"لست ابني"، رسالة مُعلقة على حائط غرفة نوم أوزيل جعلته يدفع الملايين للفقراء، فما قصة تلك الرسالة؟! وما سر تعلق أوزيل بالإسلام؟!
جرت العادة حينما يُهاجر زوجان فقيران لبلد أجنبي بحثًا عن حياة كريمة، أن يُربيا أبناءهما على الحرص وجمع المال، إلا عائلة أوزيل التركية فعلت العكس، هي عائلة تركية مكونة من زوج وزوجة، هاجرت من مدينة ديفارك التركية للاستقرار والعمل في ألمانيا، وفي منتصف العام 1988م، رُزق الزوجان بطفل أسمياه مسعود، مما أجبرهما على العمل أكثر ليؤمنا حياة كريمة لابنهما، وهذا ما زاد تعلق مسعود بعائلته، حيث شاهد تضحيتهما لأجله.
طفولة سعيدة
طفولة مسعود كانت سعيدة نوعا ما، وذلك بفضل عناية أهله، فبدأ مُبكرا باكتشاف مواهبه والبحث عن شغفه، والتحق بفريق "جليسين كيرشن"، وهو فريق مدينته للناشئين، على أمل أن يكبر ويصبح لاعبا مُحترفا، وفي البداية طمح أوزيل أن يُصبح لاعبا مشهورا لتعويض أسرته عن سنوات الفقر التي عاشوها، وفعلا بعد سنوات من لعبه بنادي "ورد وايس إيسين" بضواحي مدينة جليسن كيرشن.
جاء العام 2005م، حاملا نبأ سارًا لأوزيل بانتقاله لنادي شالكة، الذي يلعب في الدرجة الأولى في الدوري الألماني، لكن ستبدأ المشاكل بحياة أوزيل، مما سيدفعه للانتقال لنادي فيردر بريمن عام 2008م، لتكون انطلاقته الكبرى في عالم المستديرة، وفي تلك الفترة انضم لمنتخب ألمانيا للشباب، وسرعان ما التحق بالفريق الأولمبي الألماني، وأحرز أهدافا حاسمة ساهمت بانتقاله سريعا للفريق الأول الألماني.
بطولات وانتقادات
كانت أولى مشاركاته الدولية بكأس العالم 2010م، ويُرشح لجائزة أفضل لاعب بالمونديال، ولتتسابق عليه الأندية الكُبرى في أوروبا، ليوافق أوزيل على الانضمام لريال مدريد، ويُحرز لقبه الأول مع النادي الملكي بعد الفوز على برشلونة بنهائي كأس الملك، وفي العام 2013م، انتقل أوزيل لنادي أرسنال الإنجليزي، وبعدها بعام انطلقت فعاليات كأس العالم بالبرازيل، وهناك توِّج أوزيل مع المنتخب الألماني باللقب.
واستمر أوزيل باللعب لفريقه أرسنال حتى جاء مونديال 2018م، والذي شهد خروجا مُبكرا للمنتخب الألماني، ولتبدأ الانتقادات لأوزيل، التي تضمنت عنصرية من بعض المُشجعين الألمان، كما زادت الانتقادات له بعد لقائه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فما كان من أوزيل إلا اعتزال اللعب الدولي مع منتخب ألمانيا، كما عاد لجذوره التركية بعدما أعلن زواجه من ملكة جمال تُركيا، وبحضور الرئيس التركي الذي كان أحد الشهود على عقد الزواج.
وكان حفل زواج أوزيل لافتا، ليس بسبب البذخ والإنفاق على ترتيباته، وإنما على العكس، حيث قرر أوزيل التبرع بأموال الزفاف للتكفل بإجراء عمليات جراحية لألف طفل فقير حول العالم، كما أطعم آلاف اللاجئين السوريين احتفالا بزواجه، ومن المعروف عن أوزيل أنه أكثر نجوم العالم اهتماما بقضية اللاجئين، وتحديدا السوريين منهم، حيث سبق وأن زار مُخيماتهم في الأردن، وشارك الأطفال لعب كرة القدم.
مواقف لا تُنسى
حياة النجم الألماني ذو الأصول التركية جعلته هدفا للصحافة وقنوات الأخبار، حتى أن أقل تصريحاته التي يُطلقها عبر حسابه على موقع تويتر باتت تتصدر عناوين الأخبار والصُحف، وهذا ما سيجر لأوزيل شهرة واسعة ومصاعب كبيرة، حيث عام 2019م، ومع تصاعد أزمة مسلمي الإيغور في الصين، أطلق أوزيل عدة تصريحات تدعم حق الإيغور وتنتقد الصين.
