إتقان فن التجاهل ضمان لسلامتك العقلية والنفسية

إن العلاقات الإنسانية معقدة للغاية، فقد تختلف الشخصيات وطرق التواصل؛ ما يجعل من المستحيل على الجميع الانسجام مع بعضهم البعض. لكن هذه العلاقات قد تكون مصدر فرح ورضى، أو قد تكون مصدر إزعاج ومواجهات.

الحكمة من هذه العلاقات ليست أن نعرف أشياء كثيرة، وإنما الحكمة تتمثل في وجود العزم عند اتخاذ القرارات، وأهم القرارات التي يمكننا اتخاذها في حياتنا تأتي من القدرة على تحديد كل ما يجب علينا التمسك بهم في علاقتنا أو تجاهلهم. هل يمكن إنقاذ العلاقة دون التضحية بالسلامة العاطفية؟ وكيف تؤثر هاته الاختلافات على توازننا العقلي؟

اقرأ أيضًا: كيف تؤثر مهارات الذكاء العاطفي على زيادة نجاح العلاقة الزوجية

فن التجاهل في العلاقات

لحسن الحظ، كل الناس مختلفون. وطوال حياتنا ونحن نسعى لتوسيع دائرتنا، نبني صداقات مع البعض على الرغم من الاختلاف والتأكيد على القواسم المشتركة.

يوجد أشخاص في حياتنا من الممكن أن يخلوا بتوازننا؛ بسبب طريقة وجودهم أو مواقف معينة، ثم إن الحفاظ على علاقة وثيقة بهم لا يمكن إلا أن تؤذينا؛ لأن مواقفهم تؤدي إلى عدم توازننا أو تعيقنا أو تمنعنا من ذلك.

توجد أيضًا علاقات على الرغم من إيجابياتها؛ فإنها تسبب لنا أضرارًا نفسية. هذه العلاقات سامة تلوث حياتنا وتنتهي في النهاية بمنحنا مشاعر سلبية لا نحتاج إليها. لسوء الحظ، في معظم الحالات، هؤلاء الأشخاص ليسوا على استعداد للتغيير؛ لذلك ليس لدينا سوى مخرج واحد: تجاهلهم، أو بالأحرى، تعلم تجاهل بعض مواقفهم؛ لأنه ليس من المنطقي التضحية بسلامتنا العاطفية فقط من أجل الحفاظ على العلاقة التي تسبب لنا الضرر.

فالتجاهل بذكاء يسمح لنا باكتساب الصحة العقلية والتوازن. ولتحقيق ذلك، يجب علينا أن نتعلم كيفية تحديد الأولويات والنسبية والتجاهل يوميًّا.

إن فن معرفة كيفية التجاهل بذكاء ليس من السهل تطبيقه في حياتنا اليومية. ويرجع ذلك، قبل كل شيء، إلى أن التجاهل في كثير من الأحيان يعني الابتعاد عن مواقف معينة حتى عن أشخاص.

التجاهل ببساطة يعني عدم السماح للكلمات والمواقف والسلوكيات الضارة للآخرين بالتأثير على توازننا الداخلي. ليس من الضروري اللجوء إلى العنف المحجب أو الأفعال السيئة؛ إذ يتعلق الأمر ببساطة بإنشاء طبقة واقية حول نفسك، بتعلم كيف تتجاهل بعض الأشخاص في أوقات معينة؛ وليس من الضروري أن تبتعد عنها.

التجاهل لا يعني الانتقام أو وسيلة لجعل الآخرين يشعرون بالنقص، بل هو مجرد وسيلة لحماية نفسك، ولتتقن فن التجاهل يجب أن تكون حكيمًا، فالحكيم ليس هو ذلك الشخص الذي يراكم كثيرًا من المعرفة والخبرات، بل هو ذلك الشخص الذي يمتلك القدرة على رؤية الأمور بوضوح، واتخاذ القرارات الصحيحة، والتعامل مع المواقف الصعبة بحكمة.

فالحكيم يعرف كيفية استخدام كل ما تعلمه على نحو فعال، وبالإضافة إلى ذلك، يعرف كيف يتجاهل بذكاء كل ما هو غير مفيد والذي لا يسمح له بالنمو والتقدم كشخص. من بين المواقف التي يجب أن تتعلم تجاهلها: هي:

1. عندما ينتقدونك

النقد الإيجابي محبوب، ما دام أن له هدف بنَّاء، ويساعدنا على إصلاح الخطأ أو النمو. أما النقد الذي نقصده، ذلك النقد الهدَّام الذي لا يساعدنا على التحسن، النقد الذي يثبط عزيمتنا أو يجعلنا نشعر بالنقص، فيجب علينا أن نتجاهله.

لا تدع الآخرين يحكمون عليك دون أن يسيروا بحذائك. يوجد أشخاص لا ينتقدون إلا من أجل متعة الانتقاد وإلحاق الأذى بالآخرين. إذا أردنا حماية احترامنا لذاتنا، فيجب أن نتعلم تجاهل هذه الانتقادات، وبمجرد اكتشافك لشخص مثل هذا، الذي لا يصدر سوى انتقادات هدَّامة، توقف عن القلق بشأن ما يعتقده عنك؛ لأن آراءه لن تسمح لك بالنمو، ولكنها لن تؤدي إلا إلى زعزعة استقرارك.

2. التلاعبات

سيحاول بعض الأشخاص التحكم بك عن طريق التلاعب العاطفي. من المهم أن تكون على دراية بهذا، وأن تتعلم تجاهل التعليقات التي تؤثر على إحساسك بالمسؤولية أو شعورك بالذنب أو حتى عاطفتك، لتجعلك تتخذ قرارات لم تكن لتتخذها بطريقة أخرى. عندما تتعلم تجاهل هذه الأنواع من التعليقات، يمكنك أن تكون حرًّا حقًّا في اتخاذ القرار في كل خطوة في حياتك.

فطريًّا لدينا جميعًا ميلًا للمقارنة، إنها إحدى عمليات الفكر الأساسية، التي بفضلها يمكننا استخلاص النتائج. ومع ذلك، يوجد بعض الأشخاص يستخدمون المقارنات للتلاعب بنا عاطفيًا.

هؤلاء هم الأشخاص الذين لا يشعرون بالرضا أبدًا، ويقارنون دائمًا قراراتنا أو سلوكياتنا أو مواقفنا مع الآخرين؛ لجعلنا نبدو سيئين. من الواضح، إذا كنت تعرف شخصًا يقلل دائمًا من إنجازاتك، فيجب أن تتعلم أن تتجاهل آراءه.

3. القلق بشأن شيء لا يمكن حدوثه

يوجد أشخاص عملهم هو البحث عن أسباب للقلق، فدائمًا لديهم مشكلة لكل حل، يركزون فقط على الجانب المظلم ويتوقعون دائمًا الكوارث أو المصائب. إن إحاطة أنفسنا بأشخاص لا يرون إلا السلبيات سيؤدي في نهاية المطاف إلى إحباطنا وتثبيط عزيمتنا؛ ما يغرقنا في حالة لا نتوقع فيها سوى الأسوأ. لذلك، من الأفضل أن تتعلم تجاهل هذه الأنواع من التوقعات.

4. الإساءة إلينا

من الممكن جدًّا أنه في اللحظة التي نقرر فيها الابتعاد عن أولئك الذين لديهم عادة التحدث بالسوء. الصديق الحقيقي أو الزميل الموثوق به لن يتحدث عنك أبدًا بالسوء. إذا فعلوا ذلك، فيجب أن تعرف متى تتجاهل ذلك.

وإذا فعل شخص ما شيئًا سيئًا معك، فلا تسمح له بتغيير توازنك النفسي؛ لأنه عندها يكون قد حقق هدفه. تذكر أن ما تمنحه القوة فقط هو الذي يمكن أن يؤذيك. اكتب الفعل السيئ، وأعد هيكلة توقعاتك من هذا الشخص، ثم امضِ قدمًا.

5. اللوم الخاطئ

يوجد من يرى القذى في عين غيره ولا يستطيع أن يرى القشة في عينه، غالبًا ما يستخدم هؤلاء الأشخاص الشعور بالذنب للتلاعب بنا؛ ما يجعلنا نشعر بالسوء تجاه أنفسنا، إلى درجة أنهم يستطيعون تحويلنا إلى عبيد لهم وتشكيلنا بطريقتهم؛ لأن مزاجنا وقراراتنا تخضع لرغباتهم.

هؤلاء هم الأشخاص الذين يشكون باستمرار ولا يشعرون بالرضا أبدًا. ومن الواضح أنه من الضروري أن نتعلم تجاهل هذه المحاولات لإلقاء اللوم علينا، حتى لا نقع في شباكهم.

6. التدخل في حياتك

إذا كان وجودهم النشيط في حياتك يتعارض مع عملك أو حياتك الاجتماعية ويجعل من الصعب عليك التعامل مع ظروف معينة، فيجب أن تعرف كيفية تجاهل هؤلاء الأشخاص.

7. صراع وجهات النظر

يمكن أن تؤدي الخلافات إلى الغضب والاكتئاب والشجار والصدمات النفسية؛ لذلك من الأفضل تجنب مثل هذه المواقف للحفاظ على راحة البال.

عندما تعلم أن عقلية هذا الشخص مختلفة تمامًا عن عقليتك، فلن ترغب في إضاعة وقتك الثمين في جعل هذا الشخص يفهم وجهة نظرك. لذلك من الضروري أن تسأل نفسك ماذا سنستفيد من جدال عقيم؟

إن تعلم التجاهل هو عملية تتطلب كثيرًا من التدريب، إضافة إلى تغيير عميق في المواقف. على الرغم من أن هذا الأمر قد يبدو متناقضًا، لكن التجاهل الفعال ليس من الضروري أن تنغلق على نفسك، بل على العكس: تفتح نفسك تمامًا على العالم.

في الواقع، يوجد مواقف يمكن أن تزعزع استقرارنا أو تعيقنا كثيرًا لدرجة أنها تمنعنا من المضي قدمًا وتحقيق إمكاناتنا. إن إدراك أننا نغذي علاقات سامة، وأننا الضحايا الرئيسيين، هو الخطوة الأولى للخروج من شبكة العنكبوت التي أوقعنا أنفسنا فيها

فالتجاهل في مثل هذه المواقف يعلمك الاستماع إلى حوارك الداخلي بقوة أكبر. يمكنك التواصل مع الأنا الأعمق لديك؛ لاكتشاف ما تريده حقًا.

عندما تتوقف عن القلق كثيرًا بشأن ما يعتقده الآخرون عنك، فإنك تبدأ في اكتشاف ما أنت شغوف به حقًا. وفي الوقت نفسه، أنت مملوء بطاقة لم تكن تعرفها؛ لأن مواقف هؤلاء الأشخاص استولت على جزء كبير من مواردك النفسية، موارد محدودة يمكنك الآن تكريسها لنفسك، لتنمو وتتبع ذوقك.

لذا، ابنِ درعك الواقي عن طريق "القبول الجذري"؛ يعني قبول شيء ما على كامل دون الحكم عليه.

من الناحية العملية، فإن كثير من الأشياء التي يقولها أو يفعلها الآخرون تزعجنا وتؤدي إلى عدم توازننا؛ لأنها لا تتوافق مع توقعاتنا، لأننا بطريقة معينة نرفض قبول تلك الكلمات أو المواقف أو السلوكيات. وهذا الإنكار هو الشعلة التي تغذي الإحباط أو الاستياء أو الكراهية أو الحزن.

عندما تمارس القبول الجذري؛ فإنك ببساطة تفترض ما حدث، دون الدخول في أحكام قيمية، وعن طريق افتراض المسافة النفسية، فإنك تخلق درعًا حول نفسك يمنحك الفرصة للرد على هذا الموقف بطريقة لا تؤثر فيك عاطفيًّا.

إن المشكلات لا تُحَل بين عشية وضحاها ودون فعل أي شيء، أو الاعتقاد بأنه يمكن حلها بطريقة سحرية دون أي إجراء، ولا يوجد طريق آخر سوى مواجهة المشكلات واستيعابها وفهم التغييرات؛ من أجل التغلب على الصعوبات ومن ثم القدرة على العيش في وئام.

لا تمنح الآخرين القدرة على جعلك تشعر بالسوء، أو أن يقرروا نيابة عنك، فيما تعتقد أنك لا تستطيع فعله بنفسك. واجه الأمر حتى تتمكن من تحرير نفسك وتحقيق ما تريده بشدة! أو اطلب المساعدة، لكن لا تحبس نفسك أبدًا

لكي تعيش عليك أن تتقن فن التجاهل، قال حكيم: امضِ كأنك لم تسمَع، اصمُت كأنك لم تفھم، تجاهل كأنك لم ترَ، وانسَ كأنك لم تذكر، فبذلك ستنال حياة هادئة جميلة وتعيش مرتاحًا.

اقرأ أيضًا: كيف تتعامل مع شخص يتجاهلك؟

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

مقال رائع يوجد في حياتنا أشخاص مثل الأخطبوط لا يمكن التخلص منهم
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

شكرا لك اختي وصال على قرائتك المقال والتعليق عليه.
المشكلة الأساسية الموجودة في العلاقات السامة وسبب صعوبة تركها تتعلق بالارتباك الذي يعاني منه الطرفان في العلاقة. أي أن هذه الخسارة تعتبر خسارة للجانبين. جزء مهم من المشكلة هو أنه لا يمكن لأحد أن يرى أو يختبر أنه لا أحد يحقق ربحًا. إنهم لا يستطيعون أن يروا أن كلاهما يخسر بالتلاعب والإقصاء والتعليقات الجارحة وحرمان الآخر من الحرية، ويعيشون وكأن أحدهما فقط هو الذي يخسر، الطرف الضعيف (الضحية) والآخر هو الذي ينتصر (القوي). .
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة