يحتل فيلم البوسطجي المركز الثاني عشر في قائمة أفضل 100 فيلم مصري في تاريخ السينما المصرية، وقد عُرِض الفيلم في عام 1968، ويصنف الفيلم على أنه دراما اجتماعية، سنتعرف في هذا المقال على أبرز المعلومات عن كواليس فيلم البوسطجي.
قصة الفيلم
عباس شاب يعيش في القاهرة يحب حياة المدينة، حيث اللعب واللهو والسهر، يعمل بوسطجي، وفجأة ينتقل للعمل ناظر مركز بريد داخل قرية بسيطة تدعى كوم النحل بمحافظة أسيوط بصعيد مصر.
يتعامل بنوع من التعالي على أهل القرية الذين لا يحبهم، ولا يحب معيشتهم، وهم الآخرين لا يحبوه، ويتركوه وحيدًا بلا صاحب أو صديق أو سامر يؤنسه وحدته، ولا سيما بالليل حين يجلس دون عمل، فلا يجد أمامه مفرًّا لتسلية نفسه في هذه الليالي الطويلة سوى فتح رسائل أهل القرية؛ ليقرأها مستخدمًا بخار براد الشاي المغلي ليذيب صمغ المظروف.
إلى أن تأتيه امرأة في منتصف العمر مليحة الوجه بشوشة على غير ما اعتاد من أهل القرية، تسأل دومًا عن خطابات مرسلة لها، وهذه المرأة تعمل دلالة كبيرة في السن، يتعجب من أمرها، ويقرر فتح رسائلها ليجد رسائل عشق وحب وغرام، فيزداد عجبه؛ لأنها امرأة كبيرة في السن والوصف الموجود بالرسائل لا ينطبق عليها.
فينشغل برسائلها إلى أن يعرف أن هذه المرأة ما هي إلا مرسال غرام بين فتاة وقعت في الخطيئة مع حبيبها، وتطلب من حبيبها أن يأتي لخطبتها والزواج منها قبل افتضاح أمرها، والأب يرفض زواج ابنته من رجل لمجرد أنه عرف اسمها ورأها طبقًا للعادات والتقاليد.
ينشغل البوسطجي كثيرًا برسائل الفتاة وحبيبها الذي نُقِل للعمل بالإسكندرية، ويطلب منها الزواج، ولكن يدخل عليه مساعده الغبي، فيثير غضبه، ويختم الجواب من الداخل على الرسالة وليس المظروف من الخارج.
ويبدأ هنا في صراع داخلي هل يرسل الجواب هكذا للفتاة، ويفتضح أمره بأنه يفتح الجوابات وينقذها، أم لا يرسل الجواب لها، فيقرر قطع الجواب مرجحًا بأن حبيبها سيرسل لها جوابًا آخر، ولكن هذا لم يحدث، فيقرر البحث عن الفتاة التي اسمها جميلة ولا يعرفها، ولكن لا يصل إليها إلى أن يسمع صوت صرخة عالية وأم تبكي وتقول "جميلة".
بينما يخرج والد جميلة وهو يحمل ابنته وهي جثة هامدة تسيل منها الدماء بعد ما قتلها وطعنها بالسكين في صدرها، ويمر بها أمام البوسطجي الذي تسبب في قتلها؛ بسبب إهماله الشديد، فيرى جميلة التي كان يبحث عنها جثة هامدة.
الرواية الأصلية ليحيى حقي ليس اسمها البوسطجي
كتب يحيى حقي رواية قصيرة لم تتجاوز الخمسين صفحة بعنوان (دماء وطين) في عام 1933، وكان قد كتبها في العاصمة التركية أسطمبول، وتتحدث الرواية عما يحدث داخل صعيد مصر في إحدى القرى التي تسمى (كوم النحل) بكل ما فيها من جهل وفقر وتخلف ومرض وشقاء وعادات وتقاليد بالية.
يحيى حقي يعترف بالتأثر بدستويفسكي
قال الكاتب يحيى حقي إنه تأثر في روايته دماء وطين التي صارت فيلم البوسطجي فيما بعد بقصة الأبله لدستويفيسكي، وأضاف قائلًا: "كنت هنا متأثرًا بقصة "الأبله" لدستويفسكي – هذا المحايد الذي لا عليه ولا له، يقلب حياة كل مجتمع يخالطه، ينبش مجرد ظهوره بين أفراد المجتمع كل ما يخفونه من نوازع وعواطف، فيكون هو القنطرة الصماء التي يعبرون عليها إلى مصيرهم.
أبطال فيلم البوسطجي
أدى بطولة فيلم البوسطجي شكري سرحان وزيزي مصطفى وصلاح منصور وسهير المرشدي وحلمي حليم وإحسان شريف وعزت المشد وسيف عبد الرحمن ومشيرة إسماعيل.
سبب منع الفيلم في مهرجانات أوروبا
مُنِع فيلم البوسطجي من العرض في سينمات أوروبا؛ بسبب مشهد النهاية الذي يذبح فيه البطلة، وكان هذا المشهد يحمل كثيرًا من العنف والصدمة للجمهور، وهذا غير موجود بالرواية، إذ كانت النهاية بالرواية مفتوحة.
اندماج صلاح منصور
في أحد مشاهد الفيلم كان الفنان صلاح منصور يؤدي مشهد يطعن فيه الفنانة زيزي مصطفى بالسكين في صدرها، وكان يستخدم سكينًا بسوستة، ولكن يبدو أنها لم تكن تعمل جيدًا، واندمج الفنان صلاح منصور كثيرًا، وطعن الفنانة زيزي مصطفى بالسكين في صدرها، فكانت الطعنة حقيقية؛ ما أصابها بجرح ولكن لم يكن الجرح عميقًا، وكان مجرد جرح سطحي، واعتذر لها كثيرًا بعدها.
واقعية المخرج حسين كمال
صور المخرج حسين كمال مشاهد فيلم البوسطجي داخل إحدى قرى محافظة أسيوط بصعيد مصر تسمى (النخيلة)، وهذا جعل المشاهد يشعر بأنه داخل قرية فعلًا، ويتعامل مع الفيلم التعامل الواقعي.
فارق جوهري بين الرواية والفيلم
من الفروق الجوهرية بين الرواية والفيلم هو قصة حب البطلة وسبب رفض هذا الحب، ففي الرواية السبب أنها أحبت شخصًا يختلف عنها مذهبيًّا، وهذا الأمر الذي استبدل في الفيلم، فأصبح سبب ضياع هذا الحب هو أنها كانت تحب هذا الشخص قبل الزواج ومرتبطة به عاطفيًّا.
أهم القضايا التي يناقشها الفيلم
يناقش الفيلم عددًا من القضايا، أبرزها حالة الجهل والفقر التي يعاني منها سكان القرى، ولا سيما في صعيد مصر، ويناقش قضايا ازدواجية المعايير، فالأب الذي اغتصب عاملة لديه هو نفسه الذي رفض زواج ابنته بشخص لمجرد أنه رآها وهو الذي قتل ابنته.
البوسطجي 1948
ما لا يعرفه كثيرون أنه يوجد فيلم آخر يحمل اسم البوسطجي أنتج في عام 1948 بطولة محمود شكوكو وسراج منير وإخراج كامل التلمساني.
البوسطجي يحصد جوائز السينما
حصل فيلم البوسطجى على تسع جوائز بمهرجان السينما، وذلك بحضور المخرج العالمي روسيلليني، وأقيم المهرجان تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية التي كان يرأسها وقتها ثروت عكاشة، وجاءت الجوائز على النحو التالي:
الجائزة الأولى: جائزة السيناريو وحصل عليها الكاتب صبري موسى.
الجائزة الثانية: جائزة القصة وحصل عليها الكاتب الكبير يحيى حقي.
الجائزة الثالثة: جائزة الإخراج وحصل عليها حسين كمال.
الجائزة الرابعة: جائزة التصوير وحصل عليها المصور أحمد خورشيد.
الجائزة الخامسة: جائزة التمثيل وحصل عليها الفنان شكري سرحان.
الجائزة السادسة: جائزة المونتاج وحصلت عليها رشيدة عبد السلام.
الجائزة السابعة: جائزة الديكور وحصل عليها حلمي عزب.
الجائزة الثامنة: جائزة الإنتاج وحصل عليها شركة القاهرة، وهي واحدة من شركات مؤسسة السينما.
الجائزة التاسعة: جائزة الحوار وحصل عليها أيضًا الكاتب صبري موسى.
رأي الكاتب الساخر الكبير محمود السعدني في فيلم البوسطجي
كان للكاتب الساخر محمود السعدني رأي شهير في فيلم البوسطجي نشره بمجلة صباح الخير الشهيرة وقتها وقال في المقال: "أفلامنا جميعًا مجرد حواديت كما حواديت أمنا الغولة، وأبطالها جميعًا يسلكون ثلاث سكك لا غير: سكة السلامة وسكة الندامة وسكة اللي يروح ولا يرجعش، وهي غالبًا قصة صراع بين امرأة بيضاء كالبفتة، ورجل شرير كالشيطان، أو امرأة شريرة كالذئبة، ورجل طيب كعمنا الشيخ عبد الباسط عبد الصمد؛ لذلك هي كلها ساذجة، كلها هايفة تافهة؛ لذلك يظهر فيلم "البوسطجي" كالخيارة وسط حقل الفجل، وهى محاولة تثبت أننا نستطيع أن نصنع أفلامًا خيرًا من التي صنعناها، وأنه لا ينقص أفلامنا إلا بعض العقول التى تفكر وبعض الأفكار التى خرجت من عقول، وعلى الرغم من تأثير فيلم "زوربا" على كاتب السيناريو، وبعض الأخطاء في اختيار الممثلين، والتلفيق في الحوادث، فإنه فيلم طيب وبشرة خير تؤكد أننا كسبنا مخرجًا طيبًا هو حسين كمال، وكاتب سيناريو ممتاز هو صبري موسى، ونجمة سيصبح لها مكانة مرموقة في المستقبل هي زيزي مصطفى لو اهتمت بتخفيض وزنها".
صناع فيلم البوسطجي
فيلم البوسطجي أخرجه حسين كمال عن رواية الكاتب الكبير يحيى حقي، وكتب السيناريو والحوار للفيلم الكاتب صبرى موسى، وتصوير أحمد خورشيد، والمونتاج لرشيدة عبد السلام، والديكور للمهندس حلمي عزب، والفيلم من إنتاج شركة القاهرة التابعة لمؤسسة السينما.
ترتيب فيلم البوسطجي ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في السينما العربية
يحتل فيلم البوسطجي المرتبة الخامسة والثلاثين ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما العربية، وذلك بمهرجان دبي السينمائي الدولي في عام 2013 في دورته العاشرة.
من أروع ماقدمت السينما المصرية
من أروع ماقدمت السينما المصرية
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.