كتب أوزيل يقول "يا تركستان الشرقية، أنتِ جرح ينزف في جسد الأمة، إنه مجتمع المجاهدين والمجاهدات المقاومين للظلم، إنهم مؤمنون شرفاء يُكافحون وحدهم في وجه من يحاولون إبعادهم عن الإسلام غصبا"، وأضاف: "القرآن يتم إحراقه، المساجد يتم إغلاقها، المدارس الإسلامية يتم منعها، علماء الدين يُقتلون واحدا تلو الآخر، يُرسلون الرجال إلى المعسكرات، ويضعون بدلا منهم ذكورا صينيون في عائلاتهم".
واختتم حديثه قائلاً: "ما أجمل ما قاله سيدنا علي: إن لم تستطع وقف الظلم فاعلنه للجميع، الإعلام الغربي يتحدث عن هذه الوقائع منذ أشهر، ولكن أين إعلام المسلمين؟! ألا يعلمون أن الحيادية في الظلم انعدام للشرف؟! ألا يعلمون أن إخواننا الموجودين هناك سيأتون بعد سنوات ويتذكرون صمتهم وليس ما تعرضوا له من ظلم وتعذيب؟! يا الله كن عونا لإخواننا في تركستان الشرقية، يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".
اضطهاد وتنكيل
ولم تكن كلمات أوزيل لتمر بسلام، حيث خرجت القناة الصينية الأولى للرد على نجم فريق أرسنال، كما طلبت الخارجية الصينية من أوزيل زيارة الصين والإطلاع على الأوضاع بنفسه، ومن ناحية أخرى ردت الصين بمنع بث مباريات الأرسنال في الصين، وحذف النادي من الألعاب الإلكترونية الصينية، الأمر الذي تسبب بخسائر لنادي أرسنال، الذي خرج ليرد زاعما أن تصريحات اللاعبين لا تُعبر عن النادي.
جرى بعد ذلك معاقبة أوزيل وإجلاسه على مقاعد الاحتياط، وبدا أن حربا تُخاض ضده، فالصحافة الألمانية انتقدته بسبب ما أسمته "حنينه لجذوره التركية والإسلامية"، أما الصين وحلفاؤها فقد رأوا فيه أحد الذين يفضحون إجرامها وإجراءاتها، لكن كل ذلك لم يُقلق أوزيل، الذي ظلَّ متمسكا بمواقفه، حتى أنه بات أكثر اندفاعا بالدفاع عن الإسلام.
وبعد هجمات فرنسا الأخيرة على ذات النبي محمد، صلى الله عليه وسلم والإساءة إليه، نشر أوزيل عبر صفحته الشخصية صورة له بجوار الكعبة مكتوب عليها آيات من سورة المائدة، وعلَّق عليها بالقول "الإرهاب ليس له علاقة بالإسلام"، كما أعاد نشر خطاب للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، يتحدث فيه الملك عن سماحة الإسلام ونبذه للإرهاب، وعلَّق أوزيل على الفيديو قائلاً "معنى الإسلام الحقيقي".
وراء كل رجل عظيم امرأة
كل هذه الأمور تؤشر إلى تعلق النجم العالمي وحبه لدينه وأمته ودفاعه عن المسلمين، كما تؤشر أيضا إلى حبه لعمل الخير، ومساعدة الفقراء أيا كانت انتماءاتهم أو دياناتهم، وكل ذلك كما تقول بعض التقارير سببه وصايا أمه له، فمسعود يُعلق على حائط غرفته رسالة لأمه كتبتها له وتقول فيها "مسعود لا تنسَ أبداً أنك مجرد ضيف عابر على هذه الأرض مثلنا جميعا، منحك الله موهبة ممارسة كرة القدم، لكنه لم يمنحها لك كي تتمتع بها وحدك، إن لم تُشارك ثروتك مع الأشخاص الذين هم بحاجة لذلك فلست ابني".
وبالرغم أن أوزيل يواجه انتقادات غربية كثيرة وتضييق من ناديه السابق أرسنال، الذي استبعده من تشكيلته الأساسية، مما جعله يذهب للعب في صفوف نادي "فنربخشة" التركي، إلا أنه يحظى بدعم كبير من الشارع العربي والإسلامي، نتيجة ما يرونها مواقف مُشرفة لنجم كرة القدم العالمية.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.