علم الفلك يحمل مكانة خاصة في الإسلام، إذ يشجع الدين الإسلامي على العلم والمعرفة بكافة أشكالها لما في ذلك من فوائد للإنسانية، ويمتاز علم الفلك بأهمية فريدة لارتباطه المباشر بالعبادات والفرائض الدينية، فكثير من العبادات، كالصلاة والصيام والحج، تعتمد على الظواهر الفلكية وحركة الكواكب والأهلة. فعلى سبيل المثال، تُحدد مواقيت الصلاة اليومية بناءً على تعاقب الليل والنهار، وكذلك تُحدد بداية شهر رمضان استنادًا إلى رؤية الهلال.
إضافة إلى ذلك، يحث الدين الإسلامي على أداء عبادات خاصة عند حدوث ظواهر فلكية معينة، مثل صلاة الكسوف وصوم الأيام البيض عند انتصاف الأشهر القمرية، هذه العلاقة الوثيقة بين العبادات والظواهر الفلكية تجسد الروح العلمية التي يشجع عليها الإسلام.
مساهمة العرب المسلمين في تطور علم الفلك
أسهم العلماء المسلمون في نهضة علم الفلك بأشكال عدة:
التأليف والترجمة
شهد العالم الإسلامي خلال العصور الوسطى نهضة علمية عظيمة في مجال علم الفلك، إذ أقبل العلماء المسلمون على التأليف والترجمة في هذا المجال، ومن بين الكتب المهمة التي صنفها العلماء المسلمون نجد "المبادئ والغايات في علم الميقات" للمراكشي، إضافة إلى ترجمتهم وتصحيحهم لكتب الفلك القديمة، ولا سيما مؤلفات بطليموس.
الباحث دايفد كينغ اكتشف وجود 5000 مخطوط إسلامي في مواضيع فلكية لم تُدرس بعد، وتتوزع على مكتبات عدة في أنحاء العالم لا سيما في أوروبا.
الاكتشافات العلمية
كان للعرب المسلمين دور ريادي في عدة اكتشافات فلكية، ومن أبرز هذه الاكتشافات تفسير البيروني لظاهرة الكسوف تفسيرًا علميًا يدحض الخرافات القديمة، وأشار العلماء المسلمون، وعلى رأسهم ابن خرداذبه (القرن 3هـ / 9م)، وشرحوا بدقة فكرة كروية الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس في مدار بيضوي، وهي فكرة أشار إليها القدامى قبلهم إشارات موجزة وأحيانًا مبهمة.
ومن إنجازاتهم الرائدة أيضًا حساب محيط الأرض بنسبة خطأ لا تتجاوز 3%، وتحديد طول السنة الشمسية بدقة إذ كانت نسبة الخطأ لا تتجاوز 22 ثانية (البتاني، القرن 4هـ / 10م).
التقنيات الفلكية
أضاف العلماء المسلمون تقنيات جديدة ومبتكرة في مجال علم الفلك، منها صنع أولى آلات حساب الزمن على يد عبَّاس بن فرناس، التي عُرفت باسم "المَنْقالة". كذلك، صُنعت آلات رصد متطورة، مثل "الربع التام" للزرقالي (القرن 5هـ / 11م).
إضافة إلى ذلك تطوَّر الإسطرلاب ليصبح أداة أكثر دقة وانتشارًا خلال العصور الوسطى والعصر الحديث، وجرى وضع أزياج فلكية (جداول) تحدد الظواهر الفلكية، مثل شروق الشمس وغروبها والكسوف والخسوف، ومن أشهرها "زيج الكلخاني" لأولغ بك (القرن 9هـ / 15م). كذلك، بُنيت مراصد فلكية عظيمة، كان أبرزها مرصد بغداد الذي أقامه الخليفة العباسي المأمون.
كان العرب المسلمون روادًا في العلوم الفلكية، وتركوا فيها أثرًا يقرّ به حتى الغربيون، من أمثال المستشرق الإنجليزي دايفد كينغ الذي يؤكد أن عددًا من النظريات المنسوبة إلى كوبرنيك هي في الأصل اكتشافات إسلامية.
محتوى رائع ومفيد
شكرا على التفاعل
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.