نشرت قصة "البريق" للمرة الأولى في صحيفة أخبار الأدب، القاهرة 17 نوفمبر 2019.
وقد اطلعنا عليها بالقراءة والكتابة عنها كآخر قصة في ترتيب قصص المجموعة القصصية «النميمة الحلال» للقاص خليل الزيني، والصادرة عن المكتبة العربية للنشر والتوزيع، ط1، 2020م، ص 89-94
قد يعجبك أيضًا رواية 9 ملي .. تعرف على ملخص رواية 9 ملي روايات عربية للكاتب عمرو الجندي
نبذة عامة عن القصة
تناقش القصة إشكالية زواج الصغيرات من أسر فقيرة بالريف المصري، وسعي الأب لدفع البنت لسوق الزواج من أي زوج ثري كبير أو كهل لا مشكلة، متزوج من أخرى ولديه حتى أبناء أكبر من الابنة العروس لا بأس، المهم خروجها من بيت أبيها، لتذهب لدنيا الأموال والعز!!
لم تحصل البطلة «تحية» إلا على قسط ضئيل جدًّا من التعليم، وكان مبرر الأب في سعيه في تزوجيها «أمام شيخ القرية وأعمام تحية، أما أخوالها فكانوا على الحياد» بأنه: «لقد عانيت وشقيت في الحياة، فما الضرر لو حملت عني بعض العبء!»..
طبعًا الواضح أن من أهم من لهم كلمة على والد تحية ويستمع ويحسب لهم حسابًا شيخ القرية وإخوانه الرجال «أعمام ابنته»، أما زوجته وإخوانها «أخوال تحية» فليس لهم دلال عليه.
لذا كانت تحية تفهم ذلك عن أبيها، ظلت تستنجد بعمها بكل الوسائل لإنقاذها «عمي، عمي، حاول، أنجدني!»، ولكنه كان على علم بعناد أخيه وأنه يزداد عنادًا ويصر على ما في رأسه مع كل محاولة معه بهذا الخصوص!
وكان جواب ورد عمها النهائي لها «سبق السيف العذل يا تحية، لن أستطيع، اعذريني!»، ونصحها بأن تسلم قدرها لله.
كانت تحية تتكيف حسب قدرها وجهدها مع صعوبات الحياة، يعجبها ثناء الكل على لين قوامها ودقة نحتها وسمرتها الخلابة.
ما يدل على شخصية قوية راضية تتحمل متاعب الحياة، ويدلل على ذلك ما قالته تحية حينما كانت تستعطفه لكي يثني أباها عن فكرته تزويجها لمن يدفع أكثر: «طب... أشتغل زي البنات في حاجات وحاجات لما يهل الصيف، لأ، من دلوقتي، بس بلاش الجوازة دي!»..
فليس لديها مانع أن تخرج للعمل والنزول للعمل في أي شيء لكسب المال لكي تعطيه أباها الذي في حاجة للأموال لفقره، بل سوف تترك دراستها ومدرستها، وتستغني عن حلمها في مواصلة التعليم والحصول على شهادة.
قد يعجبك أيضًا ملخص رواية ساعة الخطيئة وأهم أحداثها.. روايات عربية
حيلة ذكية من البطلة
وقد لجأت «تحية» لإحدى حيل الدفاع النفسي بدلًا من الاكتئاب النفسي الحاد الذي من الممكن أن يؤدي بصاحبه إلى الانتحار، وذلك لقبول زوجها العنيف، الذي أوصلها لكراهية جنس الرجال كله من أب كان أو زوجًا فظًّا، فلجأت لفن الاستسلام في اليقظة، والأحلام الوردية في المنام.
«لجأت إلى الفن البشري القديم، فن الاستسلام، اكتشفت عنف رجلها، لم يرأف بها، زاد عذاباتها عذابًا اشتعل داخلها، مع قطرات العرق وسيل اللعاب -تلعن أباها- تسب دنيا الرجال، يأخذها التعب، تستمتع بأحلام الماضي وأماني الصبا، في المنام تحاول اعتصار ليمونة حياتها لتخرج منها شرابا مستساغا».
ويعد «نيتشه» فيلسوف "فن الاستسلام" بامتياز، ويؤكد نيتشه بنفسه في كتاب «هذا هو الإنسان» أن كل فلسفة هي بمنزلة سيرة ذاتية لفيلسوف بعينه.
فالأمر ينطبق عليه هو بالذات وبالتمام، إذ يوجد ترابط بين قدرة نيتشه على الاستسلام في مستوى حياة فلسفية يختزلها في مفهوم "تقبل القدر" amor fati ، وبين فلسفة حيوية يرمز إليها بوظيفة المطرقة.
ولكن ما الذي يحدث حين يستسلم المرء للضربات التي لا يمكنه مقاومتها؟ إذ يوجد كثير من الأمثلة المعبرة..
نذكر منها مثالًا واحدًا ورد (ص 200) بكتاب «الوجود والعزاء: الفلسفة في مواجهة خيبات الأمل» للكاتب «سعيد ناشيد» (عام 2030): «توجد مرحلة طبية تسمى مرحلة ما قبل الاحتضار، تكمن صعوبتها في أن أحبة المريض وأهله لا يريدون الاستسلام خوفًا من عقدة الذنب، فيواصلون البحث عن حلول علاجية تنهك ولا تجدي، هذا في الوقت الذي تؤدي فيه كثير من الإجراءات العلاجية العبثية في مرحلة ما قبل الاحتضار إلى استنزاف المريض بنحو مجاني، وتنتهي إلى تعقيد مرحلة الاحتضار وجعلها أكثر مشقة وعسرًا».
ولأن «تحية» امرأة ذكية جدًّا، ولها أمنيات وأحلام وتطلعات كبيرة وكثيرة، فقد استطاعت أن تأخذ من هذا الزوج الكبير في السن والعنيف في الطباع كل الماديات التي تدخل بها عالم المال والأعمال.
فكانت تختار الوقت المناسب لتتلاعب به، فيكون رده: «كل ما أملك فهو لك، لك ما تتمنين وزيادة، فأنت مفتاح سعدي!».
وفعلًا بدأت التجارة وعملت في 3 مجالات: تجارة الملابس الحريمي، والاستثمار العقاري، وأنشأت فندقًا كاملًا بالمدنية جاءتها فكرته صدفة «وفد من الطيارين الروس جاء لاستئجار شقة مفروشة عندي مدة 6 أشهر، وتمنى أحدهم لو كان في المدينة فندق متكامل لكان أحسن لهم!».
فهي ورغم أنها لم تحصل على شهادة دراسية، فإن لديها مهارات وإمكانات شخصية كبيرة أهلتها للنجاح في أي تجارة دخلت فيها.
قد يعجبك أيضًا رواية "جميلة".. للكاتب الشهير جنكيز أتماتوف تعرف عليها
مناسبة عنوان القصة للموضوع
وعن عنوان القصة «البريق» جاءت اللفظة مرتين داخل متن القصة، الأولى جاءت نكرة دون الألف واللام للتعريف «خبا بريق الزوج، ما عاد يُجدي، كبر الأولاد، ثم ماتت الزوجة الأولى، تتكفل بالبنات الأربع من الأخرى».
ومن تلك العبارة نستنتج بأن الزوج كان رجلًا كبيرًا بالسن، وأن «تحية» كان زوجة ثانية له، لم ينجب من زوجته الأولى إلا بنات، ومن الواضح بأن رغبته في الزيجة الثانية كانت بالتأكيد لاعتقاده بأنه من الممكن أن يرزق بولد من ثانية أصغر سنًّا حتى يرث الولد الثروة الطائلة التي يملكها.
