اضطراب التلعثم عند الأطفال وأسبابه وكيفية علاجه

كثيرة هي النظريات التي تحاول تفسير التلعثم عند المصابين به. ولكن حتى كتابة هذه المقالة، لم تستطع أي من هذه النظريات حسم الأمر حول الأسباب المؤدية للإصابة بهذا الاضطراب.

لذلك يُتوقع أن يستمر الجدل حول الأسباب المؤدية لهذا الاضطراب مدة أخرى من الزمن قد تطول أو تقصر.

مفهوم التلعثم

التلعثم أو التأتأة أو اللجلجة كما يروق للبعض تسميتها، كلها مصطلحات تشير لمعنى واحد، وهو اضطراب في النطق يتسم بتكرار أو انقطاع غير طبيعي للكلمات أو المقاطع الصوتية في أثناء التحدث.

أي إن المصاب بهذا الاضطراب لا يعاني مشكلة في اللغة، وإنما مشكلة تتعلق بطلاقة الكلام وانسيابيته.

لذلك يمكن تعريفه باختصار على أنه: اضطراب يعترض طلاقة الكلام.

هذا الاضطراب يمكن أن يؤثر في قدرة الشخص على التعبير عن نفسه بسلاسة، وقد يؤدي إلى إحراج اجتماعي وفقدان الثقة بالنفس.

التلعثم عند الأطفال

ويُعد التلعثم من الاضطرابات اللغوية الشائعة التي تصيب كثيرًا من الأفراد في مختلف الأعمار، وقد يختلف تأثيره من شخص لآخر، فمع أنّه قد يكون غير مؤثر في بعض الأشخاص، فإنه قد يمثل تحديًا كبيرًا لبعض آخر.

يشبِّه أحمد الصباغ -طبيب تخاطب- التلعثم بتقاطع مروري تسير فيه السيارات، إذا كانت الحركة بسرعة فإنها تؤدي إلى اضطراب في الحركة وخلل في الشارع، في حين أنه إذا تمت ببطء تصبح الأمور أفضل، وهكذا المتلعثم.

أما عن نسبة المصابين بهذا الاضطراب فتصل لـ1%؛ ما يعني إصابة شخص من بين كل 100 شخص، وهذا معدل كبير يتطلب الاهتمام بهذه الفئة من الناس. يصيب هذا الاضطراب الرجال أكثر مقارنة بالنساء بما نسبته 4 : 1.

أسباب التلعثم

تعددت النظريات المفسرة لأسباب التلعثم، علماء النفس أرجعوها لأسباب نفسية، والأطباء والمتخصصون أرجعوها لأسباب عضوية، والتربويون رأوا أن أسبابها تعليمية مكتسبة، وقد تكون مزيجًا من كل ما سبق.

الأطباء يرجعون الأسباب إلى مشكلات عضوية على أساس أنها نوع من أنواع التشنجات التي تصيب العضلات والأعصاب على السواء. إذ يعتقد أن التلعثم يرتبط باختلالات في النشاط العصبي الذي يتحكم في عملية النطق.

وقد تكون هذه الاختلالات في أجزاء معينة من الدماغ مسؤولة عن تنسيق الحركات العضلية المرتبطة بالكلام، مثل منطقة بروكا في الدماغ.

أما علماء الوراثة فيعدون التلعثم من الاضطرابات التي يمكن أن تنتقل من جيل إلى آخر، إذ تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين لديهم أقارب يعانون التلعثم هم أكثر عرضة للإصابة به؛ ما يشير إلى وجود دور للعوامل الوراثية في حدوث هذا الاضطراب.

التفسير الثالث هنا يتعلق بالهيمنة الدماغية أو السيادة المخية، وهي تحكُّم أحد فصي المخ في الفص الآخر، إذ غالبًا ما يسيطر الفص الأيسر على الفص الأيمن، ولذلك نجد أن 80% من الناس تستخدم اليد اليمنى في الكتابة.

النظرية النفسية

أما علماء النفس فيرون أن العوامل النفسية يمكن أن تؤدي دورًا كبيرًا في تفاقم التلعثم. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يتسبب القلق أو التوتر الاجتماعي في زيادة تواتر التلعثم أو تفاقمه.

بعض الأشخاص الذين يعانون التلعثم قد يصبحون أكثر عرضة للانزعاج أو الخوف من التحدث أمام الآخرين؛ ما يؤدي إلى تفاقم المشكلة.

يفسر علماء النفس التلعثم على أنه نوع من أنواع التأخر العقلي، وهو ما ثبت عدم وجاهته.

فعندما أُجري اختبار الذكاء أظهر أن 60% من المتلعثمين ذكاؤهم أعلى من المعدلات الطبيعية.

يقول علماء النفس: إذا تلعثم الطفل فأظهر أحد الوالدين أو كلاهما، رد فعل إيجابيًّا أو سلبيًّا فإن التلعثم يزداد لدى الطفل.

هذه النظرية إذن لا تناقش أسباب التلعثم، بقدر ما تركز على العوامل التي تزيده أو تنقصه، فكما أن المشاعر السلبية تزيد التلعثم، كذلك المشاعر الإيجابية، كلاهما يزيد حدة التلعثم لدى الشخص المصاب به.

لذلك يبدو أن التعامل الأمثل مع حالات التلعثم هو التجاهل التام.

النظرية التعليمية

النظرية الثالثة المفسرة لأسباب الإصابة باضطراب التلعثم هي النظرية التربوية أو التعليمية، التي تفسر حدوثه على أنه اختلاف ما بين العقل الباطن والعقل الظاهر.

يمكن أن تؤدي الظروف الأسرية أو الاجتماعية غير المستقرة إلى تأثيرات سلبية في نمو الطفل اللغوي؛ ما قد يسهم في ظهور التلعثم.

أيضًا فبعض الأساليب التربوية القاسية أو الضغوط المبكرة قد تكون عوامل مساعدة في تطور التلعثم.

أنواع التلعثم وأشكاله

يأتي التلعثم في عدة أشكال متباينة يمكن أن تختلف في شدتها وطبيعتها على النحو التالي:

التلعثم الفجائي

يحدث عندما يتوقف الشخص فجأة في أثناء الحديث، أو يكرر مقطعًا أو كلمة على نحو غير طبيعي. يحدث هذا النوع من التلعثم على نحو غير متوقع، ويمكن أن يكون ناتجًا عن التوتر أو القلق.

التلعثم المنتظم

يتمثل في تكرار أو إطالة الكلمات أو المقاطع الصوتية في أثناء التحدث، وقد يكون مستمرًّا أو متقطعًا.

التلعثم التكيُّفي

يحدث عندما يحاول الشخص التكيف مع التلعثم عن طريق التوقف في منتصف الجملة أو محاولة استخدام كلمات بديلة، وهي عادة ما تحدث نتيجة لتجارب التلعثم السابقة.

التلعثم العصبي

يحدث نتيجة لاضطرابات في عمل الجهاز العصبي المركزي، وقد يكون مرتبطًا بمشكلات في التحكم في الحركات العضلية المتعلقة بالكلام.

مشكلة التلعثم

أعراض التلعثم

تتنوع أعراض التلعثم، وقد تشمل أعراضًا كلامية أو غير كلامية، أما الأعراض الكلامية فتشمل:

التكرار

يتمثل في تكرار المقاطع الصوتية أو الكلمات مثل "لا لا لا أحب هذا".

التوقف المفاجئ

يحدث عندما يتوقف الشخص فجأة عن الكلام في منتصف الجملة، أو يعجز عن مواصلة الحديث بسبب صعوبة النطق.

إطالة الصوت

قد يعاني الشخص إطالةً في نطق بعض الأصوات أو الكلمات مثل "ســـــماء" أو "مـــــدرسة".

التحدث بسرعة

بعض الأشخاص الذين يعانون التلعثم قد يحاولون التعويض عن ذلك بالتحدث بسرعة كبيرة لكي يتجنبوا التوقف أو التكرار.

وتوجد أعراض غير كلامية تتمثل في اللزمات الحركية التي تكون مصاحبة للكلام، مثل حركة الرأس أو الوجه أو الأطراف أو مشكلات طبية أخرى.

علاج التلعثم

على الرغم من أن التلعثم قد يكون مشكلة مزمنة لبعض الناس، لكن كثيرًا من الطرائق الفعالة يمكن أن تساعد في تقليص تأثيراته أو معالجته. والعلاج يختلف من شخص لآخر حسب نوع التلعثم وعوامل أخرى، ويتضمن:

العلاج بالتدريب على النطق

يُعد العلاج بالتدريب على النطق أحد الأساليب الأكثر شيوعًا لعلاج التلعثم. ويشمل العلاج تعليم المريض كيفية التحكم في تنفسه في أثناء الكلام، إضافة إلى ممارسة تقنيات لتقليل سرعة الكلام والسيطرة على التوتر.

 يُمكن أن يساعد المعالج في تعليم تقنيات الاسترخاء والوعي بالوقت المناسب للكلام.

العلاج النفسي

 إذا كان التلعثم مرتبطًا بعوامل نفسية مثل القلق أو التوتر الاجتماعي، فإن العلاج النفسي يمكن أن يساعد على نحو كبير. يتضمن ذلك تقنيات العلاج المعرفي السلوكي التي تهدف إلى تعديل الأفكار السلبية وزيادة الثقة بالنفس.

العلاج بالأدوية

في بعض الحالات، قد يوصي الطبيب باستخدام أدوية معينة لتخفيف الأعراض المصاحبة للتلعثم، مثل القلق أو الاضطرابات العصبية. ولكن هذه الأدوية تُستخدم في حالات محددة وتحت إشراف طبي دقيق.

تقنيات التدخل المبكر للأطفال

وفقًا للأطفال الذين يعانون التلعثم، يمكن أن يكون التدخل المبكر مفيدًا جدًا. بتقنيات العلاج مثل اللعب التفاعلي أو التدريبات الخاصة بالتحدث، ويمكن أن يقلل التلعثم ويمنع تطوره إلى مشكلة دائمة.

الاستشارة الأسرية والدعم الاجتماعي

 يوفر الدعم الأسري والاجتماعي دورًا مهمًا في علاج التلعثم، فيمكن للأسرة أن تساعد في توفير بيئة داعمة وآمنة تشجع الطفل على التحدث بحرية، ودون خوف من التعرض للسخرية أو النقد.

التعايش مع التلعثم

إضافة إلى العلاجات الرسمية التي تحسِّن النطق لدى المتلعثم وتحاول إخفاء عيوبه، ويحتاج الأشخاص الذين يعانون التلعثم إلى بيئة داعمة تساعدهم في التغلب على التحديات اليومية.

يمكن أن يكون التقبل الذاتي وممارسة الصبر هما مفتاح التعامل مع التلعثم، فضلًا على أن تشجيع المجتمع على تفهم التلعثم، وتوفير الدعم الاجتماعي، قد يساعد في تقليل التوتر الاجتماعي المرتبط بهذا الاضطراب.

 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة