قلتُ له كف عن البكاء! فإن إظهار ما تعانيه من عذاب الضمير وآلام داخلية، ليس أبداً ما يعالج داءك.
فأجابني وهو غاضب مني: من تكون حتى تحكم علي وتمنعني من ظرف الدموع؟ ألا تعلم يا من تلومني أن هذه فقط هي ما تبقى لي بعد كل ما عانيته من ألم الفراق؟
وقلت له: عفوًا أيها الحزين! ما كان ذلك قصدي، لكن بالله عليك قل لي ما شأنك وما الذي ألمَّ بك كي أساعدك على ما أنت عليه من هموم وأفرج عمَّا بك من غموم.
فقال لي حينها بكل صراحة: إنه الفراق!
وأخذ يخبرني بأن عشيقته قد فارقته، وأنهما قد عاشا معا من الزمن ما يكفي لتحقق قرابتها، وربط رباط العشق بينهما؛ وذلك قبل عقد الأولياء قرانهما. وعقب الزواج؛ صارت زوجه أقرب قريب منه؛ وأصدق صديق له. ثم قال لي ألا يحق لي البكاء إن فقدتُ قطعة من روحي!؟
فطأطأتُ رأسي حينها وأجبته مشفقا عليه: بلى!
لكن ما خطبكما؟ وما سبب افتراقها منك؟ وأين اختفى ذاك الحب الخالص؟ أخبرني؟
قال: بعد تمام زفافنا بقليل، زارتني ابنة عمي _فلانة_ التي بمثابة أخت لي، فاستضفتها بأجمل ما تكون استضافة، وتعاملتُ معها بوجه في غاية الطليق.
وذلك كان يألم زوجي ونحن لا نشعر، فبالغنا في الأمر واستمرينا في ذلك طوال مكوثها في الدار.
وبعد رجوعها، واجهتني وأباحت لي بكل ما كان لديها من كلام شجي، وظنون باطلة، حتى ختمتْ سورة غضبها بآية الفراق. ومذ ذاك اليوم، صَعُب عليَّ النومُ وأقضَّ مضجعي الغمُّ، وكنت لا أذوق ولا أتناول من مختلفة الأطعمة إلّا ما كان قليلا لمرارةٍ في المذاقة، أو لكون تلك كالمسمومة ! واشتد بي الأمر حتى لا أكاد أفرّق أنهاري من ليالي، بل أوشك أن أهلك من شدة آلامي.
وبعد انتهاء حوارنا؛ أوصيتُه بأن يحاول إعادة امرأته إن بقي له شيء من الرجولة، ويشرح لها حقيقة الأمر، علَّها ستقبل إن باتت معها ذرّة من أنوثة، أو مثقال حبة من الشفقة.
إن الفراق يشوقنا ويروعنا في هذه الدنيا فكيف بأبعد.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.