استقلالية المجالس العليا للإعلام والصحافة في الوطن العربي

تكمن حرية الإعلام في سهولة ويسر وإمكان الحصول على البيانات والمعلومات الإعلامية والوقائع والأحداث والقضايا المهمة التي تتعلق بتنظيم بشئون المجتمع ونقلها وإبلاغها للمتلقين من الناس عامة، وذلك عبر الحدود الداخلية والخارجية، دون فرض أية قيود أو عوائق تعيق إيصال تلك المعلومات لجمهور المتلقين.

وعلى الرغم من نص الدساتير والقوانين على استقلالية المجالس العليا للإعلام والصحافة فإنها ليست بالاستقلالية الكاملة، بل يشوبها بعض النقص، أو هي استقلالية وهمية؛ نظرًا لأن تشكيل أغلب تلك المجالس يتكون من السلطة التنفيذية في بعض الدول؛ ما يتنافى واستقلالية ومصداقية تلك المجالس، فيسيطر القائمون والمنظمون لتلك المجالس على إصدار قراراتها التي تكون مشوبة بعدم الحيادية.

إن حرية المجالس العليا للإعلام والصحافة تنبع من القيمة الدستورية التي أضفتها بعض الدساتير لتلك المجالس، كالدستور المصري الذي ورد به صراحة النص على استقلالية المجلس الأعلى للإعلام والهيئات الوطنية للإعلام والصحافة في المواد 211، 212، 213. 

في هذا البحث سنتناول بالتفصيل بيان النصوص الدستورية التي كفلت استقلالية المجالس العليا للإعلام، ونتناول أيضًا مسئولية تلك المجالس عن استقلال وحرية الإعلام، ونتناول أخيرًا دور القضاء في بعض الدول العربية بشأن استقلالية العليا للإعلام والصحافة في تأدية دورها الذي رسمه القانون والدستور. وذلك على النحو التالي:

  • المطلب الأول: ضمان استقلالية المجالس العليا للإعلام والصحافة وفقًا لأحكام الدستور.
  • المطلب الثاني: مدى مسئولية المجالس العليا لتأمين الحريات الصحفية والإعلامية.
  • المطلب الثالث: دور المحاكم الوطنية والعربية لتأمين استقلالية المجالس العليا للإعلام والصحافة.

المطلب الأول: ضمان استقلالية المجالس العليا للصحافة والإعلام وفقًا لأحكام نصوص الدستور 

كي تمارس المجالس العليا اختصاصاتها ووظيفتها المنوطة بها بموجب القانون والدستور، فلا بد من توافر بعض المعايير والمبادئ التي تعبر عن تلك الاستقلالية:

  1. أن تكون تلك المجالس العليا متمتعة بالصبغة الاعتبارية المستقلة.
  2. أن يكون لها ذمة مالية مستقلة.
  3. أن تصدر قراراتها الإدارية بإرادتها الحرة.
  4. أن تتمتع بالاستقلال الفني في أداء أعمالها المنوطة بها.
  5. أن تحتكم إلى الدستور والقانون المنظم لها والنظام العام والآداب السائدة في المجتمع.

وقد تضمنت كثير من الدساتير تنظيم مسألة استقلالية المجالس العليا للإعلام والصحافة. ومن ذلك:

أولًا: الدستور الكويتي

لم يتضمن دستور دولة الكويت أي نص يحتوي على استقلال مجلس أعلى للإعلام والصحافة على نحو صريح؛ وذلك لأن الذي يحكم تنظيم الإعلام والصحافة هو وزارة الإعلام الكويتية، فتظل هذه الوزارة ممارسة لنشاطها بخصوص تنظيم الإعلام والصحافة، إلى أن يصدر قانون يسمح بإنشاء مجلس أعلى للإعلام والصحافة في الكويت. فالمقرر أن الدستور جعل أمر تنظيم حرية الصحافة والإعلام في الكويت متروكًا للمشرِّع. وقد وضع الدستور عدة معايير لذلك منها ما نصت عليه المادة الثالثة والأربعون من أن تأسيس أي نقابة أو جمعية يجب أن يكون قائمًا على قواعد وأسس وطنية، ويكفل لها حريتها الدستور طبقًا للمحددات والشرائط التي يضعها المشرِّع، وكذلك حظرت المادة إكراه أو جبر أي شخص للانضمام إلى أي نقابة أو جمعية. 

وبينت المادة السادسة والثلاثون أن الدستور يضمن حرية التعبير والرأي والفكر وحرية النشر بالقول أو الكتابة وفقًا لما ينظمة التشريع. 

وعلى هذا الأساس إذا كان الدستور الكويتي لم يتضمن النص على إنشاء واستقلال المجالس العليا للإعلام والصحافة في الكويت على نحو صريح أو ضمني، فإن تأسيس تلك المجالس أو إنشاءها بموجب القانون العادي ليس به أي مساس بالقواعد الدستورية، بل الأمر متروك لهوى المشرع وتقديره، إن شاء أصدر قانونًا ينظم عمل تلك المجالس، سواء جعل تبعيته لوزارة الإعلام أو ألغى الوزارة وحلَّ محلها تلك المجالس.

وحتى الآن لم نجد أي قانون كويتي ينظم مسألة إنشاء مجلس أعلى لتنظيم الإعلام والصحافة. وعلى هذا الأساس نأمل من المشرِّع الكويتي أن يُحدث قانونًا يؤسس به مجلسًا أعلى للإعلام والصحافة ذا شخصية اعتبارية تستقل ماليًا وإداريًا وفنيًا على غرار ما انتهجته بعض الدول العربية مثل مصر والجزائر والسعودية والعراق والمغرب والإمارات.

ثانيًا: الدستور الجزائري 

أورد المشرع الدستوري الجزائري حرية الصحافة والإعلام في المادة الخمسين من الدستور الجزائري، وعبَّر عن استقلالها بحظر فرض أية قيود أو معوقات تعتري ممارستها، وحظر خضوعها لأية عقوبة سالبة للحرية.

لم يتضمن الدستور الجزائري أي نص على تنظيم مجلس أعلى للإعلام والصحافة، بل ترك ذلك للسلطة التشريعية، إلا إنه نصَّ على ضمان حرية التعبير والرأي والفكر، فقد حظرت المادة السادسة والثلاثون المساس بحرية الرأي والمعتقد، فنصت على أنه لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الرأي، ونصَّت أيضًا المادة الثامنة والثلاثون على كفالة وضمان الدستور لحرية الابتكارات الفكرية والفنية والعلمية، وأن حقوق المؤلف محمية بالقانون، وحظرت تلك المادة أيضًا الحجز على المطبوعات والنشرات والدوريات وأي طريقة للإعلام والتبليغ إلا بموجب حكم من القضاء، كذلك تضمنت المادة الحادية والأربعون كفالة وضمان الدستور لحرية تكوين النقابات والجمعيات، وحرية التعبير مضمونة أيضًا بنص الدستور. 

ونصت المادة 36 منه على أنه: لا مساس بحرمة حرية المعتقد، وحرمة حرية الرأي.

ونصت المادة 38 على أن حرية الابتكار الفكري والفني والعلمي مضمونة للمواطن، وحقوق المؤلف يحميها القانون، ولا يجوز حجز أي مطبوع أو تسجيل أو أية وسيلة أخرى من وسائل التبليغ والإعلام إلا بمقتضى أمر قضائي.

والمادة 41 تنص على أن حرية التعبير وإنشاء الجمعيات والاجتماع مضمونة للمواطن.

فقد تضمنت هذه المواد الحقوق والحريات المعبرة عن التعبير والرأي والمعتقد، كي تشكل ضمانة قوية من الدستور لحرية الإعلام، فلا يجوز لأي مؤسسة في الدولة أن تتعسف في معاملتها مع أي إعلامي أو صحفي بوضع خارج إطار الدستور والقانون.  

وإذا كان دستور جمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية لم يتضمن نصًا دستوريًا يضمن فيه استقلال المجلس الأعلى للإعلام الجزائري، فإنه أحال ذلك ضمنًا للتشريعات العادية ولوائحها، فقد جاء النص على استقلالية المجلس الأعلى للإعلام في القانون العضوي رقم 90-70 الذي نص على إنشاء المجلس وعدَّه هيئة إدارية مستقلة ماليًا وإداريًا وفنيًا له شخصية معنوية، وبموجبه تم إلغاء وزارة الإعلام الجزائري فأصبح المجلس بهيئته مستقلًا. ويُعد المجلس الأعلى للإعلام الجزائري أكثر المجالس العليا في الدول العربية استقلالًا لأن تشكيله وتكوينه من المهنيين من ذوي العمل الإعلامي والصحفي، ولا يتشكل من رؤساء الأجهزة السياسية مثل المجلس الأعلى للإعلام المصري والهيئة العامة للإعلام السعودي.

ثالثًا: الدستور الإماراتي  

لم يتضمن دستور الإمارات أي نص صريح لمجلس الإمارات للإعلام أو أي مجلس ينظم حرية الإعلام والصحافة، بل ترك أمر ذلك للقانون، فقد نصت المادة العاشرة من الدستور على أن من أهداف الاتحاد حماية حقوق وحريات شعب الاتحاد، ونصت المادة الثلاثين من الدستور أيضًا على كفالة الدستور لحرية الرأي والتعبير عنه بالقول أو الكتابة، وذلك في الحدود التي ينظمها القانون.

وقد نصت المادة الثانية من المرسوم بقانون اتحادي بشأن إنشاء مجلس الإمارات للإعلام على ضمان استقلالية المجلس، فقد اقتضت أن يُنشأ بموجب أحكام هذا المرسوم بقانون مجلس يُسمى «مجلس الإمارات للإعلام»، يتبع مجلس الوزراء، ويتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، والأهلية القانونية اللازمة لمباشرة جميع الأعمال والتصرفات القانونية التي تكفل تنفيذ اختصاصاته.

رابعًا: الدستور السعودي: (النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية)

نصت المادة التاسعة والثلاثون من الدستور السعودي لعام 1412 هجريًا على التزام وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة وبأنظمة الدولة... إلخ. وتتمثل مبادئ الدولة السعودية في الدعوى الإصلاحية التي تقوم على إقامة شرائع الإسلام وأحكامه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية وإصلاح العقيدة وتنقيتها من البدع.

وعلى ذلك فإن الدستور السعودي خلا من أي تنظيم لأي مجلس أو هيئة تنظم الإعلام والصحافة، بل النص كان على التزام وسائل الإعلام بالأنظمة المعمول بها داخل البلاد. وعلى ذلك فقد صدر قرار مجلس الوزراء الذي ينظم الهيئة العامة للإعلام السعودي، والتي خولها ذلك القرار الاستقلال ماليًا وإداريًا وفنيًا وجعلها هيئة مستقلة ذات شخصية معنوية تقوم بتنظيم بعض جوانب الإعلام والصحافة وتتبع وزارة الإعلام.

خامسًا: الدستور المغربي  

حوى الدستور المغربي على جملة من النصوص والمواد التي تنظم حرية ممارسة الإعلام والصحافة، فتضمنت الفصول 25 و26 و27 و28 على الأسس والمبادئ التي تقوم عليها حرية التعبير والرأي، ومنها حرية الإعلام والصحافة. فقد نص الدستور على كفالة وضمان ممارسة حرية التعبير والرأي والفكر وحرية تداول المعلومات وحرية الصحافة والإعلام، فلا يمكن تقييد هذه الحريات إلا بمقتضى المحددات والشروط التي يضعها القانون المنظم لها.

وعلى ذلك إذا أسند القانون مهمة تنظيم الصحافة للمجلس الوطني للصحافة المغربية؛ فإنه يكون جاء موافقًا لأحكام الدستور، وقد عد القانون المجلس الوطني للصحافة المغربية هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية.

سادسًا: الدستور العراقي

كفل الدستور العراقي حرية التعبير والرأي بجميع صورها وأشكالها، وكفل أيضًا الحرية الإعلامية والصحفية والإعلانية وحرية النشر والطباعة، ونص على أن تنظيم ذلك يكون وفق القانون الحاكم لها.

الحرية الإعلامية في العراق

وقد خلا الدستور العراقي صراحة من تنظيم مجلس أعلى للإعلام والصحافة، وإن كان يستفاد من نص المادة الثامنة والثلاثون من الدستور سماحه للسلطة التقديرية للمشرع بتنظيم ذلك. هذا وقد نصت المادة الثامنة بعد المائة من دستور جمهورية العراق لسنة 2005م على جواز إنشاء هيئات مستقلة أخرى غير التي وردت صراحة في الدستور إذا اقتضت الضرورة أو الحاجة لإنشائها، وذلك يكون بقانون يصدر من السلطة المختصة.

وعلى ذلك الأساس صدر القانون رقم 26 لسنة 2015 بشأن تنظيم شبكة الإعلام العراقية، التي عدَّها القانون هيئة ذات شخصية اعتبارية تستقل ماليًا وإداريًا وفنيًا.

سابعًا: الدستور المصري 

نص الدستور المصري صراحة على إنشاء مجلس أعلى للإعلام ينظم العمل الإعلامي والصحفي، واقتضت المادة 211 منه استقلال المجلس الأعلى للإعلام واعتباره هيئة إدارية مستقلة ماليًا وإداريًا وفنيًا، وجعلها هيئة ذات شخصية معنوية، ويكون مقره مدينة القاهرة.

واهتمت دساتير جمهورية مصر العربية، سواء دستور 1971 أو دستور 2012 أو دستور 2014 والمعدل في إبريل 2019 بحرية الصحافة ودورها في تكوين الرأي العام وتوجيهه في إطار المقومات الأساسية للمجتمع، فقد نصت المادة الثامنة والأربعون منه على أن: حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة، وتؤدي رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأي العام والإسهام في تكوينه.

ونصت المادة السبعون من الدستور ذاته على أن حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية عامة أو خاصة حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائط الإعلام الرقمي وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذي ينظمه القانون، وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعي والمرئي والصحف الإلكترونية.

ونصت المادة الحادية والسبعون على أن يُحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو التعبئة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي تُرتكب بطريق النشر أو العلانية.

ونصت المادة الثانية والسبعون منه أيضًا على أن تلتزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها بما يكفل حيادها وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية.

وقد صدر القانون رقم 180 لسنة 2018 م بشأن تنظيم الإعلام والصحافة والمجلس الأعلى للإعلام المصري والذي عدَّه من ضمن التشريعات المكملة للدستور المصري، وذلك في ظل دستور جمهورية مصر العربية لسنة 2014 الذي نص على إنشاء ثلاث هيئات هي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام: (المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام) وذلك بحكم مضمون المادة 211 من الدستور المصري لسنة 2014 بنصه على أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري، وموازنتها مستقلة... إلخ. والهيئة الوطنية للصحافة وذلك بحكم نص المادة  212 من الدستور المصري 2014 بنصه على أن الهيئة الوطنية للصحافة هيئة مستقلة، تقوم على إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان تحديثها واستقلالها، وحيادها. والهيئة الوطنية للإعلام وذلك بموجب نص المادة 213 من دستور 2014 بنصه على أن الهيئة الوطنية للإعلام هيئة مستقلة، تقوم على إدارة المؤسسات الإعلامية المرئية والإذاعية والرقمية المملوكة للدولة، وتطويرها، وتنمية أصولها. 

المطلب الثاني: مدى مسؤولية المجالس العليا للصحافة والإعلام لتأمين الحريات الصحفية الإعلامية

سنتناول ذلك في عدة دول منها:

في مصر: المجلس الأعلى للإعلام المصري

يعمل المجلس الأعلى للإعلام المصري على تأمين استقلال حرية الإعلام والصحافة. فقد اقتضت المادة التاسعة والستون من قانون الإعلام على أن المجلس الأعلى للإعلام المصري يهدف إلى ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام في إطار المنافسة الحرة، وعلى الأخص ما يأتي: حماية حق المواطن في التمتع بإعلام وصحافة حرة ونزيهة، وعلى قدر رفيع من المهنية وفق معايير الجودة الدولية، وبما يتوافق مع الهوية الثقافية المصرية، وضمان استقلال المؤسسات الصحفية والإعلامية، وحيادها، وتعددها، وتنوعها.

وضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية بمعايير وأصول المهنة وأخلاقياتها، وضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية بمقتضيات الأمن القومي، وحماية حقوق الملكية الفكرية في مجالي الصحافة والإعلام، وضمان احترام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية لحقوق الملكية الفكرية والأدبية، والعمل على وصول الخدمات الصحفية والإعلامية إلى جميع مناطق الجمهورية بشكل عادل، وضمان ممارسة النشاط الاقتصادي في مجالي الصحافة والإعلام على نحو لا يؤدي إلى منع حرية المنافسة، أو تقييدها، أو الإضرار بها، ومنع الممارسات الاحتكارية في مجال الصحافة والإعلام، وضمان سلامة مصادر تمويل المؤسسات الإعلامية والصحفية، وإنفاذ المعايير البيئية والفنية في مجال البث المسموع والمرئي والرقمي، والصحافة المطبوعة والرقمية. 

وقد تضمنت المادة 211 من الدستور قيام مسئولية المجلس عن حماية الحريات الصحفية والإعلامية التي قررها دستور جمهورية مصر العربية الحالي، ومسئوليته في الحفاظ على استقلال وحياد وتنوع وتعدد الحرية الصحفية والاعلامية في مصر، ويلتزم المجلس أيضًا بحظر الممارسة الاحتكارية للمؤسسات الإعلامية والصحفية، وأن يراقب مصادر تمويلها.

ومن مظاهر استقلال المؤسسات الصحفية والإعلامية:

  1. حظر الرقابة والمصادرة ووقف وإغلاق المؤسسات الصحفية والإعلامية إلا وقت التعبئة العامة أو الحروب. 
  2. استقلال من يمتهن الصحافة والإعلام في عملهم بكل حرية واستقلال ولا رقيب عليهم سوى الدستور والتشريع. 
  3. حظر إكراه الصحفي أو الإعلامي عن مصادر المعلومات والأخبار، ولا يجوز إيقاع مسئولية الصحفي أو الإعلامي عن الرأي الذي يصدر عنه. 
  4. حظر توجيه أي اتهام للصحفي أو الإعلامي بسبب حيازته للمستندات التي تقع تحت يده نتيجه لعمله ما لم تكن الحيازة نفسها لتلك المستندات تشكل جريمة يعاقب عليها القانون. 

في الإمارات: مجلس الإمارات للإعلام 

وفي الإمارات العربية المتحدة يتولى مجلس الإمارات للإعلام رقابة وتفتيش جميع الأفراد والشركات والمؤسسات الصحفية والإعلامية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة وذلك في المناطق الحرة كي يتأكد من تطبيق وتنفيذ هذه الجهات لأحكام القانون (قانون الإعلام الإماراتي) واللوائح والقرارات المنفذة له.

يقوم المجلس أيضًا بمراقبة المحتوى الإعلامي للدعاية والإعلانات في الإمارات العربية المتحدة، ويمنح المجلس ترخيص وتصاريح نشر المادة الإعلامية والصحفية الأجنبية وطباعتها وتداولها.

وعلى المؤسسات الصحفية والإعلامية أن تلتزم في مزاولتها لنشاطها بقواعد المادة الإعلامية سواء منها المقروءة أو المسموعة أو المرئية وغيرها من طرق المحتوى الإعلامي. ومن تلك المعايير التي يجب التقيد بها:

احترام المعتقدات الدينية وعدم ازدرائها، واحترام دولة الإمارات العربية المتحدة وشكلها ونظامها الحاكم وحكامها وأجهزتها الحكومية وعلاقاتها بالدول المجاورة والإقليمية والدولية، ومنع نشر ما يثير الإضرار بأي نظام دستوري في الدولة أو يبعث على البغض والكراهية أو الأعمال العدائية الإرهابية، وعدم نشر بيانات أو معلومات كاذبة غير صحيحة وعدم نشر الشائعات وترويجها... إلخ من المعايير التي نص عليها القانون والدستور والعادات السائدة في المجتمع.

في المملكة العربية السعودية: الهيئة العامة للإعلام السعودي 

تتولى الهيئة العامة للإعلام السعودي التي تتبع وزارة الإعلام السعودية تنفيذ السياسة الإعلامية في المملكة، وتشرف الهيئة على الكتب والصحف والمحلات والإعلانات والنشرات والدوريات  وتنظيم مجالات الإعلام في المملكة العربية السعودية وقطاعاته المتنوعة، ونشاط البث الإعلامي، ومراقبة أداء وتطوير استثمار القطاع الاعلامي، ووضع المعايير والمبادئ والقواعد اللازمة للمادة الإعلامية، وتنظيم وضع العاملين في قطاعي الإعلام والصحافة في المملكة العربية السعودية. 

وتلتزم الهيئة باستقلال المؤسسات الصحفية والإعلامية ووسائل الإعلام في أداء أعمالها، لكن في حدود ما يتطلبه الدستور السعودي ونظامه، فيجب على كل من يمارس نشاطًا إعلاميًا أن يتقيد بمعايير المحتوى الإعلامي، فيلتزم بسياسة المملكة الإعلامية التي لا تخرج عن تعاليم الدين الحنيف ونظام الحكم الأساسي، ويجب أيضًا عدم المساس بحكام المملكة، وعدم ازدراء الدين الإسلامي، وعدم إثارة الفتن أو ما يحض على الكراهية والخلاف، وأن يحترم النفس البشرية، وألا يتعرض لأي عمل يضر بعلاقات المملكة العربية السعودية الدولية والإقليمية... إلخ. 

ووفقًا للمادة 17 من اللائحة التنفيذية لنظام الإعلام المرئي والمسموع السعودي، تعمل الهيئة على حماية الأشخاص الممنوح لهم ترخيص، وذلك من خلال قيامها بالمحافظة على الحماية التنافسية بين الأشخاص أصحاب الترخيص، وتسوية منازعاتهم التي تنشب بينهم.

ووفقًا للمادة 20 من اللائحة ذاتها تقوم الهيئة بتفعيل المنافسة الحرة لقطاع الإعلام ومؤسساته والمستفيدين منه، وحماية تلك المنافسة من خلال تشجيع تفعيل تلك المنافسة الدائمة بما يرجع بالنفع على ذوي الشأن، والعمل على إيجاد نظام يتمتع بالوضوح والشفافية لتيسير الدخول لقطاع الإعلام في المملكة العربية السعودية.

في الجزائر: المجلس الأعلى للإعلام

إن حرية الإعلام يجسده حق الفرد في الاطلاع بحرية كاملة على الآراء والموضوعات والوقائع التي تخص المجتمعات على الصعيدين الإقليمي والعالمي الداخلي والخارجي، وإن للفرد الحق في مساهمة ومشاركة الإعلام في ممارسة حرياته باستقلال دون سطو من أي سلطة.  

وتوجد معايير عدة يقوم عليها الإعلام في الجزائر منها: العدل والإنصاف ومنع التحريف وتشويه الحقيقة، والواقعية والموضوعية والشفافية والأمانة والنزاهة والصدق في جمع المعلومات من منبعها الأصلي، ودعم الحقائق بالإحصاءات والأرقام، والثقة والتعبير الصادق عن الجماهير. 

ويضمن ويكفل المجلس الأعلى للإعلام الجزائري استقلالية هيئات القطاع العام للبث الإذاعي والتليفزيوني، وتعمل سلطة ضبط الصحافة على تشجيع الإعلام المتعدد وتنوعه، ويتم مزاولة قطاع الإعلام لنشاطه بحرية عبر الإنترنت، ويضمن حياد الإعلام واستقلال المهن الإعلامية. 

وقد نصت المادة الثالثة على استقلالية حرية الإعلام في الجزائر، فيمارس ويزاول نشاط الإعلام بحرية بشرط احترام كرامة الإنسان الشخصية، والالتزام بمقتضى السياسات الخارجية للدولة ومقتضيات الدفاع الوطني. 

ويُستشار المجلس الأعلى للإعلام الجزائري في إصدار أي نشرة باللغة الأجنبية، وله سلطة حظر استخدام واستعمال أي لغة أجنبية بالنسبة لنشرات ودوريات الإعلام العمومي. 

ومن أجل ضمان استقلال وسائل الإعلام بمهامها بحرية واستقلالية فقد منع القانون أعضاء المجلس الأعلى للإعلام الجزائري من حيازة أي سهم من أسهم أي مؤسسة ترتبط بالقطاعات الإعلامية أو أن يزاولوا أي نشاط أو وظيفة بقطاع الإعلام، ويُحظر على أعضاء المجلس الأعلى للإعلام الجزائري الترشح لأي منصب في القطاعات المهنية الإعلامية.

في المملكة المغربية: المجلس الوطني للصحافة

يعمل المجلس الوطني للصحافة المغربية على وضع القواعد اللازمة بشأن كفالة وضمان مزاولة الحرية الإعلامية والصحفية، ويضمن احترام الصحفيين والعاملين بمهنة الصحافة لمهنة الصحافة، ويعمل على التنظيم المستقل لقطاعي النشر والصحافة، ويضمن ويكفل المجلس الوطني للصحافة المغربية حق الإنسان في حرية إعلام متعدد ومتنوع وصادق مسؤول مهنيًا ويعمل بنزاهة وشرف مهني، ويكفل المجلس حق كل صحفي في الإعلام أو النشر أو النقد بشرط أن يحترم الصحفي أخلاقيات المهنة، ويضمن المجلس الوطني للإعلام النشر بطريقة استقلالية وحيادية.

هذا وقد كفل دستور المغرب حق حرية الصحافة وحظر تقييدها بأي صورة من صور الرقابة القبيلة، وعلى أن تقوم الأجهزة العامة في الدولة على استقلالية حرية قطاع الصحافة وتنظيمه على مبادئ الديمقراطية والشرعية الدستورية والقانونية والأخلاقية التي ترتبط بها. 

في العراق: شبكة الإعلام العراقية

نجد استقلال حرية الإعلام والصحافة في الدستور العراقي الذي حظر غل مزاولة أو ممارسة الأفراد الحقوق والحريات الواردة بالدستور، فلا يمكن تقييد تلك الحريات إلا بموجب نص تشريعي، بشرط ألا يعترض هذا القيد لأساس وجوهر الحرية التي قيدها القانون. 

وكفل الدستور العراقي حرية الإعلام والصحافة بشرط ألا تخل ممارسة تلك الحريات بالنظام العام والآداب السائدة في الدولة العراقية.

هذا وقد صدر القانون رقم 26 لسنة 2015م بشأن شبكة الإعلام العراقية، وعرَّف استقلالية المؤسسات الإعلامية في المادة الأولى منه على أنها المقدرة الإدارية والتحريرية والمالية لممارسة النشاط الإعلامي بما يتلاءم وطبيعة النشاط الإعلامي بغير الانصياع للعوامل والظروف الخارجية والنوازع الذاتية والشخصية، وأن تعمل المؤسسات الإعلامية بصورة محايدة لا انحياز فيها لأي هوى.

هذا وقد تضمنت المادة الثانية من هذا القانون أن شبكة الإعلام العراقية تعمل وفقًا لمبادئ الاستقلالية والتنوع والتميز، وتكفل الشبكة تأمين توجيه خدمات النشر والإرسال والبث إلى طوائف الشعب العراقي كافة دون مقابل، وإعلام جمهور المتلقين والمستقبلين بالأحداث الجارية وتطوراتها سواء الاجتماعية والاقتصادية والصحية والدينية والرياضية بكل حيادية واستقلالية ومصداقية وشفافية.

وعلى الرغم من الاستقلالية التي تتمتع بها شبكة الإعلام العراقية في مزاولة وظيفتها، فإن أغلب وسائل الإعلام في العراق يتم تمويلها من الداخل والخارج؛ ما جعل تلك المؤسسات تتخلص من سلطة المعلن والإعلان والوسيط؛ لأنه يوجد تمويل يصلها بانتظام واستمرار؛ ما أدى إلى حصر تلك المشكلة في المؤسسات الإعلامية المستقلة التي لا تحصل على تمويل منتظم، وأدى إلى تقلصها واختفائها لعدم وجود دعم لها.

في الكويت: وزارة الإعلام

كفلت المادة الأولى من قانون المطبوعات الكويتي حريات الطباعة والنشر والصحافة طبقًا لهذا القانون وأحكامه، وأناط القانون لوزارة الإعلام سلطة منح إنشاء المطابع واستغلالها، والترخيص لفتح محال توزيع المطبوعات ونشرها وترجمتها ومكاتب للدعاية والإعلانات وكل ذلك بموجب طلب يتقدم به ذوو الشأن.

ونص القانون أيضًا على استقلالية حرية الصحف فحظر خضوع الصحف لأية رقابة مسبقة، إلا أن القانون أناط بوزارة الإعلام إصدار ترخيص الصحيفة، ولا يمنح هذا الترخيص إلا لمالك المؤسسة أو لشركة، ولا يجوز إلغاء الترخيص بإنشاء الصحف إلا بمقتضى حكم قضائي نهائي.  

وإذا كانت الدساتير والقوانين في الدول العربية تسمح إلى حد ما باستقلالية الحريات الإعلامية والصحفية، فإن هذه الحريات يجب أن تكون نسبية، فالحريات المطلقة تؤدي حتمًا إلى تفشي الفوضى غير المقيدة، وإن الحريات الإعلامية والصحفية التي تسأل أمام القوانين والدساتير المنصفة العادلة هي التي يعم بها الأمن والأمان والاستقرار في البلاد وتنتشر الديمقراطية الشرعية التي تنبع من إرادة الشعب.

الحريات الإعلامية

المطلب الثالث: دور المحاكم الوطنية والعربية لتأمين استقلالية المجالس العليا للإعلام والصحافة

أيضًا بالنسبة لعدة دول منها:

في المغرب

يُعد الدستوري المغربي لسنة 2011 من الدساتير التي حظيت بمكانة مرموقة متقدمة بين دساتير الدول العربية بخصوص ما أسنده للمحكمة الدستورية من فرض رقابتها الدستورية القبلية (السابقة) على مشروعات القوانين، فقد خوَّلها الدستور اختصاصًا فريدًا بالرقابة السابقة لمدى مطابقة مشروعات القوانين لأحكام دستور المملكة المغربية قبل إصدارها، وجعل الدستورية وجوبية بمقتضى القوانين ذات العلاقة بتنظيم مجلسي البرلمان، وجوازية فيما يتعلق بالقوانين العادية التي تُحال إلى المحكمة اختياريًا قبل إصدارها من طرف الملك ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين أو أربعين عضوًا من مجلس المستشارين.

وتعمل المحكمة الدستورية على مراقبة مشاريع القوانين التي تمت إحالتها فقط من طرف الفئات التي حددها الدستور. وبالفعل صدر عنها بعض القرارات التي أقرت عدم دستورية بعض القوانين ذات الصلة بالحريات لأنها مخالفة للدستور.

وذهبت في أحد أحكامها إلى أن الخطأ الجسيم المتمثل في «إخلال القاضي بواجب الاستقلال أو التجرد أو النزاهة والاستقامة إذا تجلى في الاشتباه في الارتشاء أو استغلال النفوذ أو الوساطة في ذلك، أو في كل تصرف خطير ينم عن جهل أو إهمال فادح وغير مستساغ لواجبات القاضي المهنية، من شأنه التأثير على استقلاله أو تجرده أو حياده» مستوفٍ لمعيار المضمون المحدد من وجهين، وجه موضوعي بالنظر لاستحالة التحديد الكلي لماهية التصرفات الخطيرة مقابل إمكانية تحديدها بآثارها، أي التأثير على استقلال القاضي أو تجرده أو حياده، وهو ما تقيدت به الصيغة المعروضة، ووجه إجرائي بالنظر للضمانات الممنوحة للقضاة في المادة التأديبية بموجب أحكام القانونين التنظيميين، وفضلًا عن ذلك، فإن طبيعة المهام المنوطة بالقاضي، ومتطلبات الحفاظ على هيبة القضاء ووقاره، تشكل دواعي مبررة للمتابعة التأديبية للقاضي، متى ارتكب أفعالًا تستوجب متابعة جنائية أو خالف واجباته المهنية الأساسية مخالفة جسيمة، وتوقيفه مؤقتًا عن مزاولة مهامه، كل ذلك حماية لثقة المتقاضين في العدالة التي يلجؤون إليها لحماية حقوقهم وحرياتهم والدفاع عن مصالحهم. 

في مصر

تعلو المحكمة الدستورية العليا في مصر قمة الهرم القضائي، فقد أناط بها الدستور مهمة مراقبة دستورية القوانين وتأكيد الحقوق والحريات التي وردت في الدستور، فقد قضت المحكمة الدستورية العليا في أحد أحكامها أن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية لم يقيد القانون ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وعندما يعهد الدستور بتنظيم موضوع معين إلى السلطة التشريعية فإن ما تقره من القواعد القانونية لا يجوز أن ينال من الحق على الحماية الدستورية الحرية الدستورية سواء بالنقص أو الانتفاض.

وذهبت المحكمة الدستورية العليا في أحد أحكامها إلى أن المادة الثانية والتسعين من الدستور المصري لسنة 2014م قد قيدت سلطة المشرع في تنظيم الحريات والحقوق التي منها حرية الإعلام والصحافة واستقلالهما، بما لا يمس هذا القيد في أثناء ممارستها لتلك الحقوق والحريات جوهر تلك الحقوق والحريات وأصلها. 

 تؤدي المحكمة الدستورية العليا دورًا كبيرًا في حماية استقلال المجالس العليا للإعلام والصحافة وفي حماية جميع الحقوق والحريات التي رسخ قيمها الدستور وخاصة حرية الإعلام والصحافة، فقد ذهبت في أحد أحكامها إلى أن القضاء يعد الضمانة الأساسية لحماية الحقوق والحريات وفقًا لما تقضي به المادة الرابعة والتسعون من الدستور المصري، وهي ضمانة موضوعية لهذه الحقوق والحريات، ترتبط للأشخاص التعاونية بوجود وبقاء الشخص القانوني واستمراره، ليغدو اللجوء إلى القاضي الطبيعي في هذه الحالة هو الطريق الوحيد الذي عينه الدستور لذي الشأن لترتيب هذا الأثر، في إطار حق التقاضي الذي كفلته المادة (السابعة والتسعون) من الدستور للكافة، باعتبار هذا التنظيم إحدى وسائله لحماية تلك التعاونيات ودعمها وضمان استقلالها. 

إن المهمة التي أسندها قانون تنظيم الإعلام والصحافة والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، لم تقتصر على دوره الحيادي في التعبير عن جميع الاتجاهات والآراء بما يكفل تكافؤ الفرص والمساواة في توجيه الخطاب للرأي العام على نحو يضمن للمؤسسات الإعلامية والصحفية أن تؤدي دورها البارز في إعلام الجمهور بالإسهام في نشر الرؤى المتنوعة والخبر الحقيقي الصادق الأمين، فإن هذا الدور يمتد ليس فقط إلى المهام التي تسعى لاستقلال وتأمين تلك المؤسسات، بل يمتد أيضًا إلى تنميتها وتطويرها.

وقد عدَّت المحكمة الدستورية العليا أن اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري هيئة إدارية مستقلة تتولى إدارة شؤون الإذاعة المرئية والمسموعة، ويعد العاملون بها موظفين تربطهم باتحاد الإذاعة والتلفزيون علاقة تنظيمية، وتمتد إليه رقابة المحكمة الدستورية على القرارات التي يصدرها والتي يطعن بها بعدم دستورية القوانين.

في العراق

يضمن ويكفل الدستور العراقي مبدأ سيادة القانون (خضوع الحاكم والمحكومين للقانون) ويضمن أيضًا احترام التشريع للحقوق والحريات الواردة بالدستور، مثل حرية الإعلام والصحافة واستقلالية هيئاتها التي تنظم عمل كل منهما، ومن تلك الضمانات التي يكفلها الدستور حق التقاضي وحق الرقابة القضائية على دستورية القوانين وخاصة دستورية القوانين الصحفية والإعلامية ووسائل التعبير والرأي والفكر وحرية تداول المعلومات التي تتمثل بتوفير الرقابة القضائية على دستورية القوانين، والعمل على وحدة واستقلالية وحرية قطاع الصحافة والإعلام والهيئات المنظمة لها.

إن دستور الدولة العراقية لسنة 2005م اشتمل على عدة مبادئ وقواعد وأحكام  تنظم عمل الهيئات القضائية مع بيان آليات تشكيل هيئاتها، ومن ثم حدد الدستور اختصاص بعض المحاكم الأخرى للسلطة التشريعية، والأهم من كل ذلك ركزت تلك القواعد والأحكام والمبادئ الدستورية على ضرورة تمتع السلطة القضائية والعاملين فيها بقدر كبير من الاستقلال، فقد تضمنت المادة 19 من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم سوى للدستور والقانون، وأن حق التقاضي مصون ومكفول للكافة، وتضمنت المادة الثامنة والثمانون على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة؛ لذا فإن استقلال القضاء أمر حتمي لتأمين العدالة وكفالة الحقوق وصون الحريات ومعالجة القفز فوق القوانين وحماية المواطنين وحرياتهم. واستنادًا لذلك فقد نصت المادة السابعة والثمانون من الدستور العراقي على أن (السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقًا للقانون) وبذلك فإن الذي يتولى أعمال السلطة القضائية هي المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقًا للقانون.

وقد ذهبت المحكمة الاتحادية العليا في العراق إلى أن سيادة القانون أو التشريع تنبثق من سيادة القضاء وأن السلطة القضائية هي التي تقيد حدود اختصاصات السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، فالمحكمة الاتحادية العليا في جمهورية العراق تتولى مزاولة مهامها واختصاصها التي نص عليها الدستور العراقي في المادة الثالثة والتسعون، ومن تلك الاختصاصات رقابة المحكمة الاتحادية العليا على دستورية القوانين والأنظمة النافذة والسارية، والفصل في النزاعات والقضايا التي تنشب عن تطبيق القوانين الاتحادية، ومن هنا يلزم أن نضع المحكمة الاتحادية العليا في المكان الذي يمكنها من القيام بدورها الذي ناطها به الدستور إعمالًا لمبدأ استقلال القضاء طبقًا لما ورد في المادة التاسعة عشرة من دستور جمهورية العراق لسنة 2005م.

لقد قرر مجلس القضاء الأعلى في العراق إنشاء محكمة متخصصة لنظر قضايا الإعلام والنشر (محكمة النشر والإعلام) التي نص القرار على أن تختص تلك المحاكم بالفصل في القضايا والدعاوى التي تتعلق وتتصل بالإعلام والنشر مدنيًا وجنائيًا، وتتشكل من قاضٍ واحد متخصص يكون ملمًا وعلى خبرة ودراية بالدور الذي يقوم به قطاع الإعلام والصحافة وعلى دراية تامة بمكانة الإعلاميين والصحفيين ويتعامل وفق مكانتهم ودورهم الذي رسمه لهم الدستور والقانون،  ثم أعلن مجلس القضاء الأعلى نهاية عام 2016 عن تشكيل محاكم جديدة متخصصة لقضايا النشر والإعلام في ثلاث رئاسات استئناف في محافظات البصرة وبابل وكركوك.

في الإمارات العربية المتحدة

إن وجود الدستور الإماراتي وكذلك وجود المحكمة الاتحادية العليا تمارس اختصاصاتها تحت ظلال ذلك الدستور تعد حصنًا متينًا لحماية وضمان ممارسة الحقوق والحريات وخاصة حرية التعبير والرأي والإعلام والصحافة باستقلالية. فالدستور هو الوجهة التي ينبع منها حق ممارسة حرية الإعلام والصحافة واستقلالية هيئاتها، وأن المحكمة الاتحادية العليا هي التي تؤكد وترسخ مبادئ تلك الحرية وتعمل على صونها واستقلالية ومصداقية نشاطها، فالدستور يضع الحدود لاختصاصات أجهزة الدولة في أثناء تصديها للحقوق والحريات التي وردت في الوثيقة الدستورية.  

وفقًا للمادة الرابعة من قانون إنشاء المحكمة الاتحادية العليا بالإمارات فإن المحكمة تختص ببحث دستورية القوانين والأنظمة الإماراتية إذا تم الطعن فيها من قبل إمارة أو أكثر من إمارات الاتحاد، وذلك إذا كانت القوانين الاتحادية مخالفة للدستور الاتحادي، وتختص المحكمة أيضًا ببحث مدى دستورية التشريعات الصادرة عن إحدى الإمارات إذا ما طُعن فيها بعدم دستورية التشريعات من قبل أحد الأجهزة الاتحادية إذا خالفت تلك التشريعات الدستور الاتحادي أو القوانين الاتحادية، وتختص أيضًا ببحث مدى دستورية القوانين والتشريعات واللوائح بصفة عامة إذا أُحيلت إليها طلبات بحث الدستورية من إحدى محاكم الاتحاد أو محاكم الإمارات خلال نظر دعوى منظورة أمام تلك المحاكم وغيرها من الاختصاصات التي نصت عليها المادة.

وقد قضت المحكمة الاتحادية العليا في أحد أحكامها بأن لها التصدي من تلقاء نفسها للمسائل المتصلة بالنظام العام حتى إذا لم يثرها الخصوم.

في المملكة العربية السعودية

وفقًا للمادة 11 من نظام القضاء السعودي، تختص المحكمة العليا السعودية بالرقابة على الأنظمة التي تصدرها السلطات السعودية ومراقبة مدى سلامة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وتوجيه المنظم إلى ما قد يعترض النظام من أوجه مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية والنظام الأساسي للحكم، وذلك ضمانًا وصونًا لتطبيق الحقوق والحريات وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية والنظام الأساسي. فإذا صدر نظام أو لائحة مخالفة للدستور السعودي أو مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية فإن المحكمة العليا السعودية تفرض رقابتها الدستورية ببحث دستورية أو عدم دستورية النص النظامي ومدى موافقته لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء.

وقد قررت المحكمة العليا أن الحقوق والحريات التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ووردت بالنظام الأساسي للحكم محظور انتهاكها أو تقييدها إلا لما تقتضيه المصلحة العامة، وأكدت على أن استقلالية المجالس التي حددها النظام تمارس بحرية وفقًا للأنظمة المرعية في البلاد.

في الكويت

قررت محكمة التمييز الكويتية في حكم لها أن حرية النقد والفكر وإبداء الرأي أصل دستوري،  بشرط ألا تحتوي تلك الحريات في أثناء ممارستها ما ينتهك النظام والآداب العامة أو يمس حرية الإنسان الخاصة أو كرامته، وأكدت أيضًا في حكم آخر لها حرية الصحفي في التعبير عن رأيه وفكره ومعتقداته في كل الأحوال والمسائل التي تهم المجتمع الذي يعيش فيه طالما كان يهدف من إبداء رأيه تقدم المجتمع ومصلحة الوطن ولا يعترضه في تحقيق ذلك إلا المقتضيات الضرورية حفاظًا على المصلحة العليا البلاد ومقوماتها الأساسية.

وقد قررت المحكمة الدستورية الكويتية أن الدستور الكويتي أورد بابًا منفردًا خاصًا للحقوق والواجبات العامة هو الباب الثالث، رفعة وتقديرًا لمهنية تلك الحقوق وكفل لها بسط حريتها وممارستها باستقلالية، فقيد الدستور سلطة المشرع فيما يصدره من تشريعات تحكم تلك الحقوق والحريات وألزمه بعدم تجاوز المعايير والمبادئ والقواعد الضابطة التي تقررها نصوص الدستور لتلك الحريات والحقوق وحظر عليه أن يحد من ممارسة الحقوق والحريات التي وردت في الوثيقة الدستورية أو يبتعد عن الغرض أو الغاية التي قصدها الدستور من إيراد تلك الحقوق والحريات، ووضع الدستور قيدًا على الأفراد في أثناء ممارستهم لتلك الحقوق والحريات بإلزامهم لمراعاة النظام والآداب العامة. 

في الجزائر

أكد المجلس الدستوري الجزائري في أحد قراراته على استقلالية ممارسة مهنتي الصحافة والإعلام بحرية دون رقابة عليه سوى الدستور والقانون، وأكد على الاستقلال المهني لقطاع الصحافة والإعلام في ممارسة عمله، وأكد على استقلالية المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الجزائري. وبموجب التعديل الدستوري لسنة 2020 تم إنشاء المحكمة الدستورية الجزائرية وعدَّها الدستور هيئة مستقلة كلَّفها الدستور بكفالة وضمان وصيانة واحترام الدستور الجزائري، وأناط الدستور للمحكمة الدستورية سلطة ضبط سير المؤسسات ونشاط السلطة العامة، وتفصل المحكمة الدستورية في مدى دستورية القوانين والتنظيمات والمعاهدات التي تبرمها الجزائر مع الدول الأخرى، وتعد قرارات المحكمة الدستورية نهائية وملزمة لسلطات الدولة كافة.

 وبناء على ما سبق تحمي المحكمة الدستورية الجزائرية الحقوق والحريات التي وردت في الوثيقة الدستورية، ومن ضمنها حق ممارسة نشاط الإعلام والصحافة بحرية وفقًا لنص المادة 54 من الدستور الذي كفل حرية الصحافة وحرية التعبير وحرية الرأي وحماية استقلالية الصحفي.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة