يبدو أن معركة (كورونا) لم تنته ولن تنتهي بسهولة، فها نحن قاربنا على عامين ولا نزال نواجه خطر هذا العدو الغادر، لم ننتصر عليه بعد، بل إنّه يتقدّم كل يوم ويكبدنا خسائر جمة في الأموال والأنفس.
مع ظهور اللّقاحات وانحسار الإصابات بداية العام ظننّا أنّنا حققنا خطوات في طريق القضاء عليه؛ فتخلينا عن الحذر ووضعنا سلاحنا وتركنا الحدود فإذا به يعاود الهجوم علينا مرّة أخرى بشكل أشرس وأعنف قد يُفقد العالم توازنه وترتيباته.
لا بدّ من إعادة ترتيب أوراقنا، ولا بد أن نعرف أنّنا في حرب ضروس لا ترحم، لا بد أن ندرس ونتعلم ونجمع الخبراء في كلّ مجال وفي كل مكان لمواجهة هذا العدوّ القاتل؛ فهي معركة بقاء، إمّا أن نكون وننتصر، وإمّا أن نخسر ونندثر.
فيروس (كورونا) في جميع الأحوال من صنع البشر ولا أقصد هنا صناعته في المختبرات، تلك النظرية التي يتحدّث عنها البعض من غير المؤكد صحتها؛ لأنّه حتى لو كان هذا الفيروس تم تخليقه في المختبرات فنحن الّذين نستخدمه ونساعده وندعمه؛ أقصد بالطبع هنا سلوكنا ونمط حياتنا في العصر الحديث الذي يتسم بكثير من الإهمال والاستهتار بكثير من الصّخب والتّلوث بالكثافات السكانيّة الرّهيبة في المدن والقرى وبالذبذبات والإشعاعات والعوادم والمخلفات التي ننتجها كلّ يوم، ولا نهتم بالتخلص منها بالطّريقة الصّحيحة.
قبل ظهور (كورونا) بفترة غير قليلة نادى البعض في جميع دول العالم بالاهتمام بالمناخ وما أصابه من خلل بسبب انتشار الصناعات الملوثة للبيئة، وقامت الأمم المتحدة بتبني اتفاقية "المناخ في باريس" عام 2015م في العاصمة الفرنسية، والّتي وقّع عليها أكثر الدّول الأعضاء للحدّ من آثار الانبعاث الحراريّ، ثم تمّ عمل يوم الأرض العالمي لنفس الهدف عام 2016م، وقد رأينا انسحاب أمريكا في حكم الرئيس السّابق (دونالد ترامب) من هذه الاتفاقية، فصوت التّجارة والاقتصاد كان أعلى من صوت المناخ والبيئة السليمة، وظهرت أيضًا حملات منع استخدام البلاستيك وأكياس الشيبس وزجاجات المياه والبيبسي والمخلفات التي تلقى في الأنهار والبحار، والذي أدّى إلى نفوق الأسماك، والإضرار بالثروة البحرية والبيئة بصفة عامّة، ولكننا لم نتعلم من الدّرس، وما زلنا مستمرين بنفس الطريقة ونفس النمط ونفس المهرجانات والاحتفالات.
لقد أصبحنا ننفث السمّ والتلوث بسبب الأكل والمصانع واستخدام الكيماويات والمبيدات الزراعية في الماضي القريب، كنا نشاهد الطيور المختلفة حولنا في الأراضي الزراعية وفوق الأشجار، أين ذهب أبو قردان صديق الفلاح؟ أين طائر النّورس والعصافير والطيور والحيوانات المختلفة لم نعد نراها؟ لقد انقرضت خاصة في المدن الأسمنتية، أصبحنا نرى أبراجًا شاهقة ومنتجعات فيها بحيرات صناعية، لكنها للأسف كلها تعمل ضد الطبيعة، وتنتج أطنانًا من المخلّفات العضوية والملوّثات والضوضاء التي أجبرت الطيور والحيوانات على مغادرة المكان، لم يبق معنا إلا الحشرات.
البعض يعتقد أننا سننتج لقاحًا سحريًّا يخلصنا من كورونا وتنتهي المشكلة، في عالم الطب والأمراض والأوبئة من المعروف أن هناك أمراضًا تحتاج إلى علاج طويل مستمر، تحتاج إلى الإقلاع تمامًا عن مسببات المرض، وعدم تعاطيها مدى الحياة حتى تشفى هذه الأمراض ولا تعاود الظهور، وأعتقد أن كورونا واحدٌ منهم.
الحقيقة أنّنا يجب أن نلتزم بالتّباعد والاحتياطات والنّظافة، وعدم التّجمعات بكثافة في الأماكن العامة مدى الحياة، يجب أن نغير نمط حياتنا، ويجب أن تنظر الحكومات في المدى القريب والبعيد إلى قضية توزيع السّكان؛ فلا يكون ملايين السّكان يعيشون في رقعة ضيّقة بحيث يتنفسون في وجوه بعضهم البعض، ويجب أن ننقي الهواء والماء، ويجب أن نحافظ على توازن البيئة وحياة الحيوانات والمخلوقات.
فالحرب مستمرة، وإذا لم نواجهها بتغيير نمط حياتنا والمحافظة على البيئة والطبيعة بجدية وحزم يؤسفني أن أقول إنّنا لن نكسبها.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.