يواجه الآباء والأمهات تحديًا يوميًّا في توجيه سلوك أطفالهم، وقد تبدو استراتيجيات التأديب لا نهائية ومحيرة في كثير من الأحيان، فقد تشعرين بالإحباط عندما لا تستجيب الطرق التقليدية، ويستمر طفلك في السلوكيات غير المرغوبة، لكن هل فكرتِ يومًا أن جهودكِ قد تُقوَّض دون قصد بسبب أخطاء شائعة في أسلوب التأديب؟
يكشف هذا المقال، بالاستناد إلى رؤى خبراء علم نفس الطفل، عن 10 من أكثر الأخطاء التأديبية شيوعًا التي يرتكبها الآباء، فمعرفة هذه الأخطاء وتجنبها يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في فعالية توجيهكِ لطفلكِ وبناء علاقة إيجابية معه.
قد يبدو أن الاستراتيجيات التربوية لا حصر لها، إذ يقدم الجميع نصائحهم عن أفضل طريقة لتأديب الطفل، ربما جرَّبت كل الطرق التقليدية لجعل طفلك يستمع، لكنه لا يزال يضرب، أو يرد، أو يسخر من إخوته، وأنت تنفد منك الأفكار، فهيا بنا نستكشف هذه الأخطاء التأديبية العشرة الشائعة.
التوبيخ في الأمكنة العامة أمام الآخرين - التأديب العلني
عالج السلوكيات شديدة الخطر فورًا، مثل الركض في الشارع، أو دفع طفل آخر من على الأرجوحة، أو توجيه السباب والشتائم لإخوته. تقول الدكتورة إريكا رايشر، مؤلفة كتاب (ما يفعله الآباء الرائعون: 75 استراتيجية بسيطة لتربية أطفال ناجحين): «لكن تجنب تأديب طفلك أمام الآخرين، عندما تفعل ذلك، قد يركز أكثر على من يسمع المحادثة بدلًا من ما تحاول تعليمه إياه». ابحث عن مكان خاص لمناقشة الموقف دون أن يراه أحد أو يسمعه أحد، إذا لم تجد مساحة للتحدث في الوقت الحالي، فأقِرّ بسوء سلوك طفلك بإيجاز، وأخبره أنك ستعالجه في المنزل.
إعطاء تعليمات غير مفهومة
ربما أخبرت طفلك مرات لا تُحصى ألا يرمي سترته أو ملابسه على الأرض بعد عودته من مدرسته، لكنه يستمر في فعل ذلك، صدّق أو لا تصدق، قد لا يفهم طفلك حقًا ما تطلبه منه. تنصح لاريسا نيك، الحاصلة على درجة الدكتوراه، ومديرة مركز الأطفال والعائلات والمجتمعات المحلية بجامعة سنترال ميشيغان في ماونت بليزانت: «اجعل تعليماتك محددة قدر الإمكان».
أخبر طفلك بما يجب عليه فعله، بدلاً من إخباره بما لا يجب عليه فعله. على سبيل المثال، قل: «من فضلك علّق سترتك على المشبك عند دخولك» بدلاً من «لا ترمِ أغراضك على الأرض».
ينطبق المبدأ نفسه على التوبيخ. عندما صفعت مريم صديقتها بغضب، قالت الأم بصرامة: «ممنوع الضرب!»، لكن عندما استمرت مريم بضربها، جرّبت الأم أسلوبًا جديدًا: «قلتُ: نحن لا نضرب الناس. إذا كنتِ غاضبة، يمكنكِ ضرب الوسادة»، ثم داعبت ذراع مريم وقالت: «اليدان للمس بلطف». فهمت مريم الرسالة بسرعة.
الرشوة لتحقيق نتائج سريعة
قد يكون من المغري تقليص نوبات غضب طفلكِ بوعده بالحلوى أو الشوكولاتة التي يفضلها، قد تنجح هذه الاستراتيجية في الوقت الحالي، لكنها لا تُقدِّم سوى حل مؤقت. يقول جيفري غاردير، الحاصل على درجة الدكتوراه، والمؤلف المشارك لكتاب (التربية العملية): «الرشوة في الواقع مكافأة على سلوك الطفل السيئ».
إذا كنتِ تعتمدين على الرشاوى لتهدئة طفلكِ، فلا تتفاجئي إذا انفجر غضبًا في المرة القادمة ليحصل على ما يريد، يحتاج الأطفال إلى فهم أن السلوك السليم -سواء كان الانتظار بصبر في الطابور أو التعامل بلطف مع أحد الأشقاء- لا يأتي بمكافأة؛ إنه ببساطة أمر متوقع.
تجاهل تأثير الجوع والتعب
لا تتوقع أن يكون طفلك في أفضل حالاته عندما تكون معدته فارغة، فالجوع يُصعِّب التركيز وقد يُفاقم سوء السلوك، تذكَّر أن طفلك يحتاج إلى تناول الطعام قبل أن يتمكن من الإنصات جيدًا.
جرِّب ما يُطلق عليه الدكتور رايشر «البديل»، ابدأ بالاعتراف فورًا بالخطأ الذي ارتكبه، على سبيل المثال، قل: «رأيتك تُخرج لعبة أخيك من يديه»، ثم عده بإعادة مناقشة الموضوع بعد تلبية احتياجات طفلك الأساسية بقولك: «أنت جائع، أليس كذلك؟ دعنا نتحدث عن ذلك بعد تناول وجبة خفيفة».
يُجدي أسلوب التأديب المُؤجل هذا نفعًا أيضًا عندما يكون طفلك نائمًا، أو عندما تكون أنت كذلك. يقول الدكتور رايشر: «إذا كنت متعبًا أو جائعًا، فمن المرجح أن تكون غير صبور أيضًا».
إلقاء محاضرات مطولة وغير فعالة
مع أهمية إخبار طفلكِ بأنه كان من الخطأ سكب كوب من الماء على الأرض، لكن تصرفاته الطائشة لا تستدعي في أغلب الأحيان محاضرة مطولة، بدلًا من ذلك، اشرحي له بإيجاز لماذا لم يكن سكب الماء على الأرض فكرة جيدة، ووضحي له أنه لا ينبغي له تكرار ذلك، ثم انصرفي واتركيه.
فقدان السيطرة والغضب الشديد
من الصعب أن تحافظي على هدوئكِ عندما يرمي طفلكِ أقراطكِ المفضلة في المرحاض، لكن الصراخ يُضعف قدرتكِ على التواصل معه. يقول علماء النفس: «لا يستطيع الأطفال استيعاب الدرس عندما يُصرخ عليهم، إما أن يصمتوا أو يغضبوا ردًا على ذلك».
كان الصراخ هو أسلوب فاطمة المعتاد عندما كان ابنها أحمد البالغ من العمر ثلاث سنوات يركل أو يدفع أطفالًا آخرين. في النهاية، أدركت هذه الأم أن رفع صوتها لم يكن مفيدًا. تقول: «على أي حال، بدا أن أحمد يتغذى على غضبي ويرد عليه». لذلك، جرَّبت أسلوبًا جديدًا: معالجة سوء سلوكه بنبرة هادئة، وإضافة عاقبة في كل مرة يصرخ فيها ردًا على ذلك. وقد أحدث هذا فرقًا كبيرًا. تقول: «مع أن هذا لم يحل المشكلة بين عشية وضحاها، لكنه في غضون بضعة أشهر أصبح طفلي أكثر هدوءًا».
أخذ سلوك الطفل على محمل شخصي
يتصرف الأطفال على نحو سيئ لأسباب عدة: يفتقرون إلى ضبط النفس، يحبون اختبار الحدود، يحتاجون إلى اهتمامك، لكن اطمئن: إنهم لا يفعلون ذلك لأنهم لا يحبونك. يقول الدكتور رايشر: «كثير من السلوكيات "السيئة" تتعلق بطفل يحاول الحصول على ما يريده، سواء كان عاطفة، أو آيس كريم، أو خمس دقائق إضافية من اللعب».
قد يؤدي الشعور بالإهانة دون داعٍ إلى تقليل عاطفتك، ما قد يضعف رابطتك. استمر في العناق والقبلات، ولكن أخبر طفلك أيضًا: «أنا لا أسيء إليك، ولن أسمح لك بإساءة احترامي».
إهانة طفلك أو مقارنته بالآخرين
كلما كانت أميرة (8 سنوات) وخديجة (5 سنوات) غير مطيعتين، كانت الأم تقارن إحداهما بالأخرى بعبارات مثل: «أختك تلعب بطريقة جيدة، لماذا لا تستطيعين؟» لكن هذا الأسلوب جعل الفتاتين تشعران بالاستياء من بعضهما ولم يُحسّن سلوكهما. تقول الدكتورة رايشر: «يجب أن يركز التأديب على سلوك طفلك، لا على مقارنته بالآخرين».
وقد تحققت نقطة التحول لدى الأم عندما توقفت عن مقارنة بناتها وبدأت بالإشارة إلى حسن سلوكهن. وتقول: «لقد قلّت نوبات غضبهن الآن، وأصبحن ينسجمن بشكل أفضل».
المبالغة في العقاب
من السهل المبالغة في رد الفعل «لا تلفاز لمدة شهر!» عندما تكون منزعجًا من طفلك، ولكن لكي يكون التأديب فعالًا، يجب أن يتناسب مع سوء السلوك، وليس مع مستوى إحباطك، كما تقول الدكتورة رايشر. فالعقوبات المبالغ فيها ليست ظالمة فحسب، بل إنها تُمثل أيضًا تحديًا كبيرًا في تطبيقها.
لمنع نفسك من فرض عقوبات غير منطقية، ضعي قواعد منزلية تحدد العواقب المنطقية مسبقًا. على سبيل المثال، أخبري طفلك أنه إذا اختار عدم إفراغ غسالة الأطباق عندما تطلبين منه ذلك، فسيتعين عليه ذلك قبل أن يتمكن من مشاهدة برنامجه المفضل لاحقًا.
عدم الثبات والتساهل في تطبيق القواعد
إن فرض القواعد بطريقة متقطعة يُعلِّم طفلك أنه ليس من المهم كسرها، فقد لا توجد أي عواقب. يقول علماء النفس: «التناقض يُرسل إشارة بأنك لستَ المسؤول حقًا». ثَم إنه مُربك للأطفال الصغار، إذا سمحت لهم بركلك للمتعة في أثناء اللعب، فقد يفترضون أنه من المقبول فعل ذلك عندما يكونون غاضبين.
تجنب الوقوع في هذا الفخ بإعادة النظر في توقعاتك بانتظام، عندما لا يُلبِّي طفلك توقعاتك، عالج الأمر، سواءً بالإشارة إليه أو باتباع عاقبة مناسبة.
إن تأديب الأطفال رحلة تتطلب صبرًا وحكمة وتعلمًا مستمرًا من جانب الآباء والأمهات، تجنب هذه الأخطاء العشرة الشائعة لا يعني الكمال، ولكنه خطوة مهمة نحو تواصل أكثر فعالية وبناء علاقة أقوى ب طفلك، عندما نركز على السلوك بدلًا من الشخص، ونقدم توجيهات واضحة، ونحافظ على هدوئنا وثباتنا، ونختار العواقب المنطقية والمتناسبة، فإننا لا نصحح السلوك الحالي فحسب، بل نغرس أيضًا مهارات حياتية قيمة مثل ضبط النفس وحل المشكلات واحترام الآخرين، ندعوكم لمشاركة تجاربكم وتحدياتكم في التعليقات، فتبادل الخبرات يثري رحلتنا التربوية جميعًا.
وأنتم أعزائي القراء من الآباء والأمهات، شاركونا آراءكم بالتعليقات أسفل هذه المقالة في أيٍّ من الأخطاء السابقة تقع فيها، وكيف يمكنك تداركها لتحسين علاقتك بطفلك.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.