يُعد سقراط أحد مؤسسي الفكر الغربي، وكان من الطبقة الأرستقراطية، ولم يكتب أفكاره، وإن معظم ما عرف عنه جاء عن طريق طلابه، مثل محاوره أفلاطون الذي كان أشمل في شرح شخصية سقراط.
اقرأ أيضًا ايقونة الفلسفة من الفيلسوف سقراط وحتى فلاسفة القرن التاسع عشر الجزء الاول
منهج سقراط
أنشأ سقراط طريقة جديدة للبحث والعلم، وهي طريقة التهكم والتوليد، وهو أسلوب يعتمد على طرح الأفكار بالحوار، إذ تُولد هذه الأفكار عددًا من الأسئلة التي تدعو إلى التفكير حتى تتشكل المعرفة. وقد استخدم سقراط هذا المنهج بسبب المجتمع اليوناني في عصره، إذ كان الجميع يؤمنون بالفرضيات ويعتقدون أنه من الحكماء. وكان سقراط يجادل الناس ويطرح الأسئلة ويستبعد كل التناقضات، في محاولة لتكوين المعرفة العقلية المنطقية.
وفي مقالي، سأتناول كيف ضحى سقراط بحياته من أجل دعم معتقداته وأفكاره، فأصبح شهيدًا لأفكاره.
مجلس الشيوخ اليوناني
منذ بداية استخدام سقراط مبدأ التهكم والتوليد وأسلوب الجدال والحوار، أدرك أنه سيواجه مشكلات كثيرة، وكانت المشكلة الأكبر في مجلس الشيوخ اليوناني عام 406 ق.م، عندما قررت الطبقة الأرستقراطية الحاكمة في ذلك الوقت محاكمة ثمانية جنرالات من أجل امتصاص غضب الشعب على ضحايا معركة أرجوسي، واتُّهم الجنرالات الثمانية بالتخلي عن الموتى والناجين من السفن الغارقة من أجل مطاردة الأسطول الإسبرطي المهزوم. وعلى الرغم من مكانة سقراط العظيمة في هذا المجلس؛ فإنه عارض بشدة قرار المحاكمة واعترف بعدم دستوريته.
ورغم التهديدات بالقتل والاتهامات التي وجِّهت لسقراط بتعطيل التصويت ومنع المحاكمة؛ فإن سقراط لم يُغيِّر رأيه، وجرت المحاكمة في يوم آخر وقضت بإعدام الجنرالات الثمانية.
اقرأ أيضًا تعرف على نشأة الفيلسوف اليوناني سقراط وأهم أقواله
محاكمة سقراط في لوحة الفنان الفرنسي جاك لوي ديفيد
كان سقراط يُمثل عددًا من المشكلات في ذلك الوقت للطبقة الحاكمة، وقد وصفه أفلاطون بأنه ذبابة الخيل التي تلدغ الخيول، وتحثها على القيام بفعل معين، وكذلك سقراط يلدغ أثينا ليحثها على تحقيق العدل والخير. وعلى الرغم من حب سقراط أثينا، فإنه كان معارضًا لكل الأفعال غير الأخلاقية في ذلك الوقت، وعارض السفسطائيين ومبدأ المنفعة وديمقراطية الظلم. وفي ظل تلك الأزمات التي خلقها سقراط للطبقة الحاكمة وحكماء أثينا في ذلك الوقت، وبسبب انتقاداته الاجتماعية وجدله وحواره الفكري، استقرَّت الطبقة الحاكمة على محاكمة سقراط.
ودافع سقراط عن نفسه في المحاكمة بطريقة ساخرة، عندما طلب منه أعضاء المحكمة أن يقترح حكمًا يُناسبه، فأجاب ساخرًا أنه يستحق المكافأة وأن يعيش على حساب الدولة.
فصوتوا على قتله بالسم وخيروه بين القتل أو الهروب إلى المنفى، فاختار سقراط القتل، ورغم محاولات أصدقاء سقراط وتلاميذه إقناعه بالفرار من الموت، فإنه رفض بشدة وقال: كيف أحارب وأطالب بتطبيق القانون ثم أهرب من تطبيقه؟ وقرر سقراط أن يضع الطبقة الحاكمة في معضلة تاريخية، فهي الطبقة الحاكمة الأولى التي تحكم بالديمقراطية، وتبدأ تنفيذ عقوبة الإعدام بسبب الخلاف الفكري والاختلاف في الرأي!
لقد ضحى سقراط بحياته من أجل آرائه وأفكاره ومعتقداته، وهذا واضح في لوحة الفنان الفرنسي (جاك لوي ديفيد)، التي تُظهِر أن سقراط يتقبل فكرة الموت بشجاعة من خلال مد يده ليلتقط الكأس المجهزة من نبات الشوكران السام، وهو يشرح لتلاميذه علمه وطريقته في آخر لحظة في حياته.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.