت دراسة أن نحو 34% فقط من البالغين المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه تمكنوا من العمل بدوام كامل

وقد أظهر أحد المسوحات الوطنية السابقة التي أشارت إليها دراسة منشورة في (PubMed Central) أن نحو 34% فقط من البالغين المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه تمكنوا من العمل بدوام كامل، مقارنةً بـ59% من البالغين غير المصابين به. ولكن حتى عندما تمكنوا من الحصول على عمل، كانوا يميلون إلى كسب دخل أقل من أقرانهم.

وتشير تقديرات أخرى إلى أن التكاليف السنوية المرتبطة بـ ADHD لدى البالغين في الولايات المتحدة تتراوح بين 105 و194 مليار دولار، حيث تمثل خسائر الإنتاجية والدخل المرتبطة بالعمل الجزء الأكبر من هذا العبء الاقتصادي، وفقًا لدراسة نشرت على (Psychiatrist.com). ولكن يمكنك القيام ببعض الأشياء للحصول على وظيفة والنجاح فيها، في بعض الأحيان، قد يكون اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لديك ميزة إضافية.

صعوبات تواجه مصابي فرط الحركة في أمكنة العمل

إذا كنت تعمل في مكتب، فقد يُصعِّب عليك الضجيج والحركة الزائدة التركيز. ومن المشكلات الشائعة الأخرى الملل، خاصةً فيما يتعلق بالأعمال الورقية والمهام الروتينية؛ ما قد يدفعك إلى المماطلة في إنجاز المهام المطلوبة.

من الطبيعي أيضًا أن يواجه المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه صعوبة في تذكر المواعيد النهائية والمسؤوليات الأخرى. إذا كنت تعاني من صعوبة في التحكم في انفعالاتك، فقد تُصاب بنوبات غضب في العمل. ولأن اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه قد يدفعك إلى الصراحة المفرطة، أو كثرة الكلام، أو مقاطعة المتحدث، فقد يؤثر ذلك أيضًا في علاقاتك بزملائك في العمل حتى الرؤساء.

يواجه المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه صعوبة  في تذكر المواعيد والمسؤوليات الأخرى ما قد يؤدي لنوبات غضب

وقدد أظهرت إحدى الدراسات أن الأفراد المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه قد يظهرون اختلافات في الانتباه، والذاكرة العاملة والمعالجة العقلية، والطلاقة اللفظية. تُسمى هذه القدرات جميعها بالقدرات التنفيذية (الوظائف التنفيذية)، وهي مهمة في مكان العمل.

أظهرت إحدى الدراسات أن المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه غالبًا ما يواجهون صعوبات أكبر في الانتباه، والذاكرة العاملة، والمعالجة العقلية، والطلاقة اللفظية. تُسمى هذه القدرات جميعها بالقدرات التنفيذية، وهي مهمة في مكان العمل.

إذا كنت تعاني من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، فقد يصعب عليك أيضًا:

  • إدارة الوقت.
  • التنظيم والبقاء منظمًا.
  • الاستماع والانتباه.
  • اتباع التعليمات.
  • إنجاز الواجبات.
  • الاهتمام بالتفاصيل.
  • الوصول إلى العمل في الوقت المحدد.
  • التحدث في دورك فقط.
  • الجلوس بهدوء.
  • السيطرة على مشاعرك.

قد تواجه أيضًا مشكلات في:

  • سرعة الغضب والانفعال.
  • التسويف.

غالبًا ما يؤدي اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إلى الاكتئاب وانخفاض تقدير الذات، وعندما لا تتمكن من الالتزام بالمواعيد النهائية وإكمال عملك في الموعد المحدد، فقد يتفاقم هذا الشعور.

ويعتمد مدى تأثير اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في توقعاتك الوظيفية على مدى شدة حالتك. فقد يفقد بعض الأشخاص الأكثر تأثرًا وظائفهم، أو ينتهي بهم الأمر بالتنقل من وظيفة إلى أخرى، أو يحتاجون الحصول على إعانات الإعاقة.

كيف يؤثر اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في العمل؟

يؤثر اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في الأداء الوظيفي بطرائق عدة. فإذا لم تستطع الجلوس ساكنًا، فقد تجد الاجتماعات مرهقة، وقد تكون متابعة مشاريع متعددة وإدارة وقتك بكفاءة أمرًا بالغ الصعوبة، فضلًا على العلاقات المتوترة سواء بينك وبين الزملاء أو الرؤساء أو حتى العملاء.

كثير من البالغين الذين يعانون من الأرق، أو عدم القدرة على التركيز، أو أعراض أخرى، لم يتم تشخيصهم رسميًا باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. فإذا كنت تعاني من أي من المشكلات المذكورة أعلاه، فإن الخطوة الأولى هي زيارة طبيب متخصص في علاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى البالغين. هذا الطبيب يمكنه التحدث معك لمعرفة ما إذا كنت تعاني منه. فإذا كنت تعاني منه، يمكنه تشخيص حالتك حتى تتمكن من البدء بخطة العلاج المناسبة.

يحقق بعض الأشخاص نجاحًا مع الأدوية، أو العلاج النفسي، أو كليهما، توجد أيضًا استراتيجيات تنظيمية يمكنك تعلمها من مدرب أو معالج مهني ثم ممارستها، جرِّب ما يلي:

  • الروتين والقوائم: إذا كنت تواجه صعوبة في الروتين، فحاول بناء جدول زمني تدريجيًا. فقوائم المهام التي تحتوي مهام أصغر يمكنك إنجازها في 30 دقيقة أو أقل هي طريقة جيدة للحفاظ على حماسك.
  • شيء جديد: بما أن دماغ اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه يميل إلى الملل بسهولة، يمكنك أيضًا محاولة تغيير مكان عملك، أو الاستماع إلى قائمة تشغيل إذا كنت تحاول إكمال مهمة متكررة.
  • المكافآت عند إنجاز أي مهمة من مهامك: كافئ نفسك لتحفيز نفسك، فقد تكون هذه أشياء صغيرة تحب القيام بها، مثل شرب كوب من الشاي أو المشي لمسافات قصيرة.
  • مساحة شخصية: إذا تشتت انتباهك في المنزل أو المكتب، فحاول إنشاء مساحة خاصة بك بعيدًا عن الأشخاص والأشياء التي قد تجذب انتباهك، وقد يكون ذلك في غرفة اجتماعات غير مستخدمة أو حجرة صغيرة.
  • تحسين التواصل: للتواصل أفضل في العمل، حاول طلب ملاحظات بناءة من مديرك أو زملائك. قد يكون من المفيد أيضًا الانتباه للإشارات الاجتماعية، مثل لغة الجسد أو نبرة صوت الشخص، حتى تتمكن من فهم أفضل طريقة للرد.
  • الإرشاد المهني: إذا كنت على وشك البدء في البحث عن وظيفة، فتواصل مع مستشار مهني للعثور على وظيفة تناسب اهتماماتك واحتياجاتك وقدراتك على النحو الأمثل. قد ترغب في العثور على وظيفة أكثر سرعة وساعات عمل مرنة وهيكل أقل صرامة، أو قد ترغب في بدء مشروعك الخاص حتى تتمكن من تصميم بيئة عمل وساعات عمل خاصة بك.

من أهم الاستراتيجيات التنظيمية التي يمكنك ممارستها في العمل أن تكافئ نفسك عند إنجاز أي مهمة من مهامك

إستراتيجيات عملية للنجاح في وظيفتك مع اضطراب فرط الحركة

بمجرد حصولك على وظيفة، جرِّب ما يلي:

  • ابحث عن الهدوء: اطلب العمل في مكان هادئ لا يُشتت انتباهك بسهولة.
  • كوِّن صداقات: اعمل مع مدير أو زميل منظم جيدًا، ويمكنه مساعدتك في إدارة مشاريعك من البداية إلى النهاية.
  • احجز موعدك: احتفظ بمخطط يومي مع تقويم وقائمة بالمهام المطلوب إنجازها، وقم بتحديثها باستمرار.
  • جهِّز هاتفك الذكي أو حاسوبك لإرسال تذكيرات إلكترونية للاجتماعات ومواعيد التسليم.
  • دوِّن ملاحظاتك في أثناء الاجتماعات والمحادثات الهاتفية، وأضف جميع المهام الجديدة إلى قائمة مهامك.
  • جدولة أوقات الانقطاع: خصص أوقات زمنية محددة كل يوم للرد على رسائل البريد الصوتي والبريد الإلكتروني حتى لا تُعيق مسؤولياتك الأخرى.
  • ضع أهدافًا واقعية: قسِّم أيامك إلى سلسلة من المهام الفردية، وحاول إنجاز مهمة واحدة فقط في كل مرة، واستخدم مؤقتًا لإعلامك بموعد الانتقال إلى المهمة التالية.
  • كافئ نفسك: عند إنجاز مهمة أو اتباع هذه النصائح التنظيمية، جِد طريقة لمكافأة نفسك.
  • خذ قسطًا من الراحة واستنشق بعض الهواء النقي إذا كنت تعمل في مكان مغلق.
  • اقرأ مقالًا إخباريًا، أو العب لعبة سريعة على هاتفك.
  • لتحقيق أهدافك الكبيرة، اخرج لتناول غداء خاص أو احصل على شيء كنت ترغب به.
  • فوِّض المهام. إن أمكن، اطلب من مساعد أو متدرب الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة لتفريغ طاقتك والتركيز على الصورة الكبيرة.
  • استرخِ واجعلها عادة.. مارس تقنيات الاسترخاء؛ فهي تساعد على التركيز، وجرب التأمل أو التنفس العميق، إذا كنت تجلس على مكتب، انهض مرة كل ساعة وتمشَّ، أو اشرب كوبًا من الماء، أو تحدث إلى زميل في العمل.

إيجابيات وسلبيات اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه

قد يُسبب لك اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه صعوبة في بدء المشروعات والمماطلة عندما تشعر بالإرهاق، وقد لا يكون التنظيم والالتزام بالمواعيد النهائية من نقاط قوتك، فقد تكون سريع التشتت والإحباط، ويمكن أن تؤثر هذه المشكلات في نظرة الآخرين إليك في مكان عملك.

ومع ذلك، توجد فوائد قد تصاحب اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. إن القلق والاندفاع والرغبة الدائمة في تجربة أشياء جديدة قد تكون من المزايا الرائعة، وينطبق هذا خاصة إذا كنت تمتلك مشروعك الخاص.

أظهرت الدراسات أن كثيرًا من البالغين المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ينتهي بهم الأمر إلى أن يصبحوا رواد أعمال، ويكمن سر النجاح في إيجاد المسار المهني الأنسب لك، ثم استخدم طاقتك وإبداعك ونقاط قوتك الأخرى لتحقيق أقصى استفادة من وظيفتك.

أظهرت دراسات أن كثيرًا من البالغين المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ينتهي بهم الأمر إلى أن يصبحوا رواد أعمال

إن التعايش مع اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) في بيئة العمل قد يفرض تحديات فريدة، ولكنه لا يعني استحالة تحقيق النجاح المهني. فبالتشخيص الدقيق، والعلاج المناسب الذي قد يشمل الأدوية والعلاج النفسي، وتطبيق إستراتيجيات تنظيمية فعالة، يمكن للأفراد المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ADHD إدارة أعراضهم وتحويل عدد من التحديات إلى نقاط قوة. ومن الضروري أيضًا معرفة الحقوق القانونية المتعلقة بالتسهيلات المعقولة في العمل، والقدرة على التواصل بفعالية مع أصحاب العمل حول الاحتياجات الخاصة دون الشعور بالوصم.

وتذكر أن بعض الأشخاص المصابين بـADHD يتمتعون بإبداع وطاقة وحماس يمكن أن يكونوا أصولًا قيمة لأي فريق عمل عند توجيهها توجيهًا صحيحًا وفي بيئة داعمة، المفتاح يكمن في فهم الذات، واستغلال نقاط القوة، والسعي المستمر نحو تطوير إستراتيجيات اندماج ناجحة.

وأنتم أعزائي القراء، شاركونا آراءكم في التعليقات أسفل هذه المقالة، عن العقبات التي تواجهكم في العمل إذا كنتم ممن يعانون اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

معلومات مهمه جداً ومن واقع الحقيقة لانى مريض فرط ف المقال يشرح تشخيص عميق و لامس أعراض كثيره لأشخاص هذا المرض
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة