إسماعيل إبراهيم شتات «ابن الشاطئ» شاعر فلسطيني كبير، صوت شعري مميز ارتبط اسمه ونتاجه الأدبي ارتباطًا وثيقًا بالقضية الفلسطينية وتجربة الشتات والمنفى، لم تكن حياة شتات مجرد سيرة شاعر، بل ملحمة إنسان اقتُلع من أرضه في نكبة 1948 الكارثية، ليقضي عمره مناضلًا بالقلم والكلمة، متنقلًا بين العواصم العربية، لكن فلسطين بقيت بوصلته وقبلة إبداعه. تميز نتاج إسماعيل شتات بالغزارة وعمق التجربة الإنسانية والوطنية، وعكس في شعره آلام شعبه وآماله.
يتتبع هذا المقال جولة سريعة في حياة الشاعر الراحل، لنتعرف على أهم محطاته الشخصية والإبداعية، وإسهاماته الغزيرة في الأدب الفلسطيني والعربي، منذ نكبته الأولى حتى وفاته في منفاه الأخير بالجزائر.
من بين الشعراء الفلسطينيين الذين ذاقوا مرارة النكبة وعاشوا ألم اللجوء والغربة، وسخَّروا أقلامهم لخدمة القضية الفلسطينية، يبرز الشاعر الرحالة إسماعيل إبراهيم شتات، الذي عُرف باسم «ابن الشاطئ»، فهو يُعد حالة خاصة على مستوى الإبداع، وكذلك على المستوى الإنساني، بالإضافة إلى كونه أحد الأسماء التي لم تأخذ حقها بصورة كافية على المستوى الإعلامي بالشكل الذي يساوي موهبته وإبداعه الكبير.
وفي هذا المقال نصحبك في جولة سريعة في حياة الشاعر الفلسطيني الراحل، إسماعيل إبراهيم شتات، لنتعرف على أهم محطاته الشخصية والإبداعية من خلال السطور التالية.
مولد ونشأة إسماعيل شتات
وُلد إسماعيل إبراهيم شتات يوم 28 مايو عام 1939 في قرية الجسر التي تقع بين مدينتي غزة والخليل، لأسرة ميسورة الحال وذات تاريخ كبير في المنطقة، وحظي بتعليم ابتدائي حتى الصف الرابع عندما تعرضت قريته لهجوم الصهاينة عام 1948، وهو ما أدى إلى تشرد العائلة ولجوء الشاعر إسماعيل شتات مع أسرته إلى مدينة الخليل.
وبعد عامين فقط، توفي الأب، ليجد إسماعيل شتات نفسه يتيمًا ومسؤولًا عن عائلة مكونة من ستة أفراد في ظل ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية صعبة، إلا أنه استطاع أن يتحصل على شهادة البكالوريا بتقدير امتياز.
محطات مهمة في حياة إسماعيل شتات
كانت الأحداث تتسارع نتيجة الظروف السياسية، ونتيجة انضمام الشاعر إسماعيل شتات إلى الحركة الوطنية، وكذلك فقد ظهرت موهبته في الكتابة، التي استغلها في خدمة القضية الفلسطينية، فأصبح الفتى الصغير الذي لم يبلغ 17 من عمره معروفًا في الضفة الغربية كونه شاعرًا ومناضلًا، وهو الأمر الذي دفع قوات الاحتلال إلى القبض عليه وتقديمه للمحاكمة، ليُحكم عليه بالسجن لمدة 17 عامًا.
استطاع إسماعيل شتات أن يفرَّ من السجن العسكري مع مجموعة من رفاقه، وبالتالي كان عليهم مغادرة البلاد سريعًا، فذهب إلى لبنان وأقام فيها لاجئًا سياسيًّا لعدة سنوات. وفي تلك المدة، عمل في تدريس اللغة الإنجليزية والرياضيات، بالإضافة إلى ممارسة النشاط الأدبي من خلال صحيفة «الجمهورية السعيدة» التي أشرف فيها على الصفحة الأدبية، في حين داوم على كتابة عمود سياسي في جريدة الحزب الاشتراكي.
لم تدم إقامة إسماعيل شتات في لبنان أكثر من 5 سنوات، وذلك بسبب الظروف السياسية والخلافات الداخلية في البلاد، وهو ما دفعه إلى الرحيل مرة أخرى، وكانت سوريا هي المحطة التي ذهب إليها، ثم من سوريا ذهب إلى مصر ليكمل دراسته هناك، حيث التحق بجامعة عين شمس ودرس اللغة العربية.
وفي مصر، التقى إسماعيل شتات بعدد من الأساتذة والأدباء الكبار، وتعلم الكثير حول الأدب واللغة، وكان من بين من تعلم على يديهم الدكتور طه حسين، والدكتور عز الدين إسماعيل، والكاتبة عائشة عبد الرحمن الملقبة بـ «بنت الشاطئ»، وهو الأمر الذي صنع فارقًا كبيرًا في مستوى وعيه، ونقل كتابته إلى مرحلة جديدة.
إسماعيل شتات بين سوريا ولبنان
رغم الأحداث المتسارعة والاضطرابات السياسية التي شهدتها لبنان في أثناء إقامة الشاعر إسماعيل شتات، فإنه استفاد كثيرًا من وجوده في بيروت، حيث تعرف على عدد من الشعراء والأدباء الكبار مثل الأخطل الصغير، وأمين نخلة، وأحمد الصافي، والجواهري، وبدوي الجبل، كما دخل الكثير من النقاشات والجدالات الأدبية مع أسماء لامعة في سماء الأدب العربي مثل نزار قباني، وأدونيس، وسعيد عقل، وغيرهم.
كانت سوريا محطة مهمة في حياة إسماعيل شتات، فقد استطاع من خلالها الانفتاح على الإعلام والصحافة والشهرة، وأسس فيها أول رابطة أدبية بعنوان «رابطة أدباء الساحل» عام 1966، بالإضافة إلى انضمامه إلى الجماعة المؤسسة لاتحاد الكتاب العرب في سوريا.
كما كانت عودة إسماعيل شتات إلى سوريا بعد مرحلة الدراسة في مصر من أهم مراحل حياته، فقد تزوج هناك، ورُزق بأول أبنائه، وطبع أول دواوينه الشعرية. وبالتالي، كان هناك الكثير من النشاط والتفاعل في حياة الشاعر الذي ترك بلاده رَغْمًا عنه، وعاش اللجوء والترحال، فربما منحته سوريا بعض الاستقرار والإحساس بالهدوء والحياة الطبيعية.
إسماعيل شتات والرحيل إلى الجزائر
رغم الاستقرار والتحقق الكبير للشاعر إسماعيل شتات في سوريا والأردن والعراق، فإن أحداث أيلول الأسود في الأردن دفعت الشاعر الكبير إلى مغادرة المشرق العربي عام 1970، فاتجه صوب الجزائر التي فتحت أبوابها للشاعر النبيل والصحفي المناضل، ووجد لنفسه مكانًا يليق به في وسائل الإعلام الجزائرية، فعمل في الإذاعة والصحافة والتلفزيون وشارك في الفعاليات الأدبية ونال كثيرًا من التقدير الذي يستحقه والذي يعبر عن أصالة الشعب الجزائري الجميل.
وفي الجزائر، أسس إسماعيل شتات صفحة «مرايا أدبية» في مجلة «المجاهد» الأسبوعية، التي أصبحت علامة فارقة في مشهد الإبداع الأدبي في البلاد، إذ كانت الصفحة تهتم بنشر الأعمال للأدباء القدامى والجدد، وعمل من خلالها إسماعيل شتات على رعاية المواهب ومنح الفرصة للكثير من الأصوات الأدبية وأصحاب المواهب الأصيلة.
كما ارتبط الشاعر إسماعيل شتات بعدد من أدباء وشعراء الجزائر، وعلى رأسهم شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا، والشاعر الجزائري محمد الأخضر السائحي. كما عمل في مهنة التدريس التي عمل فيها سابقًا، وظل إسماعيل شتات يرتحل في الجزائر نفسها، فعمل مدرسًا في العاصمة الجزائر، وفي مدينة تيزي وزو، وفي مدينة جيجل في الشرق، وفي مدينة وهران في الغرب.
وعندما تم تأسيس الإذاعة الجزائرية الموجهة للشرق العربي، تم استدعاء إسماعيل شتات ليعمل معدًّا ومقدّمًا للبرامج الثقافية فيها، كما عمل الشاعر الكبير على إعداد برنامج «كلمات إلى فلسطين» ضمن برامج إذاعة فلسطين التي كانت تُبث من الجزائر.
الحياة الأدبية لإسماعيل شتات
ارتبطت التجربة الأدبية عند الشاعر إسماعيل شتات بظروفه السياسية والاجتماعية، فكان قلمه صوتًا للقضية الفلسطينية وانعكاسًا لما يعانيه أبناء فلسطين في اللجوء والشتات، وكان دائمًا ما يكتب وكأنه يصرخ في وجه الألم والظروف والمحتل والخونة والمتكاسلين والضعفاء.
كذلك فإن الشاعر إسماعيل شتات يُعد من أغزر الشعراء إنتاجًا، إذ كتب ما يزيد على 69 ديوانًا شعريًّا، طُبع منها 11 ديوانًا، وهو رقم كبير يوضح لنا كيف كان الشاعر إسماعيل شتات دائمًا في حالة إبداع رغم ظروف الترحال واللجوء، ورغم مشاركته في عدد من النشاطات والفعاليات والأعمال.
وفي مكتبة الشاعر إسماعيل شتات لا يزال هناك 58 ديوانًا مخطوطًا، بالإضافة إلى الأعمال النثرية والدراسات السياسية والأدبية، وكتاب عن قواعد اللغة العربية عمل عليه على مدار سنوات، وقسَّمه إلى ثلاثة أجزاء تحت عنوان «الشامل الميسر في قواعد اللغة العربية».
طبع الشاعر إسماعيل شتات ديوانه الأول في سوريا تحت عنوان «خفقات قلب»، ونال شرف تمثيل فلسطين والأردن في عدة مهرجانات شعرية مثل مهرجان تتويج الأخطل أميرًا للشعراء عام 1962، وفي مهرجان تأبين جبران خليل جبران، بالإضافة إلى مشاركته في مهرجان ألفية أبو تمام في العراق عام 1969.
كما شارك إسماعيل شتات في مهرجان بابل لعدة دورات متتالية، وشارك أيضًا في مؤتمر الأدباء العالميين في إسبانيا عام 1982، ومؤتمر أدباء عبر المتوسط في مدينة بروكسل، وعدد من مؤتمرات اتحاد الأدباء العرب، باعتباره عضوًا في اتحاد الأدباء العرب.
وفي أثناء وجود الشاعر إسماعيل شتات في الجزائر، اُنْتُخِب رئيسًا لاتحاد الكُتَّاب والصحافيين الفلسطينيين في بلاد المغرب العربي لثلاث دورات كاملة، بالإضافة إلى عضويته في الأمانة العامة لاتحاد الكُتَّاب الأفارقة والآسيويين، واتحاد الكُتَّاب العالميين، كما شارك الأديب الكبير في ملتقيات الفكر الإسلامي في الجزائر، وذُكِر في عدد من المعاجم العربية مثل معجم «البابطين للشعراء» ومعجم «الأدباء العرب» ومعجم «شعراء فلسطين».
أعمال إسماعيل شتات الشعرية
رغم الإنتاج الغزير والموهبة المتفجرة للشاعر الكبير إسماعيل شتات، فإنه لم يحظَ بالاهتمام الكبير من دور النشر، وذلك بسبب ظروفه السياسية والاجتماعية، ولم يستطع أن ينشر من دواوينه التي بلغ عددها 69 ديوانًا شعريًا إلا 11 ديوانًا فقط، وهي كالتالي:
- خفقات قلب عام 1964
- محطات على ذاكرة الزمن عام 1966
- دائرة الرفض عام 1978
- الزمن الفلسطيني يتجدد في البعد الثالث عام 1979
- غاليتي لا تجيد فن الرقص عام 1983
- ميسون وسرطان الموقف الصعب عام 1983
- اعترافات في عز الظهيرة عام 1983
- الحدائق المعلقة والزمن البديل عام 1999
- أبجدية المنفى والبندقية عام 2004
- أم أوفى تتجدد رغم الليل الطويل عام 2007
مقتطفات من شعر إسماعيل شتات
«تشردت الأيام في جفن زورقي
وضعت جيادي في نوى بسماتي
ترامت على كف الزمان يتيمة
تكون حرف النار في كلماتي
عشقتك طفلًا لملم الصبر مهده
نديّ الرؤى والشوق والقسمات
تغنيك أوتار الحياة طفولتي
وكم رقصت في زهوها خفقاتي
على مقلتيها النور يسحب ذيله
شموخًا ويذكو رائع الخطوات»
«يا أم أوفى كنت أدرك ما ورائك من سجون
ومن المتاجر والعميل ومن يريدك أن تكوني
لكنهم سدوا الطريق وزوروك
وزوروني
يتشدقون بحبهم ويصادرون ضحى الجفون»
«زهرة المنفى... أمن أمل؟ وا فرحتاه حين نتفق
سأظل منتظرًا ويسعدني أن نلتقي والشوق معتنق
في عالم امتداد الشعر فاتنتي تمد أبعادي وتنطلق
وتموج قافية مميزة ومواسم خضراء تأتنق
هل تشرقين؟ أنا على ثقة
أن الهوى الوردي مؤتلق
وبأننا رغم الدجى وطن للياسمين وموعد عبق»
«لا تطلقي ساقيك للريح إذا شاخ المكان
أنا والعروبة توأمان ولن يحرقنا الزمان
فعلى ضفاف الوحدة الكبرى تلوح عسقلان
فإذا الجليل على مفارق غزة
وإذا الحسين يثور في البيداء
وإذا فلسطين الحبيبة مهرة طائية في كبرياء سناني
وتسألين الآن يا سفانتي عن رحلتي في الثورة المعطاء
إني وحبك ما أزال كما أنا
وطني الهوى ومشيئة العلياء
أولم تكن أرض الجزائر ثورة عربية في بعدها الوضاء»
«كنا وكان الهوى الجوري عنوانًا
نجسد الحرف أكوانًا وأكونا
كنا نجاهد في عز النهار ولا نغضي
ونفتح باب الضاد عنوانًا
ونهزم الليل لا نخشى دهانقه
كانوا هناك مساحيقًا وأردانا
يغايرون الضحى في كل منعطف
ويركضون وراء الغربي خصيانًا»
وفاة إسماعيل شتات
توفي الشاعر الفلسطيني الكبير إسماعيل شتات يوم 29 إبريل عام 2008 عن عمر يبلغ 68 عامًا في مدينة جيجل في الجزائر، ليغادر الحياة في الليلة التي عاد فيها من سوريا بعد رحلة طويلة مع النضال والإبداع والترحال، وبعد أن عرفه الناس في الشرق والغرب بالاسم الذي اختاره لنفسه «ابن الشاطئ»، رحل الأديب الكبير وترك لنا إبداعه حيًّا واسمه لامعًا في سماء الأدب والنضال العربي.
في ذكرى رحيل إسماعيل شتات في 29 من إبريل، يظل شتات قامة شعرية ونضالية باسقة في سماء الأدب الفلسطيني والعربي، وجسدت حياته معاناة اللجوء والشتات، لكن قلمه لم يتوقف عن المقاومة والحلم بالعودة، فكان شعره مرآة صادقة للقضية وصدى لأوجاع شعبه، إن إنتاجه الأدبي الغزير، على الرغم نشر جزء بسيط منه وبقاء الجزء الأكبر مخطوطًا، ومشاركاته الفاعلة في المشهد الثقافي العربي، ونشاطه الدؤوب في خدمة قضيته، يجعلون من «ابن الشاطئ» علامة مضيئة وإرثًا لا يُمحى، ستبقى كلماته شاهدة على زمن صعب، ومُلهمة للأجيال القادمة في التمسك بالحق والأمل والإبداع المقاوم.
وفي نهاية هذا المقال الذي تضمن جولة سريعة في حياة الشاعر الفلسطيني الكبير إسماعيل شتات، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويسعدنا كثيرًا أن تشاركنا رأيك في التعليقات ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.