هذه الحياة مليئة بأناس مظلومين، أناس جرحوا من قِبل أقرب النّاس إليهم، بعض الجروح لن تندمل أبدًا مهما تقدّم الزمن بل يبقى هادئًا ما دام الذّكريات لم يوقظها من نومها وهدوئها، فبعض أشرطة الذّكريات يجب إبقاؤها في سلّة المهملات أو رميها بعيدًا في قاع البحر، وإلا فكل من يتذكر بعض الأشياء تصبح عدوا لدودًا بسبّب عودة الألم الَّذي كان تعانيه في أول جرحه القديم، إن جراح القلوب أكثر وطأة وإيقاعًا في النّفس وأشد ألمًا من الجراح الحسيّة الجسديّة، فالحيانة مثلًا من جروح القلب الَّذي لا تعفى أثره ولن تنساه الذاكرة حتّى إذا حاول أن يتناسى، فهذا النوع من الجروح هو ما أصاب الملك الشّهير من قبل صديقه حين تعرّض للخيانة منه، فقال مقولته الشّهيرة حتّى (أنت يا لويس).
إنني أعفو لمن ظلمني ولمن اختلف معه في شيء فأدّى هذا الاختلاف إلى ما لا تُحمد عقباه كالتعارك بيني وبينه مثلًا فيجرحني جرحًا عميقًا في جسدي، وحتّى إن فقأ عيني أسامحه، نعم أسامحه وأذهب إلى المستشفى للعلاج لكن ما الَّذي لا أسامح أحدًا فيه؟ إنها الجروح الَّتي لا يمكن معالجتها أبدًا ولا سبيل إلى الشفاء منها، إنها الخيانة والكذب عليّ والنفاق وإضمار العداوة مُظهرًا الحبّ والإخلاص.
إن هذه الجرائم تتعلّق بحقيقة الإنسان ويكشفه لك إنه جروح لكن في نفس الوقت دروس تخلع لك لثام وأقنعة المنافقين حولك، فإن تعرّضت لمثل هذه الجروح فيمكنك العفو لكن لا تنسَ أبدًا فهي دروس لك يجب أن تعتبر منها، فإذا تعرّضت لمثل هذا من صديقك فخذ حذرك منه لأنه في الحقيقة ليس الصّديق، وإنّما كان معك بأقنعة الصّديق فيجب أن تتركه فورا لأن مثل هؤلاء المنتهزين للفرص، كلّما أتيح لهم فرصة لجرحك يجرحونك فإن عفوت اليوم ونسيت فسيعاودون الكرّة، وفي هذه المرّة أقوى من السّابق، وربما تكون هذه آخر مرّة حين تكون الخيانة الكبرى الَّتي تسمّى بالموت.
تذكر دائمًا المثل الَّذي يقول احذر عدوّك مرّة واحذر صديقك ألف مرّة)، فهو من يعرف نقاط ضعفك ومن يستطيع طعنك في الموضع الَّذي تلقى في الفور حتفك فيه.
وتذكر أيضًا قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (لا يلدغ المؤمن في الجحر مرتين).
إنّنا الأفارقة استُعبدنا في عصرٍ من العصور من قبل الغرب المستشرقين، عُذّبنا وانتهكت حرمتنا واستبيحت نساءنا وعاملونا معاملة حيوانيّة كل ذلك لتطبيق قانون الجاهليّة القديمة المسمّى بقانون الغابة، حيث القويّ يأكل الضعيف إنّنا الآن قاومنا حتّى نلنا استقلالنا بشرف، إنّنا الآن نعفو لكن لا ننسى فإذا حاولنا النسيان فإن التّاريخ يأبى إلا أن يسجّل ويسطّر ويخلّد لبشاعة تلك الأفعال اللا إنسانيّة ولا يمكن نسيان المكتب لأنه محفوظ من الاندثار والاضمحلال.
نعفو لكن لا ننسى...
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.