يحدُث مرض السّرطان بسبب طفراتٍ جينيّة، تنقسم هذه الجينات المتحوّرة (الطّافرة) في السّرطان إلى فئتين رئيستين: مثبّطات الورم، والجينات الورميّة (المسرطنة).
الجينات وحدوث الأورام
يمكن أن تسمح الطّفرات الّتي تحدث في الجينات المثبّطة للورم للأورام بالنّموّ دون التّأكّد من سلامتها -حالة عدم وجود كبح- بينما يمكن للطّفرات الّتي تحدث في الجينات الورميّة تنشيط تكاثر الخلايا، بما يشبه الضّغط على دوّاسة الوقود.
خصّص الباحثون الّذين يدرسون الطّفرات في الجينات المثبّطة للورم تركيزًا كبيرًا على الجين p53، وهو الجين المثبّط للورم الأكثر تحوّرًا في السّرطانات البشريّة.
على مدى العقدين الماضيين، كرِّس الكثير من الجهد لتصميم علاجات مستهدِفة بيولوجيًّا تنشط الجين p53 على وجه التّحديد.
ومع ذلك، في حين أظهرت الأبحاث أنّ هذه العلاجات فعّالة في تحفيز نشاط p53، فإنّها عمومًا لا تستطيع قتل الخلايا السّرطانيّة.
كما لوحظ بالنّسبة للعلاجات الأخرى المستهدفة بيولوجيًّا، ثبت أنّ تنشيط p53 يوقف نموّ الورم لفترة من الوقت، لكنّ الخلايا تتحوّر في النّهاية وتصبح مقاومة للعلاج.
يسلّط بحثٌ جديد -أجراه علماء مركز السّرطان بجامعة كولورادو- الضّوء على آليّات العمل الّتي تمنع تنشيط p53 من إحداث موت فعّال للخلايا السّرطانيّة.
لقد أظهروا أنّ تثبيط اثنين من مثبّطات p53 المميّزة يمكن أن يؤدّي إلى موت الخلايا السّرطانيّة من خلال تنشيط شبكة جينيّة تكميليّة تُعرف باسم استجابة الإجهاد المتكاملة.
يوضّح جواكين إسبينوزا، أستاذ علم الأدوية في كلّية الطّبّ بجامعة كاليفورنيا، ومدير معهد ليندا كرنيك لمتلازمة داون، وكبير مؤلّفي الدّراسة: "عندما تمنع كلًّا من مثبّط p53 الرّئيس، المعروف باسم MDM2، ومثبطه الثّانويّ، المعروف باسم PPM1D، فإنّ p53 يعمل بشكلٍ أفضل بكثير من حيث التّسبّب في موت الخلايا السّرطانيّة.
ويتطلّب نشاط القتل المعزَّز هذا الاستجابة المتكاملة للإجهاد، هذه خطوة مهمّة في جعل العلاجات المستهدفة بيولوجيًّا القائمة على p53 أكثر فعالية".
قد يهمك أيضًا ابتكار علاج جديد لسرطان الرأس والرقبة
تحفيز موت الخلايا السّرطانيّة
يعدّ هذا التّطوّر علامةً فارقة مهمّة لما يقرب من عقدين من البحث الّذي أَجراه أندريسك، أستاذ مساعد في علم الأدوية في كلّية الطّبّ، جامعة كولورادو وأعضاء آخرون في مختبر Espinosa.
عملت الأبحاث على فهم دور MDM2 وPPM1D، وهما بروتينان يكبحان p53 داخل الخلايا السّرطانيّة، والآليّات الّتي يؤدّي تثبيطها إلى موت الخلايا السّرطانيّة.
يوضح إسبينوزا: "لقد ثبت بالفعل أنّ MDM2 هو مثبّط رئيس وأنّ PPM1D مثبّط ثانويّ، لفترة طويلة، على أمل أن يكون تثبيط المثبّط الرّئيس فقط كافيًا.
استُثمر الكثير من الجهد في تطوير جزيئات صغيرة تمنع MDM2، وأنفقَت ملايين الدّولارات، لكن أداء هذه الأدوية كان ضعيفًا في التّجارب السّريريّة".
ثم انتقل الباحثون إلى المثبّطات الثّانويّة، بما في ذلك PPM1D يقول أندريسيك: "لا يُعرف الكثير عن PPM1D والمثبّطات الثّانويّة الأخرى لـp53.
ولكن سرعان ما أصبح من الواضح أنّه إذا ثبطّت كلًّا من MDM2 وPPM1D، يمكن أن يؤدّي p53 بشكلٍ فعّال إلى موت الخلايا السّرطانيّة، غير أنّ الآليات الكامنة وراء هذا التَّآزر غير معروفة".
قد يهمك أيضًا مرض السرطان وعلاجاته
فهم الآليات
تمكّن إسبينوزا وأندريسيك من إثبات أن تثبيط MDM2 وPPM1D ينشّط الاستجابة المتكاملة للإجهاد، وهو مسار إشارات يحفّز بروتينًا يسمى ATF4 كما أظهروا أنّ ATF4 بالمشاركة مع p53، يعملان معاً للتسبّب في موت الخلايا السّرطانيّة.
يقول أندريسيك إن تثبيط MDM2 وPPM1D، وبالتّالي السماح لـp53 بالشّراكة مع ATF4 في التسبّب بموت الخلايا السّرطانيّة أظهر وعداً لأنواع السّرطان المختلفة في المختبر.
كشفت هذه الرّؤية الميكانيكيّة بسرعة عن استراتيجيّات دوائيّة إضافيّة للحثّ على موت الخلايا السّرطانيّة.
على سبيل المثال، أعاد أندريسيك وإسبينوزا استخدام عقار نيلفينافير، الّذي تمّت الموافقة عليه في الأصل كعلاج لفيروس نقص المناعة البشريّة (الإيدز).
يقول إسبينوزا: "نحن نعلم الآن أن نيلفينافير ينشّط الاستجابة المتكاملة للإجهاد، وبالتّالي يصبح مزيجًا رائعًا مع مثبّطات MDM2".
يواصل إسبينوزا وأندريسيك أبحاثَهما لفهم المزيد عن آليّات الاستجابة التّآزريّة الّتي تحدث عندما يثبّط MDM2 و PPM1D وينشّط p53.
يقول أندريسيك: "تشير بياناتنا إلى أنّ الخلايا السّرطانيّة معرّضة بشكل خاصّ لهذا التّنشيط المزدوج لـp53 والاستجابة المتكاملة للإجهاد، الّتي قد توفّر نافذةً علاجيّة في العيادة، مما يجنّب الخلايا السّليمة من آثار القتل النّاجمة عن p53".
إنّ الكأس المقدّسة لأبحاث السّرطان كانت قد استعادت نشاط p53 للحثّ على تراجع الورم، على مدى ثلاثين سنة ماضية، كرّست الكثير من الجهود البحثيّة لإيجاد حلول أكثر أناقة للعلاج الكيميائيّ أو الإشعاعيّ على نطاق واسع.
عندما نتعلّم المزيد عن الجينات والبروتينات الطّافرة في السّرطان، نكون أكثر قدرةً على معرفة متى تفشل الفرامل واستعادتها، أو عندما تكون دوّاسة الوقود على طول الطّريق إلى الأرض ورفعها باستخدام مثبّطات مستهدفة على وجه التّحديد".
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.