قد يعرف الناس غراهام بيل لأنه مخترع الهاتف، لكنه أحد أبرز العلماء والمخترعين في القرنين التاسع عشر والعشرين الذي يأتي بعد توماس أديسون في قائمة أهم المخترعين وأكثرهم تأثيرًا من وجهة نظر كثير من المؤرخين والباحثين.
فلم يكن ألكسندر غراهام بيل مخترع الهاتف فقط، وإنما كانت له عشرات الاختراعات الأخرى مثل المركبات الهوائية، والقارب الطائر، وجهاز الكشف عن المعادن، والهاتف الضوئي، إضافة إلى جهوده الكبيرة في تطوير طرق التواصل مع الصم والبكم.
وفي هذا المقال، نصحبك في جولة سريعة في حياة ألكسندر غراهام بيل العالم والإنسان ورجل الأعمال الذي ذاعت شهرته وحقق أرباحًا طائلة من اختراعه للهاتف، كما واجه عددًا من الدعاوى القضائية من علماء آخرين يقولون إنهم اخترعوا جهازًا مماثلًا قبل غراهام بيل.
المولد والنشأة
وُلِد ألكسندر غراهام بيل في مدينة إدنبرة في اسكتلندا يوم 3 مارس عام 1847 لعائلة تعمل في مجال الخطابة والتواصل مع الصم والبكم، فكان والده أستاذًا في جامعة إدنبرة، وكانت أمه عازفة بيانو على الرغم من كونها امرأة صماء، لكنها كانت ذات شهرة كبيرة، وكان جده أيضًا أستاذًا كبيرًا في الخطابة، إضافة إلى عمله مع ضعاف السمع وإعاقات النطق، وكان له مؤلفات في ذلك المجال، ومن ثم كان له تأثير كبير على تطور نظام الكلام المرئي الذي طوره ألكسندر غراهام بعد أبيه وجده.
تلقَّى ألكسندر غراهام تعليمه في المنزل، ثم انضم إلى المدرسة الثانوية الملكية في العاصمة إدنبرة، لكنه لم يحصل على شهادته الثانوية بسبب مغادرته مع أسرته إلى كندا، وذلك بعد وفاة شقيقيه بسبب مرض السل، وهو ما جعل والده يتخذ قرار الهجرة إلى كندا خوفًا على ابنه المتبقي، حيث استقرت العائلة في مقاطعة أونتاريو عام 1870، واشترت مزرعة تطل على نهر غراند، فبدأت مرحلة جديدة من حياة ألكسندر غراهام بيل.
من الجدير بالذكر أن طفولة غراهام بيل قد شهدت أول اختراع له، إذ صنع آلة بسيطة لطحن القمح وهو في الثانية عشرة من عمره، إضافة إلى مواهبه وقدراته الأخرى التي ظهرت في سن مبكرة، إذ أتقن العزف على البيانو، إضافة إلى قدرته على التحدث بلغة الإشارة بسبب صمم والدته، وتطويره تقنية يستطيع عبرها التواصل مع والدته، ومن ثم بدأ اهتمامه بعلم الصوتيات مبكرًا، وهو ما استفاد منه بعد ذلك في بحوثه ودراساته واختراعاته.
حياة غراهام بيل
كان ألكسندر غراهام بيل متأثرًا كثيرًا بأسرته وعائلته في معظم أيام حياته، إذ ارتبط بالعمل الذي بدأه جده ووالده في مجال التعامل مع الصم وعلم الصوتيات والتواصل مع ضعاف السمع. حتى بعد الانتقال إلى كندا.
واصل غراهام بيل العمل في مجال الصمم، وانتقل بعد عام واحد إلى أمريكا، وأصبح مُدرسًا للصم، والتقى هناك زوجته المستقبلية مابيل هوبارد التي كانت تعاني أيضًا من الصمم، وتزوجها عام 1877، وحصل بعدها على الجنسية الأمريكية، وأنجب منها أربعة أبناء، توفي اثنان منهما في سن الرضاعة.
في عام 1872، افتتح غراهام بيل مدرسته الخاصة لتعليم الصوت وآليات الكلام، واستقبل عددًا من الطلاب الصم، وأصبح أستاذًا في تعليم فيزيولوجيا الصوت، وتدريس عدد من أساليب التخاطب التي طورها أبوه التي طورها من بعده غراهام بيل، فأصبح له شأن كبير في جامعة بوسطن التي كان ينتقل بينها وبين مدينة برادفورد في كندا، إذ كان يقضي كثيرًا من الأوقات مع عائلته.
إضافة إلى زيارة معمله الخاص هناك، وتنفيذه لعدد من التجارب على الأفكار المتعلقة بانتقال الصوت، حتى إنه قرر في النهاية التخلي عن نشاطاته في جامعة بوسطن وأماكن التدريس التي كانت مصدر دخل كبير له، حتى يتفرغ لبحوثه.
اختراع الهاتف
مع اتساع استخدام التلغراف على مستوى واسع في أمريكا، واعتماد التجارة والصناعة على التواصل السريع، كانت تُبذل جهود كبيرة من العلماء المعاصرين لاستحداث طرق جديدة للتواصل وإرسال واستقبال الرسائل مع تقليل التكلفة، إذ كانت الخطوط الجديدة للتلغراف تتطلب نفقات عالية.
ومع شهرة تجارب غراهام بيل التي كان يجريها من أجل الوصول إلى طريقة لنقل نغمات الأصوات عبر أسلاك التلغراف، ظهر عدد من رجال الأعمال والمستثمرين الذين رغبوا في رعاية تجارب غراهام بيل.
وفعلًا اتفق مع والد زوجته على رعاية تجاربه والإنفاق عليها، وهو ما شجعه على الاستمرار في تجاربه، إضافة إلى اطلاعه على المنجزات العلمية الكبيرة التي حدثت في ذلك الوقت، وخصوصًا للمخترع الكبير توماس أديسون.
غراهام بيل واختراع الهاتف
عيَّن غراهام بيل مساعدًا جديدًا، وهو توماس واتسون، من أجل الإسراع في إنجاز جهاز جديد يستطيع إرسال الرسائل بواسطة التلغراف الصوتي، وهو ما تسابق إليه عدد من العلماء والمخترعين في ذلك العصر.
ففي عام 1875 طوَّر غراهام بيل الجهاز وطلب من محاميه الخاص أن يحصل له على براءة اختراع وتسجيله في بريطانيا وأميركا، في حين كان يوجد مخترع آخر يسعى لتطوير نفس الجهاز، ويسعى أيضًا للحصول على براءة اختراع له، وهو المخترع إيليشا جراي.
ومع طلب كلا المخترعين الحصول على براءة اختراع للجهاز الجديد، كان يوجد جدل واسع وتساؤل كبير من هو المخترع الحقيقي للجهاز الجديد، لكن غراهام بيل استطاع أن يحصل على براءة اختراع الهاتف وتسجيله عام 1876، وتضمن وصف الاختراع «أن غراهام بيل توصل إلى طريقة لعمل جهاز يستطيع أن ينقل الأصوات عن طريق أسلاك التلغراف، بواسطة الموجات الكهربائية التي تنتقل في صورة ذبذبات في الهواء».
في مارس 1876، استطاع غراهام بيل تجربة جهازه الجديد والاستماع إلى الكلمات بوضوح. وفي العام نفسه، حسَّن غراهام أداء الجهاز الكهرومغناطيسي، وفي أغسطس من العام نفسه، كانت أول مكالمة هاتفية مع كندا، انتقلت خلالها القراءة والغناء والأصوات المتداخلة، وهو ما يعني نجاح الاختراع الجديد.
من الطريف أن غراهام بيل وشركاءه عرضوا بيع اختراع الهاتف إلى شركة ويسترن يونيون العملاقة مقابل 100 ألف دولار فقط، لكن رئيس الشركة رفض ذلك العرض، لاعتقادهم أن الهاتف مجرد لعبة، وهو ما ندم عليه كثيرًا، إذ حقق هذا الاختراع ملايين الدولارات في السنوات اللاحقة.
ذاعت شهرة غراهام بيل، ليس فقط داخل أميركا، وإنما على الصعيد العالمي، وبدأ يحظى بكثير من الاهتمام من الصحف العالمية التي تحدثت عن الاختراع الجديد الذي سيغير العالم، حتى إن ملكة إنجلترا طلبت منه لقاءً خاصًّا كي يستعرض لها طريقة عمل الهاتف.
وفي عام 1877، تم إنشاء شركة بيل للهواتف التي كانت سببًا في انتشار الهاتف في أميركا، ومنه إلى العالم. واشترت الشركة أيضًا اختراعات أخرى، مثل الميكروفون الكربوني، واستطاعت أن تطوِّر الهواتف حتى وصلت إلى إجراء مكالمات عبر القارات عام 1915.
النزاع حول اختراع الهاتف
من الغريب أن النزاع في اختراع الهاتف استمر منذ إعلان غراهام بيل اختراعه للهاتف حتى عام 2002، إذ ظهر عدد من المخترعين والعلماء الذين قدموا دعاوى قضائية من أجل إثبات اختراعهم للهاتف، لكن شركة بيل ظلت تحقق مزيدًا من النجاح، ولم يستطع أي شخص إثبات اختراعه للهاتف، على الرغم من كثرة الإجراءات التي قامت بها الحكومة الأميركية على مدار سنوات، حتى إن مجلس النواب الأميركي اعترف بالمخترع الإيطالي أنطونيو ميوتشي، بكونه صاحب الحق الأصيل في اختراع الهاتف عام 2002.
لكن البرلمان الكندي لم يوافق على هذا الأمر، على الرغم من مرور السنوات ووفاة المخترعين، ليظل النزاع أو الاعتراف بمخترع الهاتف محل خلاف، حتى ولو على المستوى الأدبي.
ما لا تعرفه عن غراهام بيل
على الرغم من الشهرة الكبيرة التي حققها غراهام بيل بسبب اختراعه للهاتف، فإنه أيضًا قد حصل على عدد من براءات الاختراع لاختراعات غيّرت العالم ونالت استحسانًا كبيرًا وحققت نجاحًا في عدد من المجالات، ومنها 14 براءة اختراع تخص الهاتف، و4 براءات اختراع في مجال الهاتف الضوئي المعروف باسم الفوتوفون، وكذلك براءة اختراع الفونوغراف، وبراءات اختراع أخرى في مجالات المركبات الهوائية، والطائرات المائية، وخلايا السيلينيوم.
كل ذلك إضافة إلى اختراع غراهام بيل أول جهاز للكشف عن المعادن الذي جاء مصادفة، إذ كان غراهام بيل يحاول إنقاذ حياة الرئيس الأميركي جيمس جارفيلد، بعد تعرضه لإصابة بطلق ناري في ظهره، فلم يستطع الأطباء القائمون على علاج الرئيس تحديد مكان الرصاصة، فحاول بيل العثور عليها بواسطة جهاز ابتكره سريعًا، لكن الجهاز فشل في المهمة.
وتبين لاحقًا أن سبب الفشل كان وجود أجزاء معدنية في السرير الذي ينام عليه الرئيس الأميركي. وعلى الرغم من هذا الفشل، فإن هذا الجهاز كان نواة لأول جهاز يستخدم في البحث عن المعادن، والمسجل باسم غراهام بيل.
غراهام بيل وإنجازاته
ومن الأمور المهمة أيضًا عن غراهام بيل أنه قد استخدم الأموال التي حصل عليها من جائزة فولتا من الحكومة الفرنسية لإنشاء مختبر للبحوث الصوتية والكهربائية، وتمويل بحوث ومخترعات آخرين، ودعم مجلة العلوم، والتزم طوال حياته بالعمل من أجل الصم والبكم وتعليمهم والدفاع عنهم، على الرغم من شهرته الكبيرة بعد اختراعه للهاتف.
جوائز وتكريمات غراهام بيل
بلا شك حصل غراهام بيل على عدد من الجوائز وشهادات التقدير والأوسمة والدرجات الفخرية، ومنها على سبيل المثال:
- ميدالية ألبرت من الجمعية الملكية للفنون في لندن.
- جائزة فولتا من الحكومة الفرنسية.
- وسام جوقة الشرف من الحكومة الفرنسية.
- درجة الدكتوراه من جامعة بافاريا.
- وسام إليوت كريسون من معهد فرانكلين.
- وسام أديسون من الجمعية الأمريكية للمهندسين.
- كما أصدرت إسكتلندا أوراق نقدية من فئة جنيه إسترليني تحمل وجه غراهام بيل.
- وأصدرت الحكومة الكندية عملة ذهبية بقيمة 100 دولار تكريمًا له.
- وأُصْدِر دولار فضي عام 2009 احتفالًا بالذكرى السنوية لغراهام بيل.
- كما جاء غراهام بيل في المرتبة السابعة والخمسين في قائمة أفضل 100 شخصية بريطانية في التاريخ عام 2002.
- وصُنِّف ضمن أعظم عشر شخصيات كندية في التاريخ عام 2004.
- كما اختير ضمن أفضل عشرة علماء في اسكتلندا على مدار التاريخ عام 2005.
- ومنحته عدة جامعات درجات الدكتوراه الفخرية، ومنها:
- الدكتوراه الفخرية في الحقوق من جامعة هارفارد.
- دكتوراه فخرية في الحقوق من جامعة إدنبرة.
- دكتوراه فخرية من جامعة كوينز الأميركية.
وفاة غراهام بيل
توفي ألكسندر غراهام بيل يوم 2 أغسطس عام 1922 عن عمر ناهز 75 عامًا، بعد صراع طويل مع مرض السكري وفقر الدم الوبيل. ونعاه عدد من الشخصيات المهمة ورؤساء الدول، حتى بعد تشييع جنازته، أُوقِفَت الهواتف كلها في قارة أمريكا الشمالية حدادًا على وفاته، تقديرًا للتأثير الكبير الذي أحدثه اختراعه على البشرية، ودُفن غراهام بيل على قمة جبل يطل على بحيرة، وتوفيت بعده زوجته المخلصة بخمسة أشهر فقط، ودفنت أيضًا بجانبه.
وفي نهاية هذه الجولة السريعة في حياة ألكسندر غراهام بيل، مخترع الهاتف وعدد من الاختراعات الأخرى، نرجو أن نكون قد قدمنا لك المتعة والإضافة، ويُسعدنا كثيرًا أن تُشاركنا رأيك في التعليقات، ومشاركة المقال على مواقع التواصل لتعم الفائدة على الجميع.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.