أهمية التاريخ ومكانته بين العلوم

لا شك أن التاريخ يحتلُّ مكانًا بارزًا بين فروع المعرفة المختلفة، وتشغل المؤلفات فيه نسبة كبيرة من الكتب التي تصدر في المشرق والمغرب على السواء، وملأت مؤلفاته وما يتصل به من تراجم وقصص تاريخية وآثار وسياسة ومذكرات المكتبات العالمية.

وعلى الرغم من اتساع ميادين المعارف، ما زالت مؤلفات التاريخ تحتل جانبًا كبيرًا مما يُنشر كل عام، وخاصة إذا أضفنا ذلك النوع الجديد من الكتب الذي يؤلفه نفر من الصحفيين والأدباء عن حوادث التاريخ الجاري ورجاله.

مكانة التاريخ بين العلوم الأخرى

وما زالت حقيقة "التاريخ" ومكانته بين العلوم وفائدته موضع شك ونقاش طويل بين المؤرخين والفلاسفة والمفكرين. فقد عرض السخاوي في كتابه المعروف: "الإعلان بالتوبيخ لمن ذمَّ أهل التاريخ" بعض جوانب مشكلة علم التاريخ عند المسلمين، وأعطانا صورًا من المآخذ التي كان علماء عصره يوجهونها إلى أهل التاريخ وحاول الدفاع عنها.

وتتلخص آراء النقاد لعلم التاريخ من المسلمين في أنه علم لا ينفع، إذ هو يشغل الإنسان بأخبار الماضين وأساطير الأولين عما ينفع الإنسان في أخراه من علوم الدين.

ولكننا يجب أن نعذر السلف من أهل الفكر فيما وجَّهوه للتاريخ من نقد؛ لأنه ما زال بين أهل عصرنا من كبار المفكرين -والفلاسفة خاصة- من ينكرون وجود التاريخ أصلًا، ويقولون: إن التاريخ يُعنى بما مضى وانقضى من الأحداث، فهي غير ذات وجود حقيقي، ويحلو لكثير من العلماء أن يرددوا قول هنري فورد: "التاريخ لغو".

إن التاريخ ليس لغوًا، فهو لا يقتصر على أخبار الماضين، بل هو يدرس التجربة البشرية أو جوانب منها، ويسعى إلى فهم الإنسان وطبيعة حياته على وجه الأرض.

أهمية دراسة التاريخ

فقد يتشكك بعض الناس في جدوى الاهتمام بالتاريخ، لا سيما في عصر كثرت فيه المتغيرات والاضطرابات، ووصل الإنسان إلى القمر وصارع الكواكب والنجوم. وهؤلاء قد يتساءلون: أليس من الأجدى أن ننسى ذلك الماضي وننظر إلى مستقبلنا؟

إن الاضطراب الذي نعانيه، والتخلص من أدران الماضي وأفكاره، لا يمكن أن يعالَج أو يُزال إلا بالنفاذ إلى جذوره العميقة، واستئصال أسبابه البعيدة، ومعرفة العلل.

ويلاحظ أن كل عالم أو أديب أو فنان لا غنى له في عمله أو فنه عن أخذ الماضي بعين الاعتبار والتأثر به إلى حد قريب أو بعيد. فالطبيب عندما يعالج الداء، يبدأ أول ما يبدأ بسؤال مريضه عن نشوء المرض وتطوره، وعما اعترى المريض من علل سابقة.

هل التاريخ يعيد نفسه؟

وعالم الاجتماع لا يستطيع دراسة المشكلات الاجتماعية التي يعالجها دون النظر إلى الجذور التي نبتت منها والتغييرات التي طرأت عليها. وهكذا الحال في العلوم الأخرى.

يقول ابن خلدون: "من الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال، بتبدل الأعصار ومرور الأيام، وهو داء دوي، شديد الخفاء، إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة، وأن أحوال العالم والأمم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر. إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال".

ويعتمد ابن خلدون في استنتاجاته على الحضارات البائدة أو القائمة في زمانه، كحضارات الفرس الأولى، والسريانيين، والنبط، والتبابعة، والقبط، والروم، والفرنجة، والترك، والبربر، وسائر العجم، والعرب من مصر وغيرها. 

وإذا كان الأمر كذلك، أي أن التاريخ لا يعيد نفسه وليس وعاءً ممتلئًا بالحلول الجاهزة للقضايا، فهل يفيد التاريخ في حل مشكلاتنا اليومية؟ أو هو لا يزيد على أن يكون عبئًا يثقل الذاكرة؟

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

مقال مفيد جدا ... التاريخ أصل كل العلوم ...
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة