إن الشوائب التي خالطت العربية في العصور المتقدمة دعت العلماء في العراق إلى حصر الكلام الفصيح بتقعيد القواعد، وتأليف المعاجم حتى لا يجترئ على قراءة القرآن من يلحن، وحتى لا يفهم من لا باعَ له في العربية الأحاديث النبوية غلطاً.
اقرأ أيضًا اللغة العربية وعلاقتها بمجالات الحياة المختلفة
ألسنة لا تُفصح
لما استدارت الأعوام، وجاء المتأخرون من العرب ظنوا أنفسهم غير محتاجين إلى دراسة اللغة العربية كما يدرسها الناطقون بغيرها، فبقيت ألسنتهم لا تُفصح بسبب استخدام الكلمات العامية مكان الفصحى، وبقي جو العربية لديهم مكدرًا حتى صاروا يتكلفون في التعبير بالفصحى.
من العجائب في هذا الزمان كون العربي يحفظ الكلام الفصيح في الذهن عند مقابلة الأجانب دارسي اللغة العربية في بلدهم، ومما قيل في مصر إن بعضهم إذا سمعوا من يتكلم بالفصحى عدوا كلامه آيات من القرآن الكريم، فيقولون عند الانتهاء من الكلام: صدق الله العظيم.
إن العرب في الجزيرة اليوم يعانون من عدم فهم بعض عبارات أهل المغرب لامتزاج عربيتهم بالفرنسية وخصوصاً عند الأمازيغ.
تحدث الصراعات الكثيرة حول إدخال العربية في بعض القطاعات الحكومية في المملكة المغربية، وفي تونس والجزائر كذلك، ونجد من دعا إلى تمصير اللغة العربية في مصر من عظماء الأدب العربي الدكتور طه حسين، ورد عليه الرافعي.
أما في أبو ظبي، والإمارات حُطَّ من قدر العربية، فحلت لغة ثانية في البلدين، فلم يكن من أبنائهما اهتمام كبير، ومن أكبر المصائب أن بعض أبنائهما لا يتكلمون بالعربية مثلما يتكلمون بالإنجليزية.
اقرأ أيضًا كلمات مفتاحية بسيطة هتخليك محترف فى الإعراب
ماذا بقي للعربية؟
وهذه العاميات المختلفة أفسدت ألسنة هؤلاء العرب، ولكن العلماء تصدوا لهذه القضية تأليفاً وتنبيهاً، ويكتب الأستاذ الدكتور حمد بن ناصر الدخيل في صحيفة مرآة الجامعة الإمام العدد (605) الصادرة سنة 2013 مقالاً بعنوان "ماذا بقي للعربية؟"، ويقول: "ولست أعتب على أحد عتبي على جميع المتخصصين في اللغة العربية وآدابها، وهم كثر في بلادنا وفي سائر الوطن العربي، يشاهدون العربية تصارع اللغات واللهجات الوافدة، وتواجه وحيدة واقعها المؤلم من غير أن يكون لهم أثر أو موقف أو أثارة من غيرة في منع التيار الجارف والمد الجائر ضد لغة القرآن".
ويجري الدكتور سليمان سحاري حواراً على لسان الشعر الفصيح والشعر العامي، ومما قال على لسان الشعر الفصيح:
لغتي الأصيلة لا أقدم غيرها
للجيل أسكب بالبيان مشاعري
ويقول على لسان الشعر العامي:
الناس للشعبي قطّ استحسنوا
ووسيلة الإعلام أفضل ناصر.
لقد أشار الشاعر إلى نقطة مهمة جداً، وهي أن الإعلام هو الذي يحفّز الشباب العربي على العامية؛ لأن معظم المذيعين لا يشجعون الشباب العربي على الفصحى.
ومن أبشع ما دخل على العربية في بعض البلدان العربية كسر العربية لدى الهنود والبنغاليين، وغيرهم من الوافدين على هذه البلدان، وهذا الكسر أثر في الناشئة؛ لأن هؤلاء الوافدين هم الأكثر في هذه البلدان وخصوصاً السعودية.
اقرأ أيضًا خواطر عن اللغة والكتب 2
أصبحت العربية اليوم غريبةً
وقد أصبحت العربية بين بعض أبنائها اليوم غريبةً عليهم، فأنكروا دراستها والحديث بها، ويشعرون بالتخلف عند الكلام بها في كثير من الأحيان، ويحتجون بأن القواعد هي التي صعَّبت اللغة، فوجدوا العامية ملاذاً من هذا الخناق والتضييق، ولأنهم يسرعون في الكلام وجدوا ضبطَ القواعد العربية يشكّل صعوبة أكثر، فغيّروا كل الجذور.
وبالنهوض بالتوجيهات وإنشاء المجامع اللغوية في السعودية، وبعمل بعض المجامع اللغوية في سوريا، وفي مصر، وفي الأردن، عاد للعربية فضلها، وكان العلماء في هذه المجامع يتصدون للقضايا اللغوية المهمة، ويعقدون المؤتمرات يناقشون الموضوعات التي لها علاقة باللغة العربية وآدابها، ومجمع اللغة العربية في مكة المكرمة على الشبكة يستضيف اللغويين من الأوطان العربية ويبث أخبارها الأسبوعية ليستفيد منها العربي وغيره.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.