كان عمّ حامد رجلًا بسيطًا وحنونًا، وطيبته يحكي بها كلّ من يقابله وكلّ من يعرفه من جيرانه وزملائه ورؤسائه في العمل الّذي يعمل به حيث إنّه كان مجرّد عامل بسيط في هيئة النّظافة، وكانت زوجته الحاجّة لطيفة لا تختلف عنه في الطّيبة والحنيّة، وكانت قد اشترت ماكينة حياكة مستعملة وتعلّمت عليها حتّى تحيك ملابس جيرانهم وتساعد زوجها في الإنفاق على المنزل، وقاموا بتربية أبنائهم الأربعة؛ ثلاثة أولاد وبنت واحدة. ولم يبخلوا عليهم بجهد ولا مال حسب مقدرتهم وطاقتهم وحاولوا بقدر الإمكان ألّا يشعروهم بفقرهم، وأن يلبوا لهم طلباتهم المعقولة.
وكثيرا ما تحملوا فوق طاقتهم وضغطوا مصروفاتهم الشّخصيّة والضّروريّة أيضًا؛ لكي يوفروا احتياجات وطلبات أبنائهم ومنها المهم ومنها غير المهم وحتّى لا يغضبوهم، وقد كان غرضهم وسعيهم دومًا لإسعاد أبنائهم، وكانوا يفرحون كثيرًا ويحتفلون بنجاح كل ابن وابنة من أبنائهم، وكانت الدّنيا لا تسعهم من الفرحة، وكانت أحلامهم تزيد وتنمو مع كل شهادة أو تفوّق لأبنائهم، ولم يتخيلوا للحظة واحدة أو يخطر في بالهم أيّ شيء يغيّر أبناءهم أو يعكّر صفو سعادتهم.
وقد بدأ الأبناء بالتّخرج بنجاح وتفوّق وأثناء هذا توفّت الحاجّة لطيفة وحزن الوالد كثيرًا على فقدانه زوجته الحبيبة وشريكة كفاحه، ونصحه بعض الأقارب والجيران بأن يتزوّج امرأة أخرى حتّى تلبي طلباته وتساعده في تربية أبنائه، ولكنه كان دومًا يرفض خشية غضبهم أو خوفًا من أن تسيء معاملتهم، ولذلك فضّل أن يكمل حياته معهم وكأنّه الأب والأم في نفس الوقت، ووهب حياته لهم وبذل كل ما يستطيع من جهد حتّى يرضيهم، وتخرّجت ابنته وتقدّم لها شخص جار لهم ووافقوا عليه، وتمّ الزّواج بسرعة جدًا لكي تسافر معه إلى الخليج لعمله هناك، وتبقّى الشّباب الثّلاثة حتّى تخرّجوا، وخلال قضائهم للخدمة العسكرية كان العمّ حامد قد (وصل) إلى المعاش وكان ينتظر عودتهم على أحرّ من الجمر حتى يأنس ويسعد بهم ويطمئن عليهم، ثمّ بعد تأدية الخدمة العسكريّة توظّف كل ابن في وظيفة كبيرة ومحترمة، وتزوج ممّن يريد، وعاشوا حياتهم سعداء وسعد بهم العم حامد، ولكن للأسف لا تسير الحياة دومًا بوتيرة واحدة ولا حسب ما يريد الإنسان .
فقد اجتمع الشّبان الثّلاثة وبكل قسوة قلب اتفقوا على خديعة الأب وأخذه دون إخباره إلى دار للمسنين لكي يتخلصوا من إلحاحه وطلباته، ولعدم تفرغهم وعجزهم عن أخذه عندهم؛ لأنّهم يستعرون منه وزوجاتهم يتأففن منه ولا يطيقونه.
وجاؤوا إليه وفرح كثيرًا بحضورهم وهو لا يدري بمخططهم الخبيث، وتآمروا لإخراجه معهم وتنفيذ ما ينوونه، وخرج معهم وهو سعيد جدًّا ومتفاخر بهم، وذهبوا به إلى دار المسنين على أنّهم ذاهبون لزيارة شخص عزيز عليهم، وهناك تحايلوا عليه وسلّموه لإدارة الدّار وانصرفوا بدون أن يعلم بالأمر حتّى صارحه المسؤولون عندما ظلّ يسأل عن أبنائه، وعندما علم بالأمر دارت الدّنيا به وجلس على الأرض واضعًا وجهه بين كفّيه وبكى بكاءً حارًا، وتذكّر حياته الّتي قضاها في خدمة أبنائه وكيف تحمل هو وزوجته كثيرًا في سبيل سعادة أبنائهم، وماذا كان رد الفعل مؤخرًا، ثمّ سكت صوته ووقف نبضه وفاضت روحه الطّاهرة إلى بارئها.. وسط دهشة وحزن العاملين بالدّار.
انتظروا حسابكم أيّها الأبناء...
Aug 7, 2021
مع الأسف كثيراً ما يحدث في مجتمعاتنا هو عقوق الوالدين.
Aug 7, 2021
معك حق فعلا الموضوع أصبح سمة عصر و منتشر جدا فى مجتمعنا العربي
Aug 7, 2021
للأسف أحيانا يفهم الأبناء اهتمام ابائهم بصورة خاطئة و انهم هم الأولوية و يتعلم كلا منهم الانانية و يتعامل بها مع والديه و حتى مع المجتمع
Aug 9, 2021
معاك حق يا خالد
فعلا هذه صفه منتشرة جدا هذه الأيام
بجانب اللامبالاة و اللامسئولية
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.