يتبادر إلى ذهني سؤال، لماذا يختلف الناس في طريقة الحب ونوعه والمقاييس التي يبنى عليها هذا الحب؟ فعند البعض الجمال في الصورة والهيئة، والبعض في العلم يرى كل الجمال، تارة يترك الشخص حبه لأنه لم يسمع منه عذب الكلام، وفي المقابل حبيبان يسمعان حديث العيون وكيف تتغزل بأحلى الجمل.
هل يختلف الحب حقًا بين البشر؟ هل كلنا نميل إلى الصفات نفسها؟ معايير الجمال نفسها، أما أن ثمة شيئًا عن أذهاننا مستترًا؟!
اقرأ أيضاً ما تعريف الحب؟ وهل يمكننا العيش بدون حب؟
أنواع الحب عند الإغريق
بداية أريد أن أطلعكم على أمر يخص تصورنا عن الحب، أصدقائي الحب ليس شعورًا، الحب حالة يدخلها الإنسان وفق قرار اتخذه العقل وغالبًا ما تقسم هذه القرارات إلى 7 أنواع.
يدخل من خلالها الإنسان إلى حالة الحب الخاصة بهذا القرار، بناء على ما أصدره العقل، ويمكن أن ينتقل الشخص من حالة حب إلى حالة حب مختلفة حسب القرار الذي يتخذه، أما المشاعر التي تتولد من جراء حالات الحب هذه فهي مشاعر امتلاء وفرح وسعادة وبهجة.
تمامًا كمشاعرنا عند سماع خبر مفرح للغاية، أو في حال ربحنا جائزة ثمينة، فمشاعر الحب تسمى الاستمتاع المستمر، وهي النشوة والسعادة... إلى آخره من المشاعر المبهجة الأخرى، لذا سنتعرف الآن على أنواع الحب السبعة، وكيف صنفت عند الإغريق قديمًا.
اقرأ أيضاً تعرف على أسباب السعادة.. هل الحب دواء لفاقد شهية الحياة؟
تعرف على إيروس عند الإغريق
في الحالة الأولى يتولد حب يسمى (إيروس) استنادًا إلى إله الحب لدى الإغريق، ويكون هذا النوع من الحب معتمدًا على الجسد والرغبة والصورة الخارجية، والتعامل معه من الأفعال العاطفية أو العلاقة الجسدية، هذا النوع هو الذي يخلق الرومانسية بالحب.
لكن التطرف به يجعله علاقة هشة غير متينة، لأنه لا يقدر شيئًا غير الظاهر من الصورة والهيئة، إذ لا قوائم مشتركة تجعل التواصل قائمًا بين الحبيبين سوى الرغبة بالجسد، فمن البديهي العلاقة المبنية على الجسد هي غير قابلة للاستمرار، لأنها أنشئت على شيء متغير.
نشبع منه ونملُّ غالبًا بعد مدة من الزمن، لذا نجد أغلب حالات الطلاق التي تحدث بين شخصين عرف عن زواجهما أنه كان زواجًا عن حب، ونستغرب عند سماع خبر الانفصال! هذا لأنهما تزوجا وفق حالة الحب (إيروس).
أيضًا هذا النوع يعرف عنه الالتزام بالهدايا والورود والكلام المعسول المبالغ فيه، فحياة العلاقة تعتمد على هذه السلوكيات الذي اعتقد المجتمع بأنها جُل الرومانسية، نتيجة ترويج السينما وبقية الفنون لهذا الحب غير الواعي.
اقرأ أيضاً التاريخ الأسطوري كأرضيَّة لاستحضار مظاهر تنظيمية للحكم في العالم القديم "أنطي وأطلس وهرقل"
تعرف على فيليا عند الإغريق
أما الحالة الثانية من حالات الحب فهي حالة (فيليا) وهو حب العقل، المولد للمشاعر، المتعة في هذا النوع هو حب العقل والقيم والمبادئ والنمط التفكيري للشخص المقابل.
إذا أردت أن تكون من ضمن الذين التحقوا بركب (الفيليا) فعليك بالاهتمام بفكرك ومستوى الثقافة الحقيقية المستندة إلى اختلاف طبيعة هذا التفكير الذي تحمله، لا أن تكون مرددًا لما يدور حولك دون تفكر.
غالب من عاش هذا الحب هم أشخاص شاهدوا الجمال من خلال روعة العقل والإدراك، وأيضًا عرف عنه الحب الحنون لأنه يكثر بين الأصدقاء وبقية الناس الذين يجمعنا بهم نمط الأفكار المتشابه.
أما حالة الحب الحقيقي التي لا تزول ولا تتلاشى مهما مرت السنون وتباعدت الأيام، يبقى الوصال ثابتًا لا يعرف النسيان، ويزداد عمقًا كلما تقرب الطرفان من بعضهما.
تعرف على أغابي عند الإغريق
حب الروح هو ما يجمعهم وأطلق عليه اسم (أغابي) أو الحب الروحاني، يعرف بالإيثار ويكون حبًا غير مشروط نابعًا من الروح، وحقيقتها أن يصل الحبيب بحب محبوبه إلى أعلى درجات فيض المشاعر، لا لشيء معين، لكن يحبه لأنه يمتلك هذه النفحة العظيمة من الله التي بداخله، حتى يتكون هذا الحب لدى من يمتلك نضوجًا عقليًا عاليًا ومتصلًا بروحه، فليس كل البشر يستطيعون دخول هذه الحالة من كثافة الأمان وحلاوة الحب النقي.
هنا أنوِّه بأن النساء هن الأكثر دخولًا في حالة الحب هذه، وهذا ليس من باب النكال بالرجال، لكنها حقيقة يجب أن تقال، إن القلة منهم من تبصر جمال الروح، لذا هذا النوع في الحب لديهم قليل، قال التبريزي في حب الروح: "يمكن لأي شخص أن يختارك في توهجك، لكني أنا سأختارك حتى حين تنطفئ، تأكد بأني وإن رأيت النور في غيرك سأختار عتمتك".
تعرف على اللودوس وستورغ عند الإغريق
أما رابع حالات الحب وهي أكثرها هشاشة وتسمى (اللودوس)، وهو حب التسلية والغزل والكلام مددًا قصيرة، يعرف هذا النوع بعدم الجدية في العواطف، فبمجرد أن يحاول أحد طرفي هذه العلاقة جعلها علاقة عاطفية حقيقية، ينتهي هذا الحب، لأن صاحب هذه الحالة يكون خاليًا من المسؤولية في الحب.
وغالبًا ما ينشأ هذا الحب في الأيام الأولى من بداية التعارف، إذ تظهر أعراض هذا الحب في الدماغ، وكأن الشخص قد تعاطى الكوكايين، يكون في حالة نشاط وحماس وقتي مفرط سرعان ما ينتهي.
أما (ستورغ) فهو حالة الحب البريء، كحب الطفل وحب الأم والأب لأبنائهما، في العلاقة العاطفية لا بد من قليل من هذا النوع من الحب، الذي يحتاج الرجل فيه لأن يعامل كالطفل في بعض الأحيان وإظهار كمِّ الحنان والاحتواء الأمومي له، خصوصًا في فترات التعب والإجهاد لغرض التخفيف من حدة هذه الأزمات عليه.
كذلك الأنثى تحتاج إلى دور الأب في بعض الأحيان، لكن إن كثر المقدار من هذا التعامل فسيكون الأمر مزعجًا، فلا يوجد رجل أو امرأة يحب أن يأخذ دور الطفل الصغير في العلاقة العاطفية، قليل من (ستورغ) محبب لكن كثيرًا منه يفسد رونق الحب الناضج.
المجتمعات الشرقية والحب
بالوصول إلى الحالة السادسة وهي حالة من الحب المتأخر نسمع عنها في مجتمعاتنا الشرقية بالتحديد، إذ يطلق على هذهِ الحالة من الحب اسم (البراغما) أو حب العشرة، إذ يتولد هذا الحب بعد مدة طويلة من الزواج، ما يقارب العشرين عامًا، ويعرف عن هذا الحب أنه طويل الأمد وصلب في نهايته، لكنه يفتقر إلى الرومانسية، لأنه نابع عن حسابات عقلانية يتبعها كلا الطرفين.
إذ تجعل الزواج خاليًا من المشكلات ويتسم بالهدوء ومستقرًا، لكنه أيضًا غير مليء بالمشاعر والحب والرومانسية، التي تضفي الحياة للقلب والإحساس بالحياة من جانبها الرقيق الشفاف.
أما أهم حب يجب أن يخوضه الإنسان مع نفسه في المرتبة الأولى، فهو الحب الحقيقي لنفسه ويطلق عليه (فيلوشيا)، حب الذات، أن تكون بحالة حب لجوهرك الداخلي وتتناغم مع ظلامك ونورك.
وهو أهم حب على الإطلاق حبك لصورتك، ومظهرك، وأخطائك، وفشلك، وأصلك، وعرقك، وماضيك الذي يدعى غير المشرف، حتى تستطيع بعد ذلك الدخول إلى جميع العلاقات وبالأخص العلاقة العاطفية وأنت متزن المشاعر، قادر على إعطاء الحب لأنك ممتلئ به.
أنواع العطاء والتقدير
فإن غاب هذا الحب للذات غابت كل أنواع العطاء والتقدير للآخر، لآن الإنسان أن لم يكن يثمن نفسه ويغدق عليها بالحب لن يستطيع أن يثمن غيره، فكيف يعطي مما ينقصه؟ فعلينا أن نتقبل ذواتنا كما هي، ومن ثم نسعى لإزالة ما يشوبها ويلوث صفاءها.
بعدها تقدم أسمى وأروع صور الحب المعتمد على جميع حالات الحب، فلا توجد علاقة صحية بنيت على ركن واحد من أركان الحب، فإن لم أكن محبًا لنفسي ومن ثم محبًا للطرف المقابل حينها أستطيع أن أحضر طبق الود الذي يحتوي على السبعة مذاقات من الحب المتجدد.
فغياب نوع من أنواع الحب السبعة سيوقعنا بعلاقة عاطفية متخلخلة الأركان غير متزنة في المشاعر مفتقدة للإشباع على مستوى الروح والنفس والجسد، فالفقر في الأحاسيس يجعل الحياة كثيرة المشكلات والمعاناة، خالية من السكون الداخلي والرضا عن النفس.
وهنا ندرك أن عدم معرفتنا بماذا نريد، وإلى ماذا نتطلع في علاقتنا العاطفية، وما نوع القرار الذي استندنا عليه بدخولنا حالة الحب هذه لنخوض كثيرًا من العلاقات غير المجدية، ما يضفى علينا جانب الحزن والتشويش لعدم معرفة أين توجد سكينة الروح ومسكنها.
فليس من المهم جمع المميزات التي عرفت في المجتمع، لكن المهم معرفة النفس بماذا تستريح وإلى أي الأرواح تلوذ وقت التعب، وكيف رسمت قصة الحب الخاصة بك منذ بداية العمر، في الحب أنصت إلى صوت القلب ولا تُضعه بضجيج أصوات العقل.
وصدق التبريزي حين قال: "إذا كنت تبحث عن الكمال فأنت لا تبحث عن الحب، لأنّ معجزة الحب تكمن في عشق العيوب" .
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.