يحتل فيلم "العصفور" المركز الخامس والأربعين في قائمة أفضل 100 فيلم مصري في تاريخ السينما المصرية، وقد عُرِض الفيلم في عام 1972، ويُصنَّف على أنه دراما سياسية اجتماعية.
قصة فيلم "العصفور"
يتحدث فيلم "العصفور" عن الكاتب الصحفي يوسف الذي يجري تحقيقًا صحفيًّا يخص السرقة التي تحدث في القطاع العام، وخلال هذا التحقيق يعرف أن مصنعًا لم يكتمل بناؤه في قرية بالصعيد، وهذا المصنع تُسرق كل معداته، فيبحث عن علاقة ذلك بالسلطة، وعلى الجانب الآخر توجد بهية التي تعمل خياطة في حي الحسين حتى تستطيع أن توفر معيشة كريمة لابنتها الطالبة الجامعية، ولديها غرفة سكنية تؤجرها لشرائح مختلفة من الشعب المصري، إلى أن تقع نكسة يونيو 67.
يجلس الجميع يستمعون إلى البيانات الكاذبة التي تصدرها الدولة حتى لا يشعر الشعب بالإحباط، إذ كانت البيانات تدعي إسقاط طائرات العدو، إلى أن يأتي يوم التاسع من يونيو، حين يظهر الرئيس المصري جمال عبد الناصر ويعلن خطاب التنحي، ولكن بهية تخرج إلى الشارع وتهتف: "هنحارب هنحارب!"، وكأن بهية هي هذا العصفور الذي خرج من القفص المزدحم بالأكاذيب التي كان يرددها الإعلام في هذا الوقت.
أبطال فيلم "العصفور"
أدى بطولة "العصفور" كوكبة من أبرز نجوم الفن، منهم:
- الفنانة محسنة توفيق في دور بهية
- الفنان محمود المليجي في دور جوني
- الفنان علي الشريف في دور الشيخ أحمد
- الفنان صلاح قابيل في دور يوسف فتح الله
- الفنان سيف عبد الرحمن في دور رؤوف
- الفنان صلاح منصور في دور إسماعيل
- الفنان محمود قابيل في دور رياض
- الفنانة مريم فخر الدين في دور الأم
- الفنان حمدي أحمد في دور عوف
- بالإضافة إلى عبد الوارث عسر، حسن البارودي، أحمد بدير، سعيد عبد الغني، رجاء حسين، وعبد الغني ناصر.
منع فيلم "العصفور" من العرض
صُوِّر فيلم "العصفور" في عام 1972، وتدور أحداثه عن هزيمة 5 يونيو 1967 أو ما يُطلق عليها نكسة 67، متناولًا الأوضاع الداخلية للبلاد. وبعد انتهاء المخرج يوسف شاهين من تصوير الفيلم، ذهب إلى فرنسا لتحميض وطباعة النسخة النهائية ليكون جاهزًا للعرض، ولكنه واجه اعتراضًا من المصنفات الفنية؛ بسبب تركيزه على ما يدور من أحداث داخلية في البلاد، ما أدى إلى منع الفيلم نهائيًّا من العرض.
يوسف شاهين يلجأ إلى الجزائر
لم ييأس المخرج يوسف شاهين، وذهب إلى الجزائر، إذ كان يوجد هناك النيجاتيف الأصلي للفيلم، فطبع الفيلم من جديد وعرضه هناك، وحقق نجاحًا ساحقًا، ثم عُرِض في مهرجان كان السينمائي في فرنسا، فنال إعجاب الجمهور والنقاد، كما عرضه أيضًا في مهرجان بيت مري في لبنان.
عرض فيلم "العصفور" في مصر
بعد انتصار الجيش المصري في حرب 1973 على العدوان الإسرائيلي، بدأ الجميع يطالب بإعادة عرض فيلم "العصفور"، خاصة أنه عُرض في عدد من المهرجانات من قبل، وشاهده الجمهور في دول عربية عدة. وكان وزير الثقافة وقتها هو يوسف السباعي الذي وافق على عرض الفيلم في 1974، ولكنه لم يحقق أي نجاح جماهيري يُذكر، إذ لم تتخطَّ إيراداته 5000 جنيه.
اتهام يوسف شاهين بمجاملة السلطة
اتُّهِمَ يوسف شاهين بمجاملة السلطة، وذلك بسبب ما كتبه في بداية الفيلم: "العصفور لم يكن يستطيع أن ينطلق لولا الانطلاقة الكبرى للإنسان المصري في يوم 6 أكتوبر العظيم"، وشعر البعض أن يوسف شاهين كتب هذه الجملة ليُسْمَح بعرض الفيلم داخل مصر.
حكاية "مصر ياما يا بهية"
من أهم أحداث الفيلم التي علقت بأذهان الجمهور هي أغنية "مصر ياما يا بهية" التي تقول كلماتها: "مصر ياما يا بهية، يا أم طرحة وجلابية، الزمن شاب وانت شابة، هو رايح وانتِ جاية".
هذه الأغنية كتبها الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، وغناها الشيخ إمام، كما غنتها الفنانة محسنة توفيق داخل الفيلم، وقد عُرِضت أجزاء منها ضمن أحداث الفيلم:
يسبق كلامنا سلامنا يطوف ع السامعين معنا
عصفور محندق يزقزق كلام موزون وله معنى
عن الأرض سمرا وقمرا
وضفة ونهر ومراكب
ورفاق مسيرة عسيرة
وصورة حشد ومواكب
في عيون صبية بهية
عليها الكلمة والمعنى
مصر يمه يا بهية
يا أم طرحة وجلابية
الزمن شاب وأنتِ شابة
هو رايح وأنتِ جاية
جاية فوق الصعب ماشية
فات عليكِ ليل ومية
واحتمالك هو هو
وابتسامتك هي هي
تضحكي للصبح يصبح
بعد ليلة ومغربية
تطلع الشمس تلاقيكِ
معجبانية وصبية
يا بهية
الليل جزاير جزاير
يمد البحر يفنيها
والفجر شعلة هاتعلى
وعمر الموج ما يطويها
والشط باين مداين
عليها الشمس طوافة
إيدك في إيدنا
ساعدنا
دي مهما الموجة تتعافى
بالعزم ساعة جماعة
وبالإنصاف نخطّيها
مصر يمه يا سفينة
مهما كان البحر عاتي
فلاحينك ملاحينك
يزعقوا للريح يواتي
اللي ع الدفة صنايعي
واللي ع المجداف زناتي
واللي فوق الصاري كاتب
كل ماضي وكل آتي
عقدتين والتالتة تابتة
تركبي الموجة العفية
توصلي بر السلامة
معجبانية وصبية
يا بهية
ويعود كلامنا فسلامنا يطوف ع الصحبة حلواني
عصفور محني يغني
ع الأفراح ومن تاني
يرمي دي الغناوي تقاوي
تبوس الأرض تتحنى
تفرح
وتطرح
وتسرح
وترجع تاني تتغنى
اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني
حكاية القبض على الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم
كانت وزارة الداخلية مشغولة بالقبض على الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم بسبب الأغنية التي كتبوها بسبب زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون إلى مصر، التي كانت تحمل اسم "شرفت يا نيكسون بابا"، التي تقول كلماتها:
شرفت يا نيكسون بابا
يا بتاع الووترجيت
عملوا لك قيمة وسيما
سلاطين الفول والزيت
فرشوا لك أوسع سكة
من رأس التين على مكة
وهناك تنفد على عكا
ويقولوا عليك حجيت
ماهو مولد ساير داير
شيء لله يا أصحاب البيت
جواسيسك يوم تشريفك
على كيفك نصبوا الزار
تتقصع فيه المومس
والقارح والمندار
جواسيسك يوم تشريفك
عملوا لك دقة وزار
تتقصع فيه المومس
والقارح والمندار
والشيخ شمهورش راكب
على الكوديا وهات يا مواكب
وبواقي الزفة عناكب
ساحبين على حسب الصيت
طبعًا
ماهو مولد ساير داير
شيء لله يا أصحاب البيت
شرفت يا نيكسون بابا
يا بتاع الووترجيت
عملوا لك قيمة وسيما
سلاطين الفول والزيت
فرشوا لك أوسع سكة
من رأس التين على مكة
وهناك تنفد على عكا
ويقولوا عليك حجيت
ماهو مولد ساير داير
شيء لله يا أصحاب البيت
عزموك فقالوا تعالَ
تاكل بونبون وهريسة
قمتَ أنتَ لأنك مهيف
صدقتَ إن إحنا فريسة
طبيت لحقوك بالزفة
يا عريس الغفلة يا خفة
هات وشك خد لك تفه
شوبش من صاحب البيت
ماهو مولد ساير داير
شيء لله يا أصحاب البيت
شرفت يا نيكسون بابا
يا بتاع الووترجيت
عملوا لك قيمة وسيما
سلاطين الفول والزيت
فرشوا لك أوسع سكة
من رأس التين على مكة
وهناك تنفد على عكا
ويقولوا عليك حجيت
ماهو مولد ساير داير
شيء لله يا أصحاب البيت
خد مني كلام يبقى لك
ولو أنك مش هتعيش
لا هقول أهل ولا جهل
ولا تيجي ولا ما تجيش
بيقولوا اللحم المصري
مطرح ما بيسري بيهري
وده من تأثير الكشري
والسوس والفول أبو زيت
يا خواجة
ماهو مولد ساير داير
شيء لله يا أصحاب البيت
شرفت يا نيكسون بابا
يا بتاع الووترجيت
عملوا لك قيمة وسيما
سلاطين الفول والزيت
فرشوا لك أوسع سكة
من رأس التين على مكة
وهناك تنفد على عكا
ويقولوا عليك حجيت
ما هو مولد ساير داير
شيء لله يا أصحاب البيت
ولكن أجهزة الأمن لم تتمكن من العثور عليهما، وكانت فرصة أجهزة الأمن الوحيدة للقبض عليهم هي في أثناء عرض الفيلم في سينما رمسيس، ولكنهم خافوا أن يتضامن معهم الموجودون داخل قاعة السينما.
وفي هذا الصدد، يقول الكاتب صلاح عيسى في كتابه (شاعر تكدير الأمن العام): "اشترك الشاعر أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى في الفيلم بأغنية: مصر يا أمة يا بهية.. يا أم طرحة وجلابية.. الزمن شاب وأنتِ شابة.. هو رايح وأنتِ جاية.
وكان جهاز أمن الدولة مشغولًا بكيفية القبض عليهما، منذ تأليف نجم لقصيدة "شرفت يا نيكسون بيه" بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي نيكسون لمصر يوم 12 يونيو، وانتظرت سلطات الأمن الفرصة حتى وجدتها في سهرات كان يقضيها الاثنان في منزل سيف الغزالي بالدرب الأحمر، خاصة سهرة يوم 5 يوليو 1976، وحضرها عشرة أفراد".
ويذكر عيسى أن رئيس نيابة أمن الدولة أعطى إذنًا بضبط وتفتيش 16 شخصًا، من بينهم كل الذين حضروا سهرة 5 يوليو، وفي مقدمتهم نجم وإمام، لكن الإذن لم يُنفَّذ خلال المدة المحددة له، وهي 15 يومًا، وطلبت المباحث تجديده، لكن يبدو أن تحديد يوم 26 أغسطس -مثل هذا اليوم- 1975 موعدًا لعرض "العصفور" حال دون تنفيذ الإذن في موعده، إذ الغالب أن سلطات الأمن خشيت أن يُستغل غيابهما عن حفلة العرض الأولى للفيلم لإثارة حملة تضامن معهما.
صُنّاع فيلم "العصفور"
فيلم "العصفور" من إخراج يوسف شاهين، ومشاركة في إنتاجه يوسف شاهين، تولى رشيد عبد السلام عمل المونتاج، كما كتب لطفي الخولي القصة والسيناريو والحوار، وكانت الرؤية السينمائية ليوسف شاهين، في حين وضع علي إسماعيل الموسيقى التصويرية، ولحَّن وغنى الشيخ إمام، وتولى مدير التصوير مصطفى إمام عملية التصوير، أما الديكور فكان من تصميم نهاد بهجت، والصوت من نصيب نصري عبد النور.
يوسف شاهين يتحدث عن فيلم "العصفور"
قال يوسف شاهين عن فيلمه "العصفور": "كسرت النكسة قلب جيلي، لكن الانتصار لم يصالحنا ولم يداوِ جروحنا. على العكس، اكتشفنا الخدعة، واكتشفنا أن الدولة التي كانت تأكلنا بدأت تتفسخ وتأكل نفسها. فقد تقدمتُ بعد سنتين للموافقة على عرض فيلم "العصفور"، بعد أن تعرضتُ لأزمة قلبية أول مرة بسبب ما حدث للفيلم. ودعمتني حملات صحفية تطالب بعرضه في مصر، وفوجئت بالموافقة؛ لأن يوسف السباعي أراد أن يستخدمه ضمن حملة الهجوم على عبد الناصر التي كانت سلطة السادات تخطط لها.
وفعلًا، كان العرض الأول عام 1974، وأضفتُ في المقدمة عبارة تقول: "العصفور ما كان لينطلق لولا الانطلاقة الكبيرة للإنسان المصري يوم 6 أكتوبر العظيم". وللأسف، لم يحقق الفيلم إيرادات، ولم يصمد بدور العرض أكثر من خمسة أسابيع، لكنني كنتُ قد أخذتُ مناعة ضد الإحباط.
وعلى الرغم من أن الوضع العام صار أكثر رداءة، فالسادات جرَّ البلد إلى الانفتاح غير المدروس، وبدأ رحلة التفاوض لفك الاشتباك مع إسرائيل، ودخل بنا في تحولات عكسية أدت إلى فوضى وعشوائية كبيرة تُنذر بكوارث، وهذا ما دفعني إلى التفكير في فيلم "عودة الابن الضال"، ونسيت فيلم "العصفور" تمامًا".
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.