إصلاحات الإمبراطور أوكتافيوس في الفن والنحت

أما عن الفنون بجميع فروعها فقد ازدهرت في عصر الإمبراطور ازدهارًا كبيرًا، وذلك عن طريق الآثار الباقية وما حوته من كتب المؤرخين بذكرهم أعماله العمرانية واهتمامه بعمارة روما عن طريق الترميم وبناء المنشآت العمرانية من قاعات وأسواق عامة.

وكان الهدف من ذلك ليس فقط تخليدًا لأعماله، بل أيضًا كان هدفه سياسيًّا بعيد المدى؛ لأن أبنية الدولة كانت بالنسبة للمواطنين الرومان رمزًا للتجديد والعظمة التي كان يسعى إليها الإمبراطور.

اقرأ ايضاََ إصلاحات الإمبراطور أوكتافيوس في الأدب

ما أبرز المنشآت العمرانية التي شيدت في عهد الإمبراطور أوكتافيوس ؟

ومن أبرز المنشآت العمرانية التي شيدت في عهد الإمبراطور القاعات الفخمة التي تستخدم للاجتماع أو قاعة محكمة، وقد أكمل بناء قاعة يوليا Basilica Julia وأعاد بناء قاعة إيميليا Basilica Aemila وكذلك أعاد ترميم قاعة مجلس الشيوخ، إلى جانب ذلك شيد سوقين للعامة وهما سوق يوليوس Forom lulium الذي جرت أقامته بهيئة جديدة، ولأول مرة في روما على ساحة مغلقة مقسمة بصورة هندسية يبغ طولها 170م وعرضها 75م.

وسوق أغسطس Forum Augustus الذي امتاز بالأبهة والعظمة، إذ جرى تخطيطه بحجم أكبر من سوق يوليوس، واكتسب هذا الفوروم أهمية خاصة لأن الإمبراطور نقل إليه جزءًا من الأعمال الإدارية الخاصة بإدارة الإمبراطورية، فكانت هذه الأسواق ملتقى للناس لموقعها وسط المدينة واحتوائها على بعض المعابد، لذا يعد الفورم Forom مركز روما السياسي والاجتماعي والديني أيضًا. 

وكان القائد أغريبا الساعد الأيمن للإمبراطور والمشرف على الأمور العمرانية والخدمية داخل روما، وأشرف أيضًا على إنشاء أقنية المياه Aquae ductus التي تعد من أعظم المنجزات العمرانية التي كانت تزود المدينة بالمياه العذبة النقية من منابعها.

وكذلك بنى أغريبا الحمامات الساخنة الفخمة المعروفة باسم حمامات أغريبا التي افتتحت عام 33ق.م، وكذلك أقواس النصر التي كانت تقام على شرف الانتصارات العسكرية وتخليدًا لإنجازات الإمبراطور.

إذ تذكر المصادر التاريخية أنه شيد في عصر الإمبراطور أوكتافيوس 17 قوسًا للنصر أقيمت تكريمًا للإمبراطور في روما وولاياتها، ويعد قوس ريمني أشهر الأقواس الذي شيد عام 27 ق.م في مدينة ريمني Rimini الواقعة على البحر الأدرياتيكي، وذلك تكريمًا للإمبراطور لإحياء السلام ومرمم طرق إيطاليا كما يذكر النص التذكاري المنقوش أعلاه، ويبلغ ارتفاع القوس  15,86م وعلو فتحته 10م أما اتساعه فيبلغ 8,45 م.

ومن المشاريع العمرانية التي افتتحت في عهد الإمبراطور مسرح ماركللوسMarcellus Theater الذي بدأ العمل فيه من أيام حكم يوليوس قيصر وافتتح عام 13ق.م والذي أطلق عليه الإمبراطور هذا الاسم بعد وفاة ماركللوس صهره وولي عهده، ويعد المسرح من أروع المباني التي أقيمت لترفيه الشعب الروماني، إذ كان دائريًّا يتألف من 3 طوابق ويتسع لـ20 ألف متفرج.

ومن مشروعات النشاط العمراني أيضًا مذبح السلام Arapacis الذي كان مثالًا رائعًا لفن العمارة والنحت، وكذلك المقبرة الملكية التي خصصت للعائلة الإمبراطورية التي حملت اسم الإمبراطور أغسطس، وضمت رماد معظم الأعضاء البارزين من العائلة ابتداء من ماركللوس، وبنى أغسطس فيها ضريحًا عرف في ما بعد بضريح إله أغسطسMausoleum Augustus الذي كان يتألف من بناء مستدير يبلغ قطره 87 مترًا في موضع مرتفع يبلغ ارتفاعه  44مترًا على تل من التراب مزروع بالأشجار.

أما حجرات الدفن فكانت في وسط الضريح الذي تقسمه حلقات الجدار وعلى جانبي مدخل الضريح أمر الإمبراطور بإقامة الألواح البرونزية التي كانت تحمل سجل أعماله.

اقرأ ايضاََ إصلاحات الإمبراطور أوكتافيوس في المجتمع

ما إصلاحات الإمبراطور أوكتافيوس في النحت ؟

وبلغ فن النحت في عصره ذروته وكان ذلك واضحًا في بعض المباني ومنها مذبح السلاح Arapacis الذي يعد من أهم الأعمال العمرانية في روما، وأقيم هذا النصب على طريق فيلامينا Viaflamina المتجه إلى شمال إيطاليا من قبل مجلس السناتو احتفالًا بالسلام الذي حققه الإمبراطور في ولايات الإمبراطورية، وأرخ قرار التشديد منذ عام 13 ق.م.

وافتتح المشروع في عام 9 ق.م وقد شيد المذبح على هيئة تذكارية تجسد الرؤية السياسية والدينية معًا، فأقيم على شكل مربع يبلغ طوله 11,60م وعرضه 10,60م شيده من المرمر فوق قاعدة مرتفعة له مدخلان من جهة الغرب كانت 10 درجات تؤدي إلى مدخل المذبح والشرقي يؤدي إلى شارع فيلامينيا، وكان حائط المذبح مزخرف على جزأين، الجزء السفلي على محيط المبنى صور من النباتات منتظمة، أما الجزء العلوي من الحائط فخصص لبعض المنحوتات لتجسيد الرؤية السياسية والدينية.

ومن أبرز هذه الصور ما صور على الحائط الجنوبي وهي قصة وضع حجر الأساس لهذا الصرح، فيظهر موكب تكريم للسلام الأغسطسي، فنجد على اليمين في الصف الأمامي الإمبراطور أغسطس وإلى جواره زوجته ليفيا وعلى الجانب الأيسر أربعة من الكهنة وهم جميعًا يرتدون غطاء الرأس المقدس، وخلفهم حاملو الفؤوس ثم أعضاء العائلة الإمبراطورية من أجل تقديم القرابين.

لاحظ وجود هدوء واضح في الحركة التي تبدو واقعية تحمل ملامح مترفقة بالحياة الدينية والوقار الديني، فضلًا عن السمة العائلية في تصوير المنظر، وهو اتجاه يحقق مفهوم وراثة العرش وحدود السياسة الجديدة، في حين نجد الأسلوب الفني يتصف بالرسمية إلى حد المثالية الرومانية التي استوحيت من المنحوتات اليونانية، فنجد تنسيقًا واضحًا على الرغم من تشابه الأوضاع والحركات لكن الواقعية والشخصية تنبعث منها.

أما الحائط الخلفي للمذبح فنجد فيه نحتًا دينيًّا هيلينستيًّا أسطوريًّا يمثل الإلهة تيلوس Tellus ربة الأرض والخصوبة والإنماء والازدهار جالسة فوق صخرة تحتضن طفلين يداعبانها، فالمشهد الفني يعبر عن روما وكأنها أم هذا العالم تنعم بالرخاء والازدهار المعبر عنه عن طريق الفاكهة الموضوعة فوق سيقانها وكذلك قطيع الماشية والأغنام والبقرة الراقدة، ويضاف إلى ذلك المشهد الفني زخرفة السنابل والزهور وإلى اليمين الآلهة، وكذلك تحتها ينابيع المياه العذبة وهي إحدى وسائل النمو والرخاء.

أما الجانب الأيسر فنجد إحدى النيرياديس الأخريات تمتطي حيوانًا أسطوريًّا بحريًّا يمثل قوة الأمواج الهائجة وهي رمزية تبين خيرات البحار التي سيطرت عليها روما الأم، هكذا عبر المشهد عن رؤية سياسية تتفق مع إمكانات الإمبراطورية الرومانية وتطلعها لحكم العالم.