أما المرة الثانية التي ذُكرت فيها كلمة (البريق) كما العنوان معرفة بالألف واللام (ال)، فكانت بفقرة ثانية ترد على ما وصلت إليه «تحية» عاطفيًّا مع زوجها.
فصحيح هو انطفأ بريقه، بل وقد انتقل إلى جوار ربه، وغيبه الموت، وأصبحت هي وحيدة بلا زوج، ولكنها هي لا تزال متوجهة «ما زال طارق ابن أخت المرحوم يعمل عندها، يوقظ في دمها شيطان الجمال بغزلياته البسيطة، تلاعبه وتستمر معه كأنها دعابة.
إنها تسترد جزءًا من ديون الماضي، ما أحلى هذا الشعور! أين ذهبت تلك الأيام، أحقًّا ما زال عندي بعض البريق!»، هذا الكلام الذي جاء على لسان البطلة الراوية للقصة «تحية» يذكرني بقصة ومشاهد فيلم «شباب امرأة» بطولة تحية كاريوكا وشكري سرحان، وكأن القاص «خليل الزيني» اختار لبطلة قصته «البريق» اسم «تحية» على اسم الفنانة الاستعراضية «كاريوكا» نفسها.
أكدت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة أن عادة منع البنات من الميراث، بحجة أن المال سيذهب إلى أزواجهن.
ونحو ذلك من الحجج التي يبطلون بها حقوق العباد، ليس هذا مسوغًا لها؛ لأنه عرف فاسد يتصادم مع نصوص الشرع.
أما في قصتنا "البريق" فجاءت زوجة الأب الثانية بحرمان البنات الأربع لزوجها من زوجته الأولى التي توفيت وتكفلت هي بهم، ثم توفي زوجها ووالد هؤلاء الأربع، بمنعهم من الميراث بحكم أنها أنجبت له الولد وأصبحت سيدة مال وأعمال تمتلك عدة مشروعات تجارية واستثمارية .
«كبر الأولاد، ثم ماتت الزوجة الأولى، تتكفل بالبنات الأربع من الأخرى، خرجت بنتها الكبرى محرقة الوجدان من تجربة زواج فاشل، البنات الأربع ميراثهم، يجب حرمانهم، ضاعت البنت الصغرى، ابنها يذبح تفوقه، سيان»، يتسم السرد القصصي عند الكاتب «خليل الزيني» بالغوص في التفاصيل.
ولا سيما بالشخصيات الثانوية حول الشخصية الرئيسة بطل/ة قصته، صحيح أنه يذكرها سريعًا وبكثافة حتى لا يصيب الإيقاع السردي بالبطء أو الملل، ولكنه يرغب في تناول عدة قضايا اجتماعية في قصة واحدة، بحكم أن واقع الحياة التي يعيشها أي إنسان رجل كان أو امرأة مملوءة بالإشكالية والصعوبات.
قد يعجبك أيضًا عناوين كتب مثيرة للجدل عربية وإنجليزية.. الهلس والقبيح والمُثير!
قضايا معاصرة تناقشها القصة
وقبل أن ينهي المؤلف الفقرة القصصية نفسها بطرحه قضية حرمان البنات من الإرث، يكملها بقضية الاتجار بزواج القاصرات، وهي رغبة نفسية مكبوتة لدى البطلة «تحية»؛ إذ إنها تريد أن يُفعل بباقي البنات الصغيرات بالمجتمع المحيط بها ما فُعل بها وهي في مثل عمرهن.
باعتبارها رغبة نفسية دفينة للانتقام من هذا المجتمع الذكوري في رأيها: «ترد الصفعة الآن لدنيا الرجال على ظنها، تتاجر بعقود الزواج للصغيرات، معذب يذيق الآخرين من مرارة كأسه!»..
من تنجو من تجارة الحلال تهوي بشباك تجارة الظلام، كثرت ضحاياها، وراغبو الانتقام أكثر، أكثرهم مرارة البنات الأربع وأخوالهم، التجار المنافسون، أهالي البنات، البنات الأربع راضيات بالعيش في كنفها حتى لا تحرمهن هذا القليل.
فعلًا واقع أليم جدًّا، امرأة تتعرض للظلم، فتصاب بعدة عُقد نفسية، فتخرج كل ما خزن في اللاشعور لديها في معاملاتها التجارية والاجتماعية.
ونقلًا عن موقع «بي بي سي عربي» بتاريخ 15 فبراير 2022: فإن زواج الأطفال، يمثل مأساة بالنسبة لليافعات اللاتي يعشنه، ويجعلهن أكثر هشاشة وفقرًا وتهميشًا.
وأن هذه الظاهرة تحبس الطفلات- الزوجات وأسرهن، في حلقة من الفقر، يمكن أن تستمر من جيل إلى جيل، ثم أن الغالبية العظمى من هؤلاء الفتيات، يواجهن العنف، إذ يُجبرن على ترك المدرسة، ويُضغط عليهن لإنجاب الأطفال في سن مبكرة.
قد يعجبك أيضًا ملخص كتاب "مسافر الكنبة في إيران".. للكاتب عمرو بدوي
زواج القاصرات في اليمن
ويمثل اليمن واحدًا من البلدان العربية، التي ينتشر فيها زواج القاصرات على نطاق واسع، ووفقًا لبيانات صدرت عن الأمم المتحدة والحكومة اليمنية، فإن نحو 14% من الفتيات اليمنيات يتزوجن وهن دون 15 عامًا.
في حين يتزوج 52% منهن وعمرهن 18 عامًا، وتشير البيانات الرسمية إلى أن اليمن يشهد 8 حالات وفاة يوميًّا لقاصرات، بسبب الزواج المبكر والحمل والولادة.
الهذيان هو اضطراب شديد الْخَطَر في القدرات العقلية التي تؤدي إلى التفكير المشوش وقلة الوعي بالبيئة المحيطة.
وتكون بداية الهذيان عادة سريعة، في غضون ساعات أو بضعة أيام، ومن التغيرات السلوكية للمصاب بالهذيان، الصُّراخ أو الأنين أو إصدار أصوات أخرى (صرخت وهي تكرر: - ماذا عندي تريده؟).
ومن الاضطرابات العاطفية للهذيان، قلق أو خوف أو جنون الشك (البارانويا)، (أنا لست غبية، إن أردتم الانتقام فليس هكذا، سأرد لكم ما تشاؤون، لا تعبث بي وارحمني ألا يكفي أن سلبتني امرأة ابني وسممت وعيه، وغيرها يريد الانتقام!).
وأيضًا من الاضطرابات العاطفية: الانفعال والغضب، والإحساس بالشعور بالانفعال (اليوفوريا)، فتنادي "تحية" مرة أخرى مستغيثة بعمها كما فعلت يوم أن قرر أبوها تزويجها صغيرة بعدما وصلت لما هي عليه الآن (عمي، عمي، ارحمني، أنجدني، خذني!).
فقط أضافت كلمة (خذني) هل تتمنى الرحيل عن العالم بالموت، لعدم استطاعتها تحمل الضغوط الحياتية.
وينهي الكاتب «خليل الزيني» قصته «البريق» بالتأكيد على ما وصلت إليه البطلة «تحية» من اضطرابات عاطفية من تغيرات مزاجية سريعة وغير متوقعة، وتغيرات في الشخصية.
«هدأت، قد أسكرتها اللحظة، فاجأتها المعاني، بدأت تضحك واستمرت في ضحكاتها، وهي تهذي، دمعت عين طارق، فلقد ذهب السحر الناعم وخبا العقل الواعي»، إذ أصبح يتحكم فيها كاملة ويسيطر عليها؛ لأنه مدفون في عقلها غير الواعي بما تعرضت له طوال تجاربها الماضية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.