إن أخطر المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان هي مرحلة الشباب، وتظهر خطورتها جليًا في التغيرات التي تطرأ عليه عمومًا في جوانب حياته المختلفة.
ومن هذه التغيرات الإحساس بتحمل المسؤولية، وبداية اعتماده الكلي على ذاته بعدما كان يعتمد على وليه، فيبدأ التخبط في دهاليز الحياة، فيصرف جُلّ تركيزه على اختيار المسار الصحيح لتحقيق أهدافه.
معاناة الشباب في المجتمع
وفئة الشباب تعد الركيزة الأساسية في بناء المجتمع، ومن يهتم بهذه الفئة فقد أفلح، أما من يهملها فقد خاب وخسر؛ لأنها اللبنة الأولى التي يعتمد عليها بناء دولة بِرُمَّتها، ونجاح هذه الدولة بنجاحهم وفشلها بفشلهم.
هم البذور التي إذا ما غرست في أرض خصبة ولاقت اهتمامًا ورعاية حصدنا من ورائهم حصادًا وافرًا، وثمارًا ناضجة، ينتفع منهم المجتمع أجمع.
ومن الحقائق المؤسفة أن الدول العربية لا تهتم بهذه الفئة غاية الاهتمام، فإنه لا يخلو مجال إلا وقد أصابه الشلل والجمود، فلا يتوافر لهؤلاء الشباب فرصةً لإظهار قدراتهم العملية في المجالات كافة إلا بنسبة قليلة.
وأصبح الطريق نحو تحقيق الأهداف والأحلام محفوف بالعقبات، وأصبحت الرؤية لمستقبل مشرق غير واضحة وضبابية، فصرفوا جل وقتهم واجتهادهم وجهدهم لمحاربة هذه الآفة التي تهدد حياتهم المستقبلية حتى أصابهم التعب، وتخللهم الكسل والخمول، فلجؤوا إلى سبل أقصر لتحقيق رغباتهم، وبأقل جهد حتى لا تنفد طاقتهم، فزاد ذلك من انتشار الآفة بدل طمسها، ما زاد الطين بلة.
مشكلات الشباب
الفراغ والبطالة
إن أبرز مشكلات الشباب في العصر الحديث الفراغ، والبطالة هي من أكبر العوامل المؤثرة سلبًا في مستقبلهم، وتؤدي بدورها إلى تفاقم عدد من المشكلات الأخرى، فهذه المرحلة العمرية هي مرحلة النمو والتطور والنجاح في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، لكن يلقى الشباب تحديات تقف حاجزًا أمام نموهم الجسدي والذهني.
ويرجع السبب في ذلك إلى أنهم يقضون أوقاتهم في ممارسة نشاطات تهدم هذا النمو الفكري والذهني مثل اللهو والموسيقى الهابطة التي تعمل على الهدم لا على البناء الفكري، وهدر الوقت في أشياء لا نفع منها، فأصبحت عقولهم خاوية، لا يعتمد عليهم في شيء إلا فئة قليلة منهم، فيُبنى جيل غير مدرك لأهمية إدارة الوقت، واستثماره فيما يفيد.
الخوف من المستقبل
أصبح الخوف من المستقبل أمرًا شائعًا لا سيما بين فئة الشباب نظرًا لما يدور حولهم من أحداث، وإن استمرارية الخوف وقتًا طويلًا قد يؤدي إلى فقدان قدرة الجسم على المقاومة، فتبدأ أعراض الاكتئاب الذي أصبح مرض العصر، وهذه المخاوف قد توصل الفرد المصاب بها إلى تعاطي الأدوية المهدئة والكحول والمخدرات.
التفكك الأسري
الزوج والزوجة قد تحدث بينهما خلافات، وقد تتفاقم هذه الخلافات وتكبر حتى يترتب على آثارها تفكك أسرتهما إن لم يستطيعا التعامل الرشيد معها، وأول المشكلات التي سوف تواجههم فقدان المأوى الذي يجمع شمل الأسرة.
فانفصال الزوجان يعني انفصال الأسرة عن بعضهم؛ لذا قد ينشأ الأولاد أو بعضهم مع أحد الوالدين في حين ينشأ بعض مع الوالد الآخر.
وقد تبدأ المعضلة الكبرى حينما يتزوج الأب بزوجة أخرى والأم بزوج آخر، والنتيجة مشكلات لا حد لها مع زوجة الأب، أو زوج الأم، وتبدأ التفرقة، ما يدفع أولاد الأسرة المفككة إلى هجر البيت لأمكنة أخرى قد لا تكون مناسبة للاستقرار، كما يحدث في مساكن العزاب من الشباب.
وإذا كانت فتاةً فإنها قد لا تستطيع هجران المنزل، لكن ما يقع عليها من حيف في المعاملة لا تستطيع رفعه فتصاب ببعض الأمراض النفسية، أو التربية غير السوية نتيجة سوء المعاملة التي تتعرض إليها في حياتها اليومية، ما يجعلها فريسة سهلة لفساد المجتمع.
الحروب والمشكلات السياسية
إن آثار الحرب في الشباب والأفراد تعد معضلة كبيرة أصابت كثيرًا من المجتمعات في هذا الزمان، لا أقصد التطرق في هذا المقال إلى عرض رأي الشخصي بالحرب والسياسة، بل ما يهمني هو توضيح الأثر السلبي الذي يترتب عن هذه الحروب في الأفراد.
ومن هذه الآثار:
التأثير في الحالة النفسية
قد تسبب الحروب اضطرابات نفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) الذي يسببه العنف والخسائر المادية والبشرية التي شهدوها.
التأثير في التعليم
تسبب الحرب انقطاع التعليم أو صعوبة تلقيه بسبب تدمير المدارس والجامعات، وهذا يؤثر سلبًا في مستقبل الشباب، فعدم التعلم يعني جمود الفكر والتطوير.
الإرهاب والتطرف
من أخطر نتائج الحرب الاستغلال الذي يتعرض إليه الشباب، لا سيما الذين تعرضوا إلى الخسائر المادية في المناطق المتضررة، فيُستغلون لارتكاب الجرائم، والإضرار بالآخرين، ويتحول الشباب إلى أداة فعَّالة لهدم المجتمع، وسرعة انتشار الفساد.
التأثير في الصحة الجسدية
تسبب الحروب إصابات جسدية وعاطفية، ما قد يؤدي إلى التدهور العام في الصحة.
الفقر
يقولون إن المعاناة تولد الإبداع.
وتقول دراسة أمريكية قديمة عام 2016 إن الصعاب الاقتصادية والفقر الذي يتعرض إليهما الشباب يؤديان إلى ضعف المعرفة، ما يؤثر سلبًا في قدرتهم المعرفية.
قد تجد تناقضًا بين الجملتين السابقتين، لكن دعني أوضح لك المقصد من هاتين الجملتين.
لا شك أن الإبداع والتطوير يولد من رحم المعاناة، لكن هؤلاء فئة قليلة هي من اتخذت هذه القاعدة منهاجًا لحياتها.
أما الفئة الغالبة فقد أثبتوا أن الفقر، وتدني المستوى المادي من أهم أسباب انتشار جرائم السرقة، والتعدي على ممتلكات الآخرين، فهم حين لجؤوا إلى هذا الطريق كانت قد ضاقت بهم الحال.
وظهرت أيضًا وسائل أخرى لاقت رواجًا وانتشارًا أسرع حينما استقل الشباب وسائل التواصل الاجتماعي (Social media) استقلالًا سيئًا لكسب أرباح، ولو كان المحتوى الذي يقدمونه غير ذي نفع، بل قد يسبب ضررًا فكريًا للأجيال القادمة.
فأصبحت وسيلة لنشر العري والخزي، ولجؤوا إلى الاحتيال والنصب، فظهرت شركات نصب كالشركات التي تعمل على نظام (التسويق الهرمي والتداول) غير المباح، فاعتمد الشباب على هذه الوسائل التي تنتج أجيالًا هادمة للمجتمع، وتنزل به إلى الدرك الأسفل بدل أن ترفعه.
مشكلات أخرى فرعية
كل هذه المفاسد قد تولد أيضًا مشكلات أخرى تكون عائقًا في طريق الصلاح منها:
· إحساس الشباب بعدم صلاحيتهم في المجتمع، ما يسبب عدم صلاحيتهم فعلًا.
· تأخر الزواج: بسبب غلاء المهور، ما يجعل الشباب يغرقون في العلاقات المحرمة، وانتشار الزنا والثمرات غير الشرعية الناتجة من هذه العلاقة.
· رفقاء السوء.
· الجهل: بسبب ضيق المعيشة قد يترك كثير من الشباب مقاعدهم الدراسية ما يحد من استمرار التعليم، ويسود الجهل.
يبقى السؤال الأهم:
من الضحية: الشباب أم المجتمع؟
هل على الشباب محاربة كل هذه العقبات ومكافحة الآفات لبناء مجتمع جيد، أم على المجتمع توفير بيئة خصبة ينشأ عليها الشباب نشأةً سوية؟
شاركنا رأيك، ولا تنس مشاركة المقال إذا أعجبك.
مقال مفيد يعرض المشكلات الأساسية في أي مجتمع ويجب أخذ كل النقاط بعين الاعتبار ... من اجل تنشئة جيل واعي
اشكرك على ردك، فعلًا فالغرس الصالح ينتج ثمارًا ناضجة💜
احسنتي
أحسن الله إليك، شكرًا لك على ردك💜
احسنتى
أحسن الله إليك 🌹💜
تسلمي
أرى انه يجب على المجتمع توفير بيئة صالحة للشباب لأن المسئولية تقع على الدولة و المجتمع
رأي سديد أحسنتِ🌹💜
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.