اقرأ ايضاََ إصلاحات الإمبراطور أوكتافيوس الدينية

ما التماثيل التي تم نحتها للإمبراطور أوكتافيوس؟

أما بالنسبة إلى التماثيل التي نحتت للإمبراطور أوكتافيوس فمنها نصفية التي تبين ملامحه الشخصية بدقة، إذ نشاهد ذلك في تمثال نصفي للإمبراطور نحت عام 27ق.م يظهر بملامح شابة وعلى رأسه إكليل الغار تكريمًا لشخص الإمبراطور بإحيائه السلام في جميع أرجاء الإمبراطورية الرومانية.

أما التماثيل الكاملة فيوجد اثنان منها تعكس لنا شخصيته السياسية -العسكرية والدينية، ويمكن أن نتناول هذه المشاهد الفنية مستهلين بتمثال أغسطس المعروف بأم ريمابورتا Primaporta من أشهر التماثيل الرومانية المصنوعة من المرمر والذي يزيد ارتفاعها على المترين.

ويعود إلى أواخر أيام الإمبراطور عام  14م وتبدو لنا بوضوح الملامح الشخصية للإمبراطور أوكتافيوس التي تتجلى بوجهه المدبب وفيه تسريحة شعره الذي يتهدل على الجبين، وبوقفته المهيبة التي تمثل صورة مثالية للإمبراطور الروماني المتقمص لحالة إنقاذ البشرية وإحلال السلام بالقوة والسيطرة.

والتزمت الرؤية الفنية في هذا النحت بالتركيز على الطابع العسكري الذي يعبر عن قوة الإمبراطورية عن طريق وقفته كأنه واقف يتحدث للجيش، وملبسه العسكري وفوقه عباءة تلتف حول يده اليسرى، ويمسك بيده الرمح الذي يعلوه رمز الجيش الروماني الذي استرد من الفرثيين عام 20 ق.م، إذ يبدو الإمبراطور مدافعًا عن كرامة روما وجيشها.

كانت الصورة تروي القصة على الدرع الواقي وهي قصة متفقة مع ما صوره لنا الشاعر هوراس في قصيدته عام 17 ق.م، إذ صور الإمبراطور أوكتافيوس على أنه الحاكم الذي سيستقر السلام على يدهِ ومن ثم انعكس هذا الوصف على شكل رموز وقواعد فنية.

إذ نجد في وسط الدرع ملك الفرثيين الذي يسلم رمز الجيش الروماني إلى إله الحرب مارس وحولهما امرأتان تمثلان مجموع الشعوب المحيطة بروما تجلس لتشاهد هذا النصر العظيم، وإلى الأسفل نجد إلهة الأرض تجلس وتمسك بقرن الخيرات الزاخر بالفاكهة ومن حولها الأطفال يمرحون في سعادة تعبر عن الأمن والسلام الذي تميز به هذا العهد.

وفي أعلى الصورة إلهة السماء وعلى الجانبين شخصيتان أسطوريتان على هيئة بشر الأولى ناحية اليمين تمثل القمر والثانية ناحية اليسار تمثل الشمس وفي الوسط بالجزء العلوي تظهر الإلهة دياديا رمز القمر والنور الذي أضاء العالم بقدوم إلهة الصباح، لتصب عبير الأزهار من آنية يدها وعلى اليسار يقف إله هيليوس Helios رمز أشعة الشمس وهو يركز عربته الشمس ويجلس حارسًا للعالم الجديد.

كما نشاهد إلى جوار قدم الإمبراطور أوكتافيوس طفلًا صغيرًا عاديًا إلى نمط صور إله الحب كيوبيد يقف فوق إحدى حيوانات البحر -درفيل- قادم من البحر يتطلع بحب للمستقبل الجديد، وفي الغالب تمثل هذه الصورة رمزًا لشعوب البحر المتوسط الخاضعة للإمبراطور.

 أما التمثال الأخر فيظهر فيه شخص الإمبراطور بزي الكاهن الأعظم، تظهر على ملامحه الشخصية وداعة ورقة وبساطة وجهه، إذ كان يرتدي التوجا Toga ملبس الكاهن الأعظم في حالة من الوقار والحكمة والخبرة بأمور الحياة، وهنا حالة من التناقض في هذا العمل نابعة من توضيح تلك الصفات على وجه شاب تبدو ملامحه صبيانية، وهو ما يجعلنا نقيم العمل بالرؤية الدعائية في تلك المدة.

 هكذا كان عصر الإمبراطور أوكتافيوس مزدهرًا من الناحية الفنية بكل صوره وألوانه، ليجعل من روما سيدة الإمبراطورية الرومانية، وسار من بعده الأباطرة على منهجه العمراني.