إستراتيجيات تحقيق التوازن بين الحياة والعمل

قد يبدو لك الحديث عن التوازن بين الحياة والعمل أمرًا ثانويًّا أو حلمًا بعيدًا صعب المنال، لا سيما مع زيادة متطلبات النجاح في السوق التنافسية العالية وضمن بيئات العمل الحديثة الضاغطة والمستنزفة للطاقة والوقت، ما يجعل تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية ضربًا من ضروب الجنون.

ولكن ماذا إن علمت أن التوتر والقلق والاكتئاب وانخفاض الإنتاجية كلها مظاهر ناتجة عن عدم قدرتنا على وضع حدود بين العمل والحياة الشخصية؟

قد يعجبك أيضًا كيف تجعل لحياتك معنى وطعمًا خاصًا؟

هل تحظى بحياة متوازنة؟

إن كنت مترددًا بشأن الأمر، وتعتقد أنك تحظى بحياة متوازنة، يمكنك مناقشة الأسئلة التالية قبل إكمال المقال:

· هل تحدد وقتًا لإنهاء كل ما يتعلق بالعمل، فلا تسمح لأي أمر متعلق به أن يأخذ من وقتك؟ 

· هل ترد على إيميلاتك وتجري عددًا من الاتصالات في أثناء العطل والإجازات وبعد العودة من العمل؟

· هل تحدد وقتًا خاصًّا لقضائه مع العائلة والأولاد؟

· هل تخطط للإجازات والعطل وتحدد طبيعة الأنشطة التي ستؤديها؟

· هل سبق لك أن ناقشت ما الأنشطة التي تعيد الحيوية والنشاط إليك؟

كل هذه الأسئلة وغيرها قد تكون دلائل إلى مستوى التوازن الذي تحققه في حياتك، وسنبدأ الآن بالحديث عن التوازن بين الحياة والعمل، وأهميته، وكيفية تحقيقه، ونصائح عامة ومهمة لكل شخص يبحث عن الاستقرار والنجاح.

قد يعجبك أيضًا لماذا نعيش وكيف تبحث عن هدف لحياتك؟

ما التوازن بين الحياة والعمل؟

يعرف التوازن بين الحياة والعمل بأنه عملية وضع حدود وضوابط، تكفل للشخص النجاح والإنجاز في عمله من جهة، والاستمتاع بالحياة والترويح عن النفس من جهة أخرى، وذلك باتخاذ مجموعة من القرارات ووضع الخطط وتحديد الأوليات.

إن البحوث في هذا المجال تعود إلى منتصف القرن العشرين، ويحظى هذا الموضوع باهتمام أكبر مما كان عليه في الماضي، بالنظر إلى الأساليب المرنة الجديدة لإدارة العمل كالعمل المرن agile working، والعمل الذكي smart working، والعمل القائم على النشاط activity-based working وهو ما سنتحدث عنه في مقالات لاحقة.

قد يعجبك أيضًا دروس في الحياة لن تتعلمها في بداية طريقك

أهمية التوازن بين الحياة والعمل

تزداد أهمية التوازن بين الحياة والعمل يومًا بعد يوم، لا سيما مع زيادة عدد النساء العاملات، والكبار ممن أعمارهم فوق الـ60، والأزواج الذين لديهم أطفال، لهؤلاء الأشخاص احتياجات واهتمامات مختلفة خارج إطار العمل، وأشارت الدراسات الحديثة إلى أن التوازن بين الحياة والعمل:

يحسن الصحة العقلية والعاطفية

إن تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية يساعد على تقليل مستويات التوتر، ما يؤدي إلى تحسين الصحة العقلية، فهو يسمح للأفراد بإعادة الشحن والاسترخاء والمشاركة في الأنشطة التي تعزز الصحة العاطفية.

يحسن الصحة البدنية

التوازن المناسب بين العمل والحياة يسمح للأفراد بإعطاء الأولوية للصحة البدنية، بتخصيص الوقت لممارسة الرياضة والأكل الصحي والنوم الكافي، فالنشاط البدني المنتظم يعزز مستويات الطاقة والتركيز، ويسهم في الحصول على نمط حياة أكثر صحة.

زيادة الإنتاجية

عندما يكون لدى الأفراد وقت للراحة وإعادة شحن طاقتهم، فإنهم يعودون إلى العمل وهم يشعرون بالانتعاش والتجدد، ما يؤثر إيجابيًّا في إنتاجيتهم وكفاءتهم، فالأفراد المتوازنون أكثر قدرة على التركيز على المهام، واتخاذ قرارات أفضل، وإظهار مستويات أعلى من الإبداع.

تعزيز العلاقات

الموازنة بين العمل والحياة الشخصية تسمح للأفراد بتعزيز العلاقات بالعائلة والأصدقاء والأحباء والحفاظ عليها، وتسهم العلاقات الشخصية القوية في الدعم العاطفي والسعادة والشعور بالانتماء، ما يؤثر إيجابيًّا في الرفاهية العامة.

تقليل الإرهاق

عندما يصبح العمل شاملًا ولا يترك مجالًا للحياة الشخصية، يكون الأفراد أكثر عرضة للتعرض للإرهاق، وهي حالة من الإرهاق الجسدي والعاطفي والعقلي، ويساعد أسلوب الحياة المتوازن على منع الإرهاق، ما يسمح للأفراد بالحفاظ على دوافعهم ومشاركتهم وحماسهم في جميع جوانب الحياة.

تحسين إدارة الوقت

إن السعي لتحقيق التوازن بين العمل والحياة يتطلب من الأفراد أن يضعوا في اعتبارهم وقتهم، ما يؤدي إلى تحسين مهارات إدارة الوقت.

إن الموازنة بين المسؤوليات والأنشطة الترفيهية تعزز الانضباط وتحديد الأولويات وتخصيص الوقت بفاعلية كبيرة.

أداء أفضل للعمل

إن تخصيص الوقت للاهتمامات والهوايات الشخصية يمكِّن الأفراد من توسيع آفاقهم واكتساب مهارات جديدة واكتساب وجهات نظر متنوعة، يمكن لهذه التجارب أن تؤثر إيجابيًّا في العمل، إذ تطرح أفكارًا جديدة وتفكيرًا مبتكرًا.

تعزيز الرعاية الذاتية

التوازن الصحي بين العمل والحياة يعزز الرعاية الذاتية وممارسة وضع الحدود، فالتعرف على الاحتياجات الشخصية واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيقها يسهم في الثقة بالنفس وتقدير الذات والنظرة الأكثر إيجابية للحياة.

الاستدامة طويلة المدى

يعد الحفاظ على توازن صحي بين العمل والحياة الشخصية أمرًا بالغ الأهمية للاستدامة المهنية على المدى الطويل، فهو يساعد الأفراد على تجنب الإرهاق، والحفاظ على الحافز، وتحقيق طول العمر الوظيفي.

السعادة الشاملة

في نهاية المطاف، يتيح التوازن الفعال بين العمل والحياة للأفراد أن يعيشوا حياة مُرضية وذات معنى، إذ يسهل الشعور بالسيطرة والسعادة والرضا، ما يجعل الأفراد أكثر مرونة وقدرة على التعامل مع متطلبات العمل والحياة الشخصية.

قد يعجبك أيضًا مفهوم فلسفة النجاح والتحفيز الذاتي

كيفية تحقيق التوازن بين الحياة والعمل

إن تحقيق التوازن المطلوب بين الحياة والعمل أبعد ما يكون عن كونه وصفة سحرية تنطبق على الجميع وتحقق أفضل النتائج لهم، ولكنه رحلة ممتعة تمزج بين اكتشاف الذات والنتائج المرضية والآفاق الواسعة.

لذا من المهم جدًّا مراجعة كل خطوة وتكييفها مع الأولويات والظروف الشخصية والتجربة الخاصة لكل شخص.

التخطيط الجيد 

تفقد الأشياء قيمتها عندما لا ندونها، وتتحول الأفكار المبدعة والاقتراحات البناءة إلى قائمة الأعمال المهملة المنسية ما لم نضعها في إطار التنفيذ ضمن خطة أو قائمة من المهمات المكتوبة.

لذا يفضل وضع قائمة بما هي الإجراءات اللازمة والممكنة لضمان التوازن وعدم الإسراف في العمل على حساب الحياة الشخصية والعائلية والصحة، ويمكن لهذه القائمة أن تشمل:

· الإجازات التي ننوي استغلالها.

· الأماكن التي نرغب بزيارتها.

· المهارات الجديدة التي نرغب بتعلمها.

· الهوايات التي نرغب بممارستها.

· الدورات التدريبية التي نخطط للانضمام إليها.

· خططنا للعمل وكيفية الارتقاء وتحقيق مزيد من النجاح المهني.

لا تنسَ أن جميع العظماء والناجحين حافظوا خلال حياتهم على عادة التخطيط، وكانت حليفًا لهم في تحقيق إنجازاتهم ووصولهم إلى أفضل الخطط وأهم الاختراعات وأعمق القصص والروايات، وحينئذ ينبغي لك مراجعة خططك باستمرار لإدخال التعديلات اللازمة والإضافات المهمة لها.

وضع الحدود 

هي مجموعة من الإجراءات والقرارات التي تُتخذ، في إطار إعطاء كل شيء حقه من الوقت والجهد والطاقة دون أية المبالغة أو إهمال لشيء على حساب الآخر، كأن تقرر ما يلي:

· تحديد ساعة معينة تتوقف بعدها كل الأنشطة المتعلقة بالعمل، على سبيل المثال: بعد الساعة الخامسة مساء أتعهد بعدم أداء أي نشاط متعلق بالعمل، بما في ذلك التحدث مع زملاء العمل لمناقشة آخر المستجدات أو الإجابة على الإيميلات.

· تخصيص وقت محدد للتنزه، وممارسة هواية معينة أو زيارة الأصدقاء.

· من المفيد جدًّا تخصيص ساعة محددة خلال النهار أو حسب الحاجة تقضيها وحدك، يمكنك استغلالها في الكتابة أو التأمل أو أخذ حمام دافئ، كل هذا يساعدك على إعادة التوازن إلى حياتك.

· تحديد وقت خاص لقضائه مع الشريك، فكثير من الأشخاص الناجحين يعانون مشكلات في حياتهم الشخصية بسبب الإهمال، وعدم وجود متسع من الوقت للاستمتاع به مع الشريك والعائلة، يمكنك وضع قائمة بأنشطة مسلية وممتعة تؤديانها معًا كالذهاب للسينما أو حضور حفل موسيقي في نهاية الأسبوع.

قد يعجبك أيضًا نصائح أساسية لتجديد أسلوب حياتك.. تعرف عليها الآن

تنظيم الوقت 

من المهم جدًّا، أن نعلم أن نواة أي إدارة أو موازنة للحياة والعمل تقوم على تنظيم الوقت، فهو الأساس في الإنجاز والإنتاجية والتنسيق.

وهنا من المفيد البدء بتحليل ودراسة لكيفية قضاء وقتك وما النشاطات التي تستهلك معظم الوقت؟ وهل يمكن دمجها أو تقليلها قدر الإمكان للاستفادة من بعض الوقت المتاح للراحة والاستمتاع، وهنا يمكنك استخدام بعض التطبيقات والتقنيات المساعدة في تنظيم الوقت.

التغذية الراجعة

مناقشة أفراد العائلة والحرص على أخذ آرائهم واقتراحاتهم في التغييرات التي تود فعلها، وما ملاحظاتهم لانعكاس هذه التغييرات الإيجابية والسلبية على حياتهم.

ممارسة تمارين الاسترخاء والتأمل 

تساعدك ممارسة تمارين الاسترخاء والتأمل بعد الانتهاء من العمل على التهدئة وتخفيف تدفق الأفكار العشوائي، وتتميز بأنها لا تحتاج إلى كثير من الوقت، فممارسة تمرين التنفس مدة 5 دقائق بإمكانه مساعدتك على التخلص من التوتر وتحسين حالتك المزاجية بعد يوم طويل من العمل.

المرونة والاستعداد لتغيير الخطط ومواءمتها مع الظروف

المفاجآت والأحداث الطارئة عرضة للحصول، لا تخلو حياة أي شخص منها، لذا يجب تقبلها والتمييز بين الطارئ والمهم الواجب التعامل معه مباشرة، والثانوي غير المهم الممكن الاستغناء عنه وعدم الاستجابة لمقاطعته.

الاستيقاظ المبكر

يتيح لك الاستيقاظ المبكر الحصول على مزيد من الوقت للانتهاء من بعض الأعمال المهمة قبل الذهاب إلى العمل أو ممارسة الرياضة واليوغا والتأمل في الصباح أو حتى الكتابة والاهتمام بالحديقة، ما يساعد أيضًا في الحفاظ على مستوى عالٍ من النشاط خلال النهار، ويزيد مستوى الإنتاجية.

العزل المكاني 

ويقصد به فصل الغرف المخصصة للعمل عن غرف الراحة والاستمتاع، فمن غير المناسب نقل أدوات العمل إلى غرف النوم والجلوس، إذ يسهم هذا الأمر في زيادة تنبيه دماغك ويمنعك من الحصول على النوم العميق، وهذه النصيحة مهمة جدًّا خصوصًا لمن يعمل عن بعد من المنزل.

التهيئة المسبقة وضبط الانتقالات 

عندما تريد الانتقال من مكان لآخر كزيارة صديق أو الذهاب في رحلة، عادة ما تجهز نفسك بالملابس والأشياء الضرورية كلوازم الرحلة من طعام وألعاب وأدوات الإسعاف الأولية.

إذن الاستعداد هو مرحلة لا تتجزأ من التنفيذ، والأمر ينطبق على آلية عمل دماغك، وما يفضله ويساعده في تحقيق أهدافك والانتقال بك من حالة إلى أخرى، وذلك بالاستفادة من الحوار الداخلي والأفكار التي نكررها ونستخدمها بطريقة دائمة.

لذا عند شروعك في نشاط معين بهدف الاستمتاع والترويح عن النفس يمكنك تكرار العبارات التالية: سأمنح هذا الوقت كاملًا لنفسي دون الاستجابة لأي مقاطعات أو دواعٍ متعلقة بالعمل والعكس صحيح، تسهم التهيئة المسبقة وضبط الانتقالات في وضع دماغك في حالة ملائمة للاستجابة للموقف والوضع الحالي.

الالتزام بمبدأ الكايزن

التغييرات الصغيرة التدريجية تساعدك على المدى الطويل في تحقيق نتائج مذهلة، لذلك يمكنك البدء باعتماد واحدة من الخطوات الموجودة في القائمة والالتزام بتنفيذها حتى تتحول إلى عادة يومية لديك، قبل الانتقال إلى الخطوة التالية.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة