في عالم السطوة كثيرًا ما يسأل الزعماء أنفسهم: لماذا لم نتحكم في الأمور رغم التحمس والانتصار على الخصوم؟ الإجابة بسيطة ولكن لا يفطن إليها معظم الزعماء؛ لأنهم غالبًا ما يظنون أن الشدة والعنف يؤديان إلى الحسم والفاعلية؛ لأن الشخص العنيف والغاضب نادرًا ما يستطيع التحكم في الأمور، وفي النهاية تنقلب عليه عدائيته؛ لأن كثرة الهجوم والاندفاع تولِّد مزيدًا من الأعداء الذين يتكالبون عليه ويكيدون له ويحكمون عليه الشباك في النهاية.
تمامًا كما كاد (تاليران) لـ(نابيليون) في عام 1814، وبعدما انهارت إمبراطورية (نابليون بونابرت) ونُفِي إلى جزيرة إلبا بالقرب من شاطئ إيطاليا، ظلت شخصية (نابليون) مصدر توتر وقلق للجميع؛ مخافة أن يرجع ويستعيد عرشه السابق، فكان الكل غارقًا في هذه المخاوف ما عدا (تاليران) وزير خارجية (نابليون) السابق.
وبالفعل هرب (نابليون) على الرغم من الحصار اليقظ على شواطئ جزيرة إلبا، فإنه وبطريقة ما استطاع (نابليون) أن يفرَّ زاحفًا إلى فرنسا ليستعيد أمجاده وسط دهشة رجال السياسة هناك وزعرهم، ونجحت استراتيجيته وتجمع الناس حوله وارتموا تحت قدميه ونصَّبوه إمبراطورًا عليهم من جديد .
وبعد هذا التنصيب بمئة يوم فقط أفاقت فرنسا على إفلاس كبير واستنزاف لمواردها وسقطت هيبة الإمبراطور وهُزم نهائيًّا في معركة «واترلو»، وفي هذه المرة كان أعداؤه قد تعلموا الدرس ونفوه هذه المرة إلى جزيرة «سانت هيلانة» البعيدة ولم تعد له فرصة للهرب.
اقرأ أيضًا لا تتفوق على مديرك.. ملخص كتاب "48 قانونًا للقوة"
التعليق على هذا القانون من ملخص كتاب 48 قانونًا للقوة
ظلت تفاصيل هروب (نابليون) التي حدثت في وضح النهار وفي ظل الحصار المحكم غير منطقية وتحتاج إلى التفسير، بدا الأمر مخططًا من البداية، وما لم يعلمه (نابليون) نفسه أنه يوجد رجل واحد وراء هذا كله، لا ليُعيد (نابليون) إلى أمجاده من جديد، ولكن ليسحقه نهائيًّا، هذا الرجل هو (تاليران) وزير خارجية (نابليون) السابق. هذا الرجل الذي كان يؤمن منذ البداية بأن أوروبا لن تنعم بالسلام ما لم يُنفَ (نابليون) إلى مكان بعيد، ولكن أحدًا لم ينصت إليه، فعمد (تاليران) وخطط لأن يجعل (نابليون) يسعى إلى مصيره بنفسه.
تذكر أن جوهر السطوة هو أن تملك زمام المبادرة وتدفع الآخرين إلى السير على الطريق الذي رسمته أنت لهم، تمامًا كما استدرج (تاليران) (نابليون) بكل هدوء نحو مصيره الذي رسمه له، استدرجه من نقطة ضعف الرجل، فهو يعلم أن (نابليون) متعطش للمجد وحب الجماهير.
وإن أنجح الأفعال لتملك زمام السطوة هو ضبط النفس والتأني والبعد عن الغضب، فاستدرج خصومك وادفعهم إلى نفاد صبرهم والتخلي عن حكمتهم، ووقتها سيتصرفون بحماقة.
إذا استطعت أن تجعل الآخرين يحفرون قبورهم بأنفسهم.. فلماذا تحفرها لهم؟
النشالون يُتقنون هذه اللعبة، وكثير منهم مَن يمارس نشاطه بالقرب من لافتة «احترس من النشالين»، إذ إن كل مَن يمر بجوار هذه اللافتة يقرأها ويتحسس محفظته للتحقق من أنها لا تزال تقبع في جيبه في سلام، ويكون ذلك بالنسبة إلى النشال غاية مراده، فقد علم تمامًا أين يضرب المشرط ويسحب المحفظة، بل كان معروفًا أن النشالين أنفسهم مَن يضعون هذه اللافتات لتُسهل عليهم مهامهم.
اقرأ أيضًا سخِّر الآخرين لخدمتك - ملخص كتاب 48 قانونًا للقوة
فيليبو برونليتشي
كان الرسام والمعماري الماهر (فيليبو برونليتشي) بارعًا في استدراج الآخرين لفعل ما يريد، وذات مرة اختِيرَ للمشاركة في ترميم كاتدرائية «سانتا ماريا ديل فيورا» بفلورنسا، وهو تكليف مشرف ومهم، ولكنهم كلفوا معه رجلًا آخر يُدعى (لورنزو جيبرتي)، ففطن (برونليتشي) إلى أنه مهما أنجز أي عمل فسينال نصف التقدير فقط، لذا، في مرحلة مصيرية من عملية البناء ادعى إصابته بمرض خطِر وطلب التوقف عن العمل، على أن يُكمل (جيبرتي) وحده ما تبقى، فسرعان ما أدرك المسؤولون عجز (جيبرتي)، فعادوا يتوسلون إلى (برونليتشي) فتجاهلهم، وأصرَّ على أن يُنجز (جيبرتي) العمل وحده، فاكتشفوا المشكلة وطردوا (جيبرتي).
وقتها فقط شُفي (برونليتشي) بمعجزة! وعاد ليُكمل ما تبقى بعدما استخدم هذا الفن وهذا القانون من ملخص قوانين القوة والسيطرة «استدرج الآخرين لفعل ما تريد»!
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.