أنيس الرَّافعي صوت قصصي متفرِّد

كُلُّ حُلْمٍ لِحَامِلِه المُستميت مُطِيع وخاضِع؛ ذَاك شَأْن الْقَاصِّ الْمَغْرِبِيِّ أَنيس الرَّافِعِيِّ الَّذِي تُوِّج أَخِيرًا بِجَائِزَة الْمُلْتَقَى لِلْقِصَّة الْقَصِيرَة الْعَرَبِيّةِ عَنْ مَجْمُوعَتِه القصصية: "سيرْك الْحَيَوَانَات المُتوهمَة" الصَّادِرَةِ عَنْ دَارِ خُطُوط وظلال للنشر وَالتَّوْزيع، بَعْدَ ثَلَاثَةِ عُقُودٍ قَضَاهَا فِي نَحْت مَسار إِبْداعِي مُتَفَرِّدٍ فِي مِضْمَار الْقِصَّة الْقَصِيرَة، الَّتِي ظَلَّ وَفِيًّا لَهَا، إلَى أَنْ اِجْتَرَح أُفُقًا مُغَايِرًا لِلْكِتَابَة القصصية الْمَأْلُوفَة، فأبدع نُصوصًا مُتْرَعَة بِحُمَّى التَّجْرِيب عَلَى مُسْتَوَى التقنيات السردية، زَعْزَع بِهَا أَعْرَاف التَّلَقِّي الَّتِي رَسَمَهَا فَنُّ الْقَصِّ التَّقْلِيدِيِّ، فِي زَمَنٍ لَاقَى فِيه أَنْوَاعًا مِنْ التبخيس والتهميش، اُتُّهِم فِيه -هُو وأمثاله- بالجرأة وَالْإِقْدَامِ عَلَى "تَخْرِيب الْقِصَّة الْقَصِيرَة وَافْتِضَاض بَكَارَتِهَا الفَنِّيَّة النقية" كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يُثْنِه عَن مُوَاصَلَة الْإِبْدَاع، تنقيبًا عَن مُمْكِنَات السَّرْد القصصي الْمُثِير والمُرْبِك فِي آنٍ وَاحِد. وَهُوَ الْقَائِلُ ذَاتَ يَوْمٍ: "تَبًّا؛ إنَّهُمْ يُرِيدُونَ قِصَّة بَسِيطِةً بِلَا طَيَّات.." يَقُول عَنْه النَّاقِد مُحَمَّد علوط: "إنه قاصٌّ يَسْتَطِيعُ أَنْ ينشئ مِنْ حُطَامِ التِّبْن سُنْبُلِةً.." إِذْ بِمَقْدورِهِ أَنْ يُرَوِّضَ الْقَصَص الجامحة الَّتِي يَخْتَلِط فِيهَا الْوَاقِع بالخيال، وَالْمُمْكِن بالمستحيل، فِي نَسِيج يُطَوِّعُه الْقَاصُّ فَيُطيعُه، وَيَجْرِي عَلَى لِسَانِ قَلَمِه سَرْدًا يَجْمَعُ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْحُلْم وَالثَّقَافَة الشَّعْبِيَّة، بلغةٍ دَالَّةٍ حَمَّالَةٍ لِأَوْجُهٍ؛ تُرْغِمُ الْمُتَلَقِّي عَلَى الْقِيَامِ بِعَمَلِيَّة فَكِّ شَفْرَة النَّصِّ الْغَنِيِّ بعوالم سرْيالِيَّة، تَحْفِر مَجْرَاهَا عَمِيقًا فِي الذَّاكِرَةِ الْجَمْعِيَّة. 

وَلَعَلَّ إِطْلالَة سَرِيعَة عَلَى عناوين قَصَصِه؛ كَفِيلِةٌ بِالدَّلَالَةِ عَلَى مَنْحاهُ الإبداعي الغرائبي الْمُوغِل فِي التَّجْرِيب، والملىء بِالدَّهْشَة وَالْخَيَال. أَشْيَاء تَمُر دُونَ أَنْ تُحَدِثَ فعلًا/ السَّيِّد رياخا/ البرشمان/ ثِقْل الفراشة/ فَوْقَ سَطْحِ الجرس/ اِعْتِقالُ الْغَابَةِ فِي زجاجة/ مَقْبَرَة الخردوات/أرخبيل الفزع/ مُسْتَوْدَع الْأَرْوَاح البديلة/ مَصَحَّة الدُّمى/ الْحَيَوَان الدائري/ خَيَّاط الهيئات/ سِيرْك الْحَيَوَانَات الْمُتَوَهَّمَة... هَذَا الْأَخِيرِ كِتَاب قَصَصِي مُوَحَّد اسْتَطَاع بِهِ أنْ يَكْسِرَ نَمَط الْمَجْمُوعَة القصصية الْمُعْتَاد، وَأن يَنَال بِه حُظْوَةَ التتويج، وَيُعِيد الِاعْتِبَار لمشروعه الأَدَبِيِّ، ويفوز-بِشَجَاعَة الفرسان- فِي مَحْفِلٍ أَدَبِيّ مهم تَلَقَّى فِيهِ اَلثَّنَاءَ الْمُسْتَحَقَّ فِي دَوْلَةِ الكويت، أَثْنَاء تَسَلُّمِهِ جَائِزَةَ الْمُلْتَقَى لِلْقِصَّة الْقَصِيرَة الْعَرَبِيَّة، لِيُبَرْهِن عَنْ جَدَارَةِ الْأَدَب في بلده، مُنْذ ظُهُور الْقِصَّة الْقَصِيرَة بِالْمَغْرِب فِي الْعَقْدِ الرَّابِعِ مِن الْقَرْنِ الماضِي إلَى الْآنَ. 

كُلُّ ذَلِكَ تَأَتَّى لِأَنيس الرَّافِعِيِّ باستماتته؛ وَاجْتِهَادِه، وَفِطْنَتِه، وثراء مُحِيطَةِ؛ الَّذِي يَنْعَكِس فِي تَشَبُّعِهِ بالقص والحكي المُسْتَلهم مِنْ مَعينِ جَامِع الْفَنَا؛ وزوايا دُروب مُرَّاكُش، وَعَبَقِ تَارِيخِهَا؛ وظِلال نخيلها؛ مَعين لا يَنْضَبُ مَادَامَت وشائج التَّعَلُّق مَرْبُوطَة بِحَبْل سُرِّيِّ مَتِينٍ، يَضْرِب بجذوره فِي أَرْضِ مُرَّاكُش؛ مُرْبَعِ الصِّبَا؛ وحُضْنِ الْفُؤَاد. 

فهنيئا لِلْقَاصِّ أنِيس الرَّافِعِي عَلَى منحنا الْمُتْعَة والدهشة الَّتِي تلفحنا بِهَا نُصُوصِه الموشاة بسخرية متفردة. كَثِيرًا مَا لاحظنا مفعولها عَقِبَ قِرَاءَتِهِ الماتعة والمعبرة لِنَصٍّ مِنْ نُصُوصِهِ خِلَال مشاركاته الَّتِي كَانَتْ تَجُوب رُبُوع الْمَغْرِبِ زَمَنُ ملتقيات الْقِصَّة الْقَصِيرَة. وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَكْتُبُ... يُلْقِي قَصَصِه... وَسُرْعانَ مَا يَتَوَارَى.

 

 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

ماذا لو تشاركنا مقتطفات من مجموعته القصصية لربما نهيم بها كما فعلت أنت؟
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة