لا يختلف اثنان أن تربية الأبناء باتت من الصعوبة بمكان في هذا الزمان الذي نحياه بكل ما فيه من مؤثرات ومشتتات وإغراءات. فما السبيل إذن لتربية أطفال أصحاء أسوياء في ظل الضغوط الكبيرة المعيشية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها معظم الأسر في بيئاتنا العربية؟
علاقة حب
إن أبسط شيء يمكن للأبوين أن يقدماه لأطفالهما في عصر طغت عليه المادة، هو الحب، لا يكلفهم شيئًا، ولا يأخذ من وقتهم أو جهدهم كثيرًا، فإن كانت ظروفك الاقتصادية لا تