احتفال شم النسيم بين عبق التاريخ وروح الربيع

عيد شم النسيم احتفال مصري قديم يعود تاريخه إلى ما يزيد على 4500 سنة؛ أي إلى عهد المصريين القدماء (الفراعنة)، وهو يعد من أقدم الأعياد في العالم التي لا تزال تحتفل بها حتى اليوم، وشم النسيم ليس عيدًا دينيًا، بل هو عيد شعبي مرتبط ببداية فصل الربيع، وتجدد الحياة في الطبيعة.

أصل التسمية والنشأة

شم النسيم يعني استنشاق النسيم، وهو تعبير يرمز إلى بداية فصل الربيع والتمتع بالجو المعتدل بعد برد الشتاءكان المصريون القدماء يحتفلون بهذا العيد في الانقلاب الربيعي (عادة في يوم 21 مارس)، ويرتبط لديهم بفكرة بعث الحياة من جديد، وتفتح الأزهار ونمو الأشجار بعد ذبولها.

الاسم الأصلي للعيد عند الفراعنة كان اسمه (عيد شمو)، ومعناه بعث الحياة، ثم تطور الاسم في العصور القبطية والإسلامية ليصبح عيد شم النسيم.

شم النسيم عند الفراعنة

موعد الاحتفال به

يحتفل به في يوم الاثنين التالي لعيد الفصح القبطي (عيد القيامة)؛ لذا يتغير تاريخه كل عام، لكنه يأتي دائمًا في فصل الربيع، وغالبًا في شهر إبريل.

وكان الاحتفال بشم النسيم عند الفراعنة له طابع ديني ورمزي عميق مرتبط بفكرة البعث والخلود، وتجدد الحياة في الكون، ومع مرور الزمن تطور شكله، وتحول إلى عيد شعبي ووطني يحتفل به المصريون من مختلف الأديان والطوائف.

أولًا: شم النسيم عند الفراعنة

تاريخ الاحتفال بشم النسيم يبدأ من الفراعنة:

الخلفية الدينية

كان الفراعنة يربطون هذا اليوم بحدث كوني عظيم، وهو الاعتدال الربيعي عندما تتساوى ساعات الليل والنهار، وتبدأ الشمس في الصعود شمالًا. وكان المصريون القدماء يعتقدون أن في هذا اليوم بعثت الحياة من جديد، فكان مرتبطًا بأسطورة الخلق لديهم، حين تخرج الحياة من الظلام.

شعائر الاحتفال ومظاهرهم

  • استقبال شروق الشمس: كانوا يتجمعون عند المعابد، أو على ضفاف النيل، أو في أمكنة مفتوحة لمراقبة شروق الشمس، لحظة يُعد فيها النور رمزًا لبداية الحياة.
  • زيارة المقابر: كان جزءًا من الشعائر، فيزور الناس قبور ذويهم ليضعوا الزهور، في تعبير عن استمرار الحياة والاتصال بين الأحياء والأموات.
  • تناول أطعمة رمزية؛ مثل البيض رمز الخلق والفسيخ (السمك المقدد) رمز الخصوبة والخلود، والخس والبصل الأخضر كان يعتقد أن لهما قوةَ حماية من الأرواح الشريرة والملانة (الحمص الأخضر) التي كانت تزرع في بداية الربيع ترمز إلى التجدد والنمو.
  • الخروج إلى الطبيعة: كانوا يقضون اليوم في البساتين وعلى ضفاف النيل، ويمرحون ويتزينون بالزهور. 

احتفال الفراعنة بشم النسيم

ثانيًا: مراحل تطور الاحتفال بشم النسيم

وقد مر بعدة مراحل منها:

في العصر القبطي

حافظ المصريون على مراسم شم النسيم، لكنه ارتبط بعيد القيامة في المسيحية، فصار يُحتفل به يوم الاثنين التالي للفصح، واستمرت عادات تلوين البيض والخروج إلى الطبيعة وتناول الأطعمة الرمزية.

شم النسيم في العصر القبطي

في العصر الإسلامي

على الرغْم أن شم النسيم ليس عيدًا إسلاميًا، لكن المسلمين شاركوا في الاحتفال به عيدًا شعبيًا. فبعض الكتابات في العصور الإسلامية؛ مثل كتابات المقريزي تذكر مظاهر احتفال المصريين بهذا اليوم الذين أضافوا طابعًا اجتماعيًا واحتفاليًا؛ مثل الموسيقى والرقص الشعبي.

ثالثًا: مظاهر الاحتفال الحالية أو المعاصرة

الشعائر القديمة نفسها تقريبًا، لكن بطابع حديث:

  • رحلات عائلية إلى المتنزهات.
  • ألعاب الأطفال.
  • تلوين البيض في المدارس والمنازل.
  • تناول الفسيخ والبصل والبيض والملانة.

احتفالات شم النسيم الحالية

أصبح عيدًا وطنيًا يحتفل به كل المصريين بغض النظر عن ديانتهم، وهذا يظهر الطابع الحضاري المتوارث لهذا العيد، أو بمعنى أصح لهذه العادة التي توارثتها الأجيال.

وفي الختام سيظل شم النسيم أحد أجمل المظاهر التراثية التي تجمع بين عبق التاريخ المصري القديم وروح البهجة المعاصرة، إنه احتفال بالحياة والطبيعة والتجدد، ويظهر حب المصريين للتواصل الأسري والاستمتاع بجمال الربيع، وعلى الرغم من تطور الزمن وتغير العادات يبقى شم النسيم رمزًا للفرح والوحدة، وعيدًا يحمل في طياته رسالة بأن لكل بداية جديدة ربيعًا مزهرًا.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.