هل تعتقد أن السمنة مجرد زيادة في الوزن تؤثر في مظهرك؟ الحقيقة أخطر من ذلك بكثير! تُعد السمنة مرضًا معقدًا وبوابة للعديد من الأمراض المزمنة التي قد تدمر صحتك بصمت، من أمراض القلب والسكري إلى مشكلات الكبد والسكتات الدماغية. ومع تغير أنماط الحياة، تزداد أهمية الوعي بهذه المخاطر، تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أن معدلات السمنة في تزايد مقلق عالميًا وفي منطقة الشرق الأوسط، ما يجعل فهم أضرارها أكثر إلحاحًا.
هذا المقال يكشف لك بالتفصيل كيف يؤثر الوزن الزائد سلبًا في كل عضو في جسدك، وما الأضرار الصحية للسمنة التي يجب أن تعرفها لتحمي نفسك.
أضرار السمنة
السمنة ليست مجرد مشكلة تتعلق بالمظهر، بل هي حالة صحية شديدة الخطر، تُعرّف عادة بزيادة مفرطة في تراكم الدهون في الجسم، ويمكن قياسها بمؤشر كتلة الجسم (BMI)، وتؤثر في جميع أجزاء الجسم وتفتح الباب للإصابة بعدد من الأمراض المزمنة التي قد تبدأ دون أن تشعر بها.
السمنة والكبد.. خطر مرض الكبد الدهني الصامت
هل تعلم أن كبدك يبدأ يومًا بعد يوم في تخزين الدهون بدلًا من تصفية السموم؟ وهذا ليس بسبب تناولك طعامًا ملوثًا أو دواءً خاطئًا، بل بسبب الوزن الزائد الذي يحمله جسدك، السمنة تفتح الباب لمرض شديد الخطر اسمه «الكبد الدهني غير الكحولي (NAFLD)»، فتتسلل الدهون إلى الكبد وتتراكم بصمت وقد يتحول الأمر مع الوقت إلى التهاب وتليف يضعف الكبد ويعطل وظائفه الأساسية، والمشكلة أن هذا المرض غالبًا لا تظهر له أعراض واضحة، وهو ما يجعله أكثر خطورة.
تشير دراسة نشرت في دورية (American Liver Foundation) إلى أن مرض الكبد الدهني غير الكحولي (NASH) يصيب ما يقرب من 25% من سكان العالم، وترتفع هذه النسبة ارتفاعًا ملحوظًا لدى الأفراد الذين يعانون من السمنة.
السمنة وارتفاع ضغط الدم.. عبء إضافي على القلب والشرايين
كلما زاد وزن جسدك زادت مطالبه، فالأنسجة الدهنية لا تقتصر على كونها خاملة بل تحتاج إلى تغذية مستمرة وأكسجين أكثر، وهذا يعني أن القلب يُجبَر على العمل فوق طاقته حتى يضخ الدم إلى كل زاوية من زوايا الجسم.
وهذا الجهد الإضافي لا يمر مرور الكرام بل يُترجم إلى ضغط متزايد داخل الشرايين وهو ما يُعرف بارتفاع ضغط الدم، وبذلك يتحول الوزن الزائد إلى ضغط دائم، ليس فقط على المفاصل بل على القلب نفسه، وبمرور الوقت، يصبح هذا الضغط المزمن مصدر تهديد حقيقي لصحة القلب والأوعية، والمشكلة أنك لا تشعر بذلك في البداية.
أكدت جمعية القلب الأمريكية (American Heart Association) أن السمنة هي عامل خطر رئيس للإصابة بارتفاع ضغط الدم، وأن فقدان الوزن يمكن أن يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في قراءات ضغط الدم.
السمنة والسكتة الدماغية.. خطر يهدد وظائف الدماغ
تعتمد دماغك كليًّا على تدفق ثابت من الدم ليبقى يقظًا وقويًّا، لكن عندما تتراكم الدهون في جسمك تبدأ رحلته مع المعاناة، فتضيق الشرايين وتتباطأ حركة الدم ويزداد الضغط، وفي لحظة خاطفة ومفاجئة قد يتوقف هذا الإمداد وتحدث «السكتة الدماغية»، والمشكلة أنها لا تعطي إنذارًا مسبقًا، فقط في لحظة يفقد فيها الدماغ اتصاله بالحياة، والسمنة تزيد احتمالية هذا الانقطاع بنسبة مرعبة لتتحول من مجرد زيادة في الوزن إلى خطر صامت يهدد وعي الإنسان وقدرته على الحركة.
وتشير دراسة نشرت في دورية (Stroke) إلى وجود علاقة طردية بين مؤشر كتلة الجسم (BMI) وخطر الإصابة بالسكتة الدماغية، خاصة السكتة الدماغية الإقفارية.
السمنة وداء السكري من النوع الثاني اختلال توازن الجسم
لا تظن أن داء السكري من النوع الثاني ارتفاعًا في مستوى السكر فحسب، بل هو خلل في توازن الجسم كله ويبدأ حينما يتعب الجسم من مقاومة السكر الذي يفيض عليه يومًا بعد يوم، والسمنة بصورة هادئة وبطيئة تمهد الطريق لهذا الاضطراب فتجعل الخلايا أقل استجابة للأنسولين وهو ما يعرف بـ«مقاومة الأنسولين»، وتضع البنكرياس تحت ضغط دائم، والنتيجة سكر لا يجد من يستقبله فيبقى متعلقًا في الدم ويفسد ما يمر عليه من أعضاء وأنسجة.
وتعد الفيدرالية الدولية للسكري (IDF) أن السمنة هي السبب الرئيس لزيادة حالات داء السكري من النوع الثاني على مستوى العالم، وأن فقدان الوزن يمثل حجر الزاوية في الوقاية والعلاج.
السمنة وأمراض القلب.. زيادة خطر النوبات القلبية
لا تثقل السمنة جسدك فقط بل تثقل قلبك أيضًا، فمع زيادة وزنك تبدأ الشرايين في استقبال المزيد من الدهون المتراكمة على جدرانها مسببة تصلب الشرايين (Atherosclerosis)، ومع الوقت تضيق الطرق أمام الدم المتجه إلى القلب، كما يرتفع ضغط الدم ويزيد الكولسترول الضار وتختل مستويات السكر.
كل هذه عوامل تتكاتف مع بعضها لتجعل القلب في مواجهة مستمرة مع الخطر وتزيد من احتمالية الإصابة بأمراض القلب المختلفة، وبمرور الوقت قد تتوقف إحدى هذه الطرق الضيقة فجأة لتكون النتيجة نوبة قلبية أو سكتة دماغية، وما يبدو كزيادة بسيطة في وزنك قد يكون بداية مشكلة خطيرة لقلبك دون أن تشعر.
وأكدت الكلية الأمريكية لأمراض القلب (ACC) أن السمنة تُزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية وفشل القلب، وأن الحفاظ على وزن صحي أمر بالغ الأهمية لصحة القلب والأوعية الدموية.
السمنة وانقطاع التنفس أثناء النوم.. حرمان من الراحة والأكسجين
انقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم لا يحدث فجأة بل يتسلل إلى الإنسان في صمت، خصوصًا لدى من يعانون السمنة، فتراكم الدهون حول الرقبة يضيق مجرى الهواء ويصبح التنفس في أثناء النوم مهمة شاقة مملوءة بالشخير والانقطاعات التي لا يشعر بها النائم، لكنها ترهق جسده في الصباح، والغريب ليس أنك متعب رغم نومك بل الغريب أنك لم تلاحظ أن وزنك الزائد قد سرق منك راحة الليل.
وتشير دراسة نشرت في دورية (Sleep Medicine Reviews) إلى أن السمنة هي عامل خطر قوي للإصابة بانقطاع التنفس الانسدادي النومي (OSA)، وأن فقدان الوزن يمكن أن يحسن بشكل كبير من أعراض هذه الحالة.
السمنة وحصوات المرارة مشكلة هضمية مؤلمة
مع أنَّ المرارة عضو صغير فإنه عضو حيوي في جسمك، حيث تخزن الصفراء التي تساعد على هضم الدهون، لكن السمنة تؤدي إلى زيادة خطر تكوُّن حصوات المرارة، وهي كتل صلبة تتشكل عندما تتراكم الصفراء وتتصلب داخل المرارة، تلك الحصوات قد تكون مؤلمة وقد تتطلب تدخلًا جراحيًّا لإزالتها، لذا يُنصح باتباع نظام غذائي متوازن يحتوي على الألياف والدهون الصحية، وتجنب الأطعمة المكررة مثل الأرز الأبيض والخبز الأبيض من أجل الوقاية من هذه المشكلة.
وتشير دراسة نشرت في دورية (PubMed) إلى أن زيادة الوزن والسمنة تزيد من إفراز الكوليسترول في الصفراء وتقلل من حركة المرارة، مما يعزز تكوين حصوات المرارة.
وفي نهاية المقال يمكننا القول إن السمنة ليست مجرد عبء إضافي على جسمك، بل هي «بوابة مفتوحة» لعدد من المشكلات الصحية التي تهدد حياتك تدريجيًّا وفي صمت تام، وقد تناولنا تلك الأمراض بداية من أمراض الكبد والسكتة الدماغية والسكري وصولًا إلى أمراض القلب والمرارة، فماذا تنتظر..؟ هيا ابدأ الآن وتعامل مع السمنة بجدية، واقضِ عليها قبل أن تقضي عليك.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.