أزمة المياه إحدى أخطر المشكلات التي تواجه الدول النامية اليوم، وهي أزمة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تعاني منها هذه الدول، فالماء هو شريان الحياة وأساس التنمية، لكن ملايين البشر في أنحاء العالم، لا سيما في الدول النامية، يواجهون واقعًا مريرًا يتمثل في صعوبة الحصول على مياه نظيفة وخدمات صرف صحي لائقة، تُعرف هذه الفجوة المقلقة بـ«أزمة المياه»، وهي ليست نقصًا في الموارد، بل هي قضية معقدة تتشابك فيها عوامل الفقر والإدارة والتغيرات البيئية، فما الأسباب العميقة وراء هذه الأزمة التي تهدد حياة الملايين وتعيق التنمية؟ وما الحلول الممكنة والمستدامة للخروج منها؟
يتناول هذا المقال بعمق أبعاد أزمة المياه في الدول النامية، محللًا جذورها المتعددة التي تتراوح بين الفقر والفساد والأسباب الطبيعية، ومُسلطًا الضوء على المعاناة اليومية التي يكابدها السكان في سبيل الحصول على قطرة ماء نظيفة، ويستعرض المقال حلولًا عملية وممكنة تتطلب تضافر جهود الحكومات والمجتمع الدولي والمجتمعات المحلية للتغلب على هذه الأزمة وضمان حق الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي الآمن للجميع، فلنستكشف هذه القضية الحيوية ونبحث سويًّا عن سُبل تحقيق الأمن المائي المستدام في الدول النامية.
ما أزمة المياه في الدول النامية؟
تعاني الدول النامية من مشكلات عدة، فتجد في المقدمة المشكلة الاقتصادية، وهي التي صنفتها في الأساس في هذا التصنيف، وتنبثق عن هذه المشكلة مشكلات عدة أخرى، مثل المشكلات الاجتماعية والقضايا الاجتماعية التي يستعصي حلها في كثير من الأوقات، مثل الجرائم التي تتعلق بالقيم الأخلاقية وغيرها.
وفي خضم كل هذا نجد أزمة المياه في الدول النامية، وهي شح وندرة المياه في منطقة معينة أو دولة معينة، وكذلك شح الخدمات المتعلقة بالصرف الصحي، فقد وُجد أن أكثر من مليار شخص في الدول النامية يعانون أزمة شح المياه وصعوبة الوصول إليها، وتقطع النساء والفتيات عشرات الكيلومترات يوميًّا لجلب المياه، ويستغرقون في هذه العملية مجهودًا مضنيًا وساعات طويلة من أجل جلب كميات قد لا تكفي العائلات المحتاجة إلى المياه، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نقص المياه يؤثر في أكثر من 40% من سكان العالم، وتتفاقم هذه النسبة في الدول النامية.
ولا تُستخدم المياه في الشرب فقط، ولكن في أغراض النظافة المتعددة، وأيضًا في الأغراض الصناعية والتجارية مثل تعبئة المياه للشرب أو تصنيع الزيوت المكررة. فإن كنت تريد معرفة الأسباب الكامنة وراء تلك الأزمة فتابع معنا السطور التالية.
أسباب أزمة المياه في الدول النامية
إن الأسباب المكونة لأزمة شح المياه في الدول النامية أو في كثير من مناطقها متباعدة نوعًا ما ولا يوجد رابط بينها وبين بعضها، ولكنها تتكامل لكي تنتج في النهاية تلك الأزمة. ومنها أسباب هي أزمة في حد ذاتها، نستعرضها في النقاط التالية:
الفقر وضعف البنية التحتية
يُعد الفقر المنتشر في هذه الدول أول سبب من أسباب أزمة المياه، وينتج الفقر من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها هذه الدول في ظل عدم الاستقرار والأمان الاجتماعي السائد فيها، ومع وجود الفقر لا تتمكن الدولة من توصيل المياه إلى مناطق عدة، خاصة المناطق النائية، ومع ازدحام هذه المناطق بالسكان تتفاقم الأزمة، ويعاني ملايين الناس من هذه الأزمة، وترتفع أسعار المياه.
الفساد السياسي والإداري
الفساد السياسي والإداري سبب من الأسباب الأساسية التي تتولد منها كل الأسباب الأخرى، فمع انتشار الفساد في كل القطاعات داخل الدولة، تُهمل الخدمات المقدمة للمواطنين، ومنها مياه الشرب النظيفة الصالحة للاستخدام، وكذلك عدم وصول خدمات الصرف الصحي لمناطق عدة، ما يسبب كثيرًا من المشكلات الصحية شديدة الخطر لسكان هذه المناطق، وقد تصل إلى حد الوباء، ويشمل سوء الإدارة أيضًا انعدام خطط متكاملة للموارد المائية وعدم تطبيق القوانين المتعلقة بالتلوث والاستخدام الجائر للمياه.
العوامل الطبيعية وتغير المناخ
وتوجد أسباب طبيعية، مثل ترسب الطمي في مياه الأنهار، وتلوث الأنهار والمياه الموجودة في السدود، والفيضانات التي تؤدي إلى كوارث طبيعية وخيمة، ومنها انهيار السدود؛ ما يؤدي إلى غرق المدن بالمياه، لذا بعد الانتهاء من هذا الأمر يحدث شح في المياه بسبب تدمير حصة المياه التي كانت مخزنة في خزانات السدود المنهارة.
يُضاف إلى ذلك تأثير تغير المناخ الذي يزيد من حدة الظواهر الجوية المتطرفة مثل الجفاف الشديد في مناطق، والفيضانات المدمرة في مناطق أخرى، وتغير أنماط هطول الأمطار، وارتفاع مستوى سطح البحر الذي يهدد مصادر المياه العذبة الساحلية.
النمو السكاني والضغط على الموارد
يؤدي النمو السكاني المتزايد في العديد من الدول النامية إلى زيادة الطلب على المياه لكافة الاستخدامات (الشرب، الزراعة، الصناعة)، ما يضع ضغطاً هائلاً على الموارد المائية المحدودة أصلاً ويزيد من حدة التنافس عليها.
قضايا المياه العابرة للحدود
في مناطق عدة، تتشارك دول نامية في أحواض أنهار دولية (مثل حوض النيل أو دجلة والفرات)، وغياب اتفاقيات عادلة ومنصفة لتوزيع المياه وإدارتها المشتركة يمكن أن يؤدي إلى توترات سياسية ويزيد من صعوبة إدارة الموارد المائية بطريقة فعالة ومستدامة لكل الأطراف.
حلول أزمة المياه في الدول النامية
رغم المشكلات الكبيرة التي تسببها أزمة المياه في الدول النامية، فإن الحلول موجودة، ولكن هذه الحلول تحتاج إلى عمل جميع القطاعات والجهات معًا من أجل إتمامها على الوجه المطلوب. ومن هذه الحلول ما يلي:
ضمان الوصول للمياه النظيفة (التنقية والتحلية)
يجب التركيز على إيصال المياه النظيفة إلى المناطق التي لا تصل إليها المياه. فعلى الرغم من وصول المياه إلى مناطق كثيرة، لكن من الجائز معاناة هذه المنطقة من شح المياه على الرغم من وجودها؛ وذلك بسبب أن الماء الذي يصل إليها على درجة عالية من التلوث؛ لذا لا يقترب منه سكان هذه المناطق، فيعانون شح المياه؛ لأنهم لا يمكنهم الوصول إلى المياه النقية؛ لذلك يجب تطوير وسائل تنقية المياه، والاستعانة بأحدث الأساليب والأنظمة في سبيل تحقيق هذا الغرض.
الاستثمار في البنية التحتية للصرف الصحي
يجب تخصيص جزء كبير من الميزانية الخاصة بالدولة من أجل توصيل المياه إلى المناطق المحرومة، وذلك بتحلية مياه البحر، وتوصيل الصرف الصحي للمناطق المحرومة منه.
كفاءة استخدام المياه في الزراعة (الري الحديث)
تستهلك الأنشطة الزراعية الجزء الأكبر من المياه في الدول النامية؛ لذلك يجب ترشيد استهلاك المياه في هذه الدول، ويجب إعادة تكرير المياه الناتجة من الصرف الصحي، واستخدامها في الزراعة بدلًا من استهلاك مياه الشرب في هذا المجال، وعلى ذكر ترشيد الاستهلاك في الزراعة، فيجب تحسين تكنولوجيا الإرواء، ويجب استخدام الإرواء بالتنقيط لأنه يحافظ على المياه أكثر من أساليب الإرواء الأخرى.
الإدارة المتكاملة للموارد المائية والحوكمة الرشيدة
تطبيق مبادئ الإدارة المتكاملة للموارد المائية (IWRM) التي تأخذ في الاعتبار جميع الاستخدامات والقطاعات والمصادر المائية (سطحية وجوفية) وتوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتعزيز الحوكمة الرشيدة في قطاع المياه، ومكافحة الفساد، وضمان الشفافية والمساءلة وتطبيق القوانين المتعلقة بحماية المياه من التلوث والاستنزاف.
دور التعاون الدولي والتكنولوجيا والوعي المجتمعي
- التعاون الدولي: تبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا والحصول على الدعم المالي والفني من الدول المتقدمة والمنظمات الدولية.
- التكنولوجيا: استخدام تقنيات حديثة مثل الاستشعار عن بعد لمراقبة الموارد المائية، وأنظمة إدارة المياه الذكية لتقليل الفاقد في الشبكات، وتطوير حلول تنقية وتحلية منخفضة اتكلفة.
- الوعي المجتمعي: رفع وعي المواطنين بأهمية ترشيد استهلاك المياه والمحافظة عليها من التلوث، وإشراك المجتمعات المحلية في إدارة مواردها المائية.
ختامًا، إن أزمة المياه في الدول النامية تحدٍ مركب يتطلب حلولًا متكاملة تتجاوز توفير المياه، وتتطلب المواجهة استثمارات ضخمة في البنية التحتية، إدارة حكيمة ورشيدة للموارد المائية، وتبني تقنيات زراعية موفرة للمياه، ومكافحة جادة للفساد، لكن الأهم هو الإرادة السياسية والتعاون على جميع المستويات -المحلي والدولي-، لضمان حق كل إنسان في الوصول إلى مياه نظيفة وصرف صحي آمن، ومستقبل التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية يعتمد على قدرتنا على إدارة هذا المورد الحيوي بحكمة ومسؤولية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.