ابتسم..فأنت مراقب

 

في عام 2017 ظهر فيلم الأصليين؟، وكان التعاون الثاني بين الكاتب أحمد مراد، والمخرج مروان حامد من بين أربعة أعمال قاموا بتنفيذها معاً، وهو التجربة الأولى لأحمد مراد في الكتابة مباشرة للسينما. وبالرغم من النجاح المبهر للثنائي في الأعمال الثلاثة الأخرى، إلا أن فيلم الأصليين لم يحظ بنفس القدر من النجاح، بالرغم من أنه يعد أهم أعمالهم معاً، لطبيعة الفكرة التي تناولها الفيلم.

تناول الفيلم فكرة مراقبة الناس ورصد تحركاتهم على مدار اليوم، ليس بهدف سياسي أمني أو استخباراتي، لكن بغرض تقييمي ولقد تناول الفيلم الفكرة بشكل مجرد وفانتازيا جداً، ولكن بذكاء شديد، ليصل بك لما يحدث في العالم الآن، وهو فكرة المراقبة الشخصية ورصد التحركات، وهي من وجهة نظر شخصية لها هدفين محددين، من الممكن أن يجتمعوا في بعض الأحيان، أو أحدهما فقط في أحيان أخرى، وهما كما ستناولهم، أولاً السبب الاقتصادي، وثانياً السبب الاجتماعي السياسي.

ولنبدأ بالسبب الاقتصادي، ودعوني أتناول بدايةً أبسط أشكال المراقبة، وهو قاعدة البيانات. أكثر شركات العالم المالكة لقواعد بيانات هي شركات التليفون المحمول، تلك الشركات تقوم ببيع قواعد بياناتها للشركات الأخرى، وفي أغلب الأحيان بشكل غير قانوني، لأن البيانات الشخصية يفترض أن تكون سرية، ولكن أحياناً تصلنا تليفونات من قسم ال Tele Marketing لشركات سياحة وفلاتر مياه ومنتجعات.. إلخ، لتفاجئ بأن المتصل يعرف اسمك، وأحياناً سنك ومستواك المادي، لأن قاعدة البيانات عادة تقسم شرائح حتى يسهل الوصول للشخص المستهدف. أنت نفسك من الممكن أن تطلب من أي شركة محمول عمل حملة إعلانية لسكان منطقة ما، من مرحلة عمرية محددة، مثل الكثير من الإعلانات التي تصلنا على رسائل التليفون المحمول. إذن فهذا الشكل يمثل أبسط شكل للمراقبة المعلوماتية الإلكترونية، بهدف الترويج التجاري.

المرحلة الأعلى من أشكال المراقبة المعلوماتية، هي أن أي منا عندما يقوم بفتح هاتفه المحمول أو الكمبيوتر الشخصي، كل المعلومات الخاصة به تصل للشركات الكبيرة مثل مايكروسوفت، جوجل وما شابه، بما فيها المعلومات الغير مرتبطة بشبكة الإنترنت، مثل قائمة الأسمى في ال Phone book.

من خلال المعلومات اللي تحصل عليها تلك الشركات، يبدأ تصنيفك كشخص، ويزيد على المعلومات الأولية المعلومات الأهم الخاصة بما تبحث عنه من خلال جوجل أو You tube، أنهم لا يقيمون أخلاقياتك كما سنتحدث عنه في الجزء الأخير من المقالة، لكنهم يبحثون عن يبيعوك أيه ، والبيع هنا ليس معناه فقط الشراء المادي، لكن من الممكن أن يكتفى فقط بدخولك على أحد المواقع التي يعتمد الترويج الإعلاني فيها على نسب المشاهدة، فيمارسوا معك ما يسمى بسياسة ال Push notifications، بمعنى أنهم إن اكتشفوا أنك دائم البحث عن الملابس، فيدفعوا لك دائماً بإعلانات مواقع ملابس، شخص آخر متابع لكرة القديم، فيصادفه دائماً إعلانات عن مواقع كرة قدم أو تخص كرة القدم، حتى من يتابع مواقع إباحية، يجد دائماً ما يصله في نفس الاتجاه، لأنه يعتمد دائماً على كونك أما مشتري، أو أنك ستساهم في زيادة نسبة المشاهدة. إذن لابد من أن نعى أن كل مرة نقوم فيها بفتح أحد مواقع الإنترنت، تكون كل بياناتنا مرصودة، وكل منا له ملفه الخاص، وبالمناسبة فقائمة أسماء ال Phone book في غاية الأهمية، لأنه حسب ثقل الأسمى التي تحتويها يتم تصنيفك، وتقييمك يزيد تبعاً لتفاصيل أخرى كثيرة، مثل ال Iscore الخاص بالبنوك، الذي يقوم بتقييمك تبعاً لمعاملاتك المالية، وليس لما في رصيدك، بمعنى انتظام سداد قروضك وفواتيرك وكروتك الائتمانية. إلخ، وتفاصيل أخرى كثيرة، تساهم في درجة تقييمك، فتستطيع كلما أرتفع تقييمك أن تحصل على قرض أكبر، أو يزيد الحد الائتماني Credit card الخاص بك، إلخ.

ومن نقطة ال I score، نبدأ في موضوع المقالة الرئيسي، وهو نظام التقييم الاجتماعي للسكان، الذي يفترض أن تكون الصين قد طبقته، بداية من 2020، وهو موضوع خطير جداً، وكان من الممكن لو تحدثنا عنه من عشرين عاماً أن يكون نوع من الجنون، ولنبدأ بشرح الفكرة بالتفصيل.

بدأت الفكرة من عام 2007، عندما أعلنتها الحكومة الصينية، وكانت الفكرة وقتها ستتم بالمشاركة مع بعض الشركات الخاصة، وكان التقييم يشمل كل تفاصيل حياتك، بداية من أصدقائك، لعادات التسوق الخاصة بك، إلخ، وعن طريقها يبدأ تقييمك الاجتماعي، ويصبح لك I score، لكنه شخصي وليس مصرفي. التقييم كما ذكرته واحدة من المواقع البريطانية، سيشمل كل مناحي الحياة، سلوكياتك الشخصية، بدءًا من تشغيل الموسيقى بصوت عالي وإزعاج الجيران، لعبور الطريق.. إلخ، فكل تصرفاتك ستتحول لنقاط، وبناء على تقييمك ستكون درجة السماحية بمعنى أنه من الممكن أن تحاول حجز تذكرة قطار فترفض بسبب ضعف تقييمك.

بعض المشاريع الخاصة ببعض الشركات مثل Sesame Credit، لديها قاعدة بيانات لأكثر من 400 مليون مواطن صيني، واحدة من أهم النقاط اللي يُبنى عليها التقييم هو كم الوقت الذي تقضيه في لعب الGames، وهذا بالطبع يسهل حسابه لأنه On-line، وقاعدة Sesame Credit هي واحدة من القواعد التي ستعتمد عليها الحكومة الصينية، لكن للأسف حتى تلك المعايير ستكون غير عادلة، لأنها ستختلف من مدينة لمدينة، تبعاً لقواعد تقييمهم، فبعض الأماكن ستركز على عدم دفع فواتيرك بانتظام، وأماكن أخرى ستركز في سلوكياتك في المواصلات العامة، وثالثة سيكون أولى أولوياتها سلوكياتك المرورية، فالعملية التقييمية ستظل خاضعة للتدخل البشري، مثل الحكام في مباريات كرة القدم، فأحدهم قد يحتسب مخالفة، لا يحتسبها حكم أخر، وسيكون لكل شخص رقم ID خاص به، يستطيع من خلال شبكة الإنترنت معرفة تقييمه أولاً بأول. ولهذا فالصين عملت على تطوير برامجيا ال Face recognition أو التعرف على الوجوه، بمعنى أنه أثناء عبورك الطريق إن قمت بأي سلوك خاطئ، ستقوم الكاميرات الموجودة في كل مكان بتصويرك، وستستطيع البرمجيات بالتعرف عليك من بين ملايين الأشخاص، طالما قامت بتصوير وجهك.

ليو صحفي صيني تم الحكم عليه ودفع الغرامة وانتهى موضوعه قضائياً نهائياً، لكن عندما ذهب لشراء تذكرة طيران، أكتشف أنه Blacklisted، بمعنى أنه في القائمة السوداء، وهذا القرار كان نتيجة ال  Iscore الخاص به، فمنعه ال application أُوتُومَاتِيك من بعض الصلاحيات مثل السفر.

في النهاية، حتى لو كان الهدف من التقييم للصالح العام، لكن اختراق خصوصيات المواطن بهذا الشكل هو شيء غير أنساني وأخطاء الناس من الممكن أن يكون لها ما يبررها، بمعنى أن من قام بكسر إشارة، من الممكن أن تكون لديه أسبابه، كحالة إنسانية، موعد قطار أو طائرة، وبالرغم من أن الخطأ لا يبرر، لكن دوافع الخطأ تختلف، وأحياناً نضطر للخطأ الصغير لتفادى بعض الأخطاء الأكبر.

 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.