اليوم موعدنا مع القانون الثاني أو المقال الثاني من سلسلة تلخيص كتاب 48 قانونًا للقوة للكاتب الأمريكي روبرت جرين، إذ تحدثنا في المقال السابق عن القانون الأول
" لا تتفوق على مديرك "، فهيا بنا إلى القانون الثاني
اقرأ أيضًا أجمل شعر غزل وحب للأعرابي ونزار قباني
احذر أصدقاءك واستخدم أعداءك
في المعاملات المالية والتجارية والعملية لا تستخدم الأصدقاء؛ لأنهم أول من يخونك بدافع الحسد، ولكن إن وظَّفت عدوك فسيثبت لك جدارته وولاءه.
انتهاك القانون
لم يكن يعلم (مايكل الثالث) الذي اعتلى عرش الامبراطورية البيزنطية في القرن التاسع الميلادي، أن حياته ستنتهي على يد صديقه الصدوق (باسيليوس) قبل أن يطوف برأسه على سن رمح في شوارع بيزنطة.
تولى (مايكل الثالث) إمبراطورية بيزنطة خلفًا لأمه الإمبراطورة (تيودورا) التي أُطيح بها وحُكم عليها بالنفي.. كان (مايكل) شابًا عديم الخبرة محاطًا بالمتآمرين والقتلة، وكان في حاجة لشخص يسانده ويثق به في ظل هذا الخطر، فاتجه بفكره صوب صديقه الحميم (باسيليوس) الذي لم يكن يفقه شيئًا في الحكم ولا السياسة، ولكنه أظهر حبه وإخلاصه لصديقه (مايكل)، فرفعه (مايكل) وحوَّله من شاب ريفي خامل إلى رئيس للإسطبلات الملكية، فتعلم (باسيليوس) جيدًا وأخذ ينصح الإمبراطور في كل شئون الدولة.
المشكلة الوحيدة كانت المال، فلم يكن (باسيليوس) يشبع منه، فرفع (مايكل) راتبه مرات عدة، ولكن هذا لم يرضِ طموح (باسيليوس) ولم يروِ عطشه لخيلاء السطوة، فأخذ يطيح بمنافسي الملك باسم الملك، لدرجة أنه أقنع (مايكل) باغتيال عمه (بارادس) بحجة أنه يتآمر ضده ليتخلص منه، وظل (باسيليوس) ينفث السم في أذن (مايكل) حتى وافق، فطعن (باسيليوس) عمه (بارادس) في زحام أحد سباقات الخيل حتى أرداه قتيلًا، بعدها طلب (باسيليوس) أن يخلف (بارادس) على قيادة الجيش فوافق (مايكل).
بمرور الوقت تضخمت ثروة (باسيليوس) وتوسعت سطوته، في الوقت الذي مر فيه (مايكل) بضائقة مالية بسبب إسرافه، فطلب من (باسيليوس) أن يرد له بعض المال الذي كان يقترضه منه، فكانت صدمة كبيرة لـ(مايكل) عندما رفض (باسيليوس) طلبه بنظرة تمتلئ بالوقاحة والإهانة، عندها أدرك (مايكل) حجم المأزق الذي وضع نفسه فيه ولكن بعد فوات الأوان، فقد استيقظ بعدها بأسابيع ليجد نفسه محاطًا بالجنود وهم يطعنوه في حين يقف (باسيليوس) يراقبهم حتى أردوه قتيلًا.
نصب (باسيليوس) نفسه إمبراطورًا وطاف بحصانه في شوارع بيزنطة ممسكًا برأس الرجل الذي أحسن إليه واتخذه أخًا وصديقًا مثبتًا على سن رمح.
مراعاة القانون
في مرحلة ما عُرفت الصين بالانقلابات الدموية العنيفة، ولا يحلُّ إمبراطور عليها حتى تُحاك ضده المؤامرات فيُقتل ليحل مكانه إمبراطور أقوى منه، وليضمن نجاته يقتل أنداده من القادة العسكريين، وهكذا، لدرجة أن وضع الإمبراطور كان أقل الأوضاع سطوة وأمانًا في المملكة، حتى جاء القائد (صانج) إمبراطورًا على المملكة، فأحدث ثورة على الأعراف السابقة، وبدلًا من أن يقتل أنداده وغرماءه أغدق عليهم بالمال والممتلكات والقصور والجواري الحسان والعيش الآمن في مقابل أن يتخلوا عن مناصبهم التي تورد لهم الخوف والقلق والترقب، فقدم الجنرالات جميعًا استقالتهم وتقاعدوا بصفتهم نبلاء يتمتعون بالترف والأمان.
بضربة واحد استطاع (صانج) أن يحول زمرة الذئاب الصديقة الذين يعرف أنهم قد يخونوه في أي لحظة إلى حملان وديعة بعيدة عن الحكم والسطوة.
في عام 1971 في أثناء حرب فيتنام تعرض (هنري كيسنجر) لمحاولة اغتيال فاشلة، فرتَّب (كيسنجر) في السر ودون علم الشرطة السرية اجتماعًا مع ثلاثة من المتهمين بمحاولة اغتياله، وأخبرهم أنه ينوي إخراج كل الجنود الأمريكيين من فيتنام بحلول منتصف سنة 1972، فتأثر ضيوفه كثيرًا وقدموا له الشكر والهدايا وظل أحدهم صديقًا له سنوات طوالًا، وليست هي الحادثة الوحيدة لـ(كيسنجر) التي تُظهر سياسته في تعامله مع من يختلفون معه، فقد كان زملاؤه يرون أن (كيسنجر) يتفاهم مع أعدائه بطريقة أفضل من تفاهمه مع أصدقائه.
اقرأ أيضًا رحلة مع أشهر كتب أحمد خالد توفيق
تفسير القانون الثاني من كتاب 48 قانونًا للقوة
كان (فولتيير) يقول: اللهم احمني من أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم، ويوجد مثل صيني يقول: الأصدقاء كأنياب الحيوان المفترس، إن لم تحذرها ستنهش لحمك.
يظل الصديق يتوقع مزيدًا ومزيدًا من الحظوة ويضطرب قلبه بالحقد والحسد، أما العدو فلا يتوقع شيئًا، والرجل الذي يُعفى عنه من الموت المحقق بالمقصلة على استعداد أن يذهب إلى نهاية الأرض لمصلحة عدوه الذي عفا عنه، وفي ذلك تقول الآية الكريمة، بسم الله الرحمن الرحيم: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}.
توجد مسحة من التعالي في توظيف صديقك تجعله يشعر في أعماقه بالتجريح والمرارة، وستظهر هذه المرارة بالتدريج في صورة تصرفات تتسم بالفجاجة أو الحسد والكراهية، المشكلة أن توظيف الأصدقاء يقلل سطوتك ويشوش الحدود والمسافات المطلوبة لإنجاز العمل، لذا عليك أن تقدر التفوق والبراعة في الأمور العملية أكثر من الصداقة، ودع الصداقة تتألق في نادي الصداقة، واحتفظ بالأصدقاء للصداقة ولا تخلط بين العمل والصداقة، لأن الصداقة مشاعر وكما يقولون: البزنس ليس فيه مشاعر، واحذر من الوقوع في ما وقع به الإمبراطور (مايكل الثالث).
من ناحية أخرى عليك أن تحسن استغلال أعدائك، يقول (إبراهام لنكولن): يمكنك أن تمحق عداء عدوك بأن تجعله صديقًا، والحكيم من يستفيد من أعدائه أكثر مما يستفيد الأحمق من أصدقائه، تمامًا كما فعل (هنري كيسنجر).
في حوار عابر في أحد الأفلام بين (عادل إمام) و(سعيد صالح) حين طلب الأول من الثاني أن يستعين بأحد أصدقائه في أمر مادي طارئ فيرد عليه (سعيد صالح) قائلًا: (أنا لا أقحم الأصدقاء في أمور المال والبزنس).
وختامًا، احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة، فلربما انقلب الصديق عدوًا فكان أعلم بالمضرة، ورُبَّ عدوٍ عاقلٍ خيرٌ من صديقٍ أحمق.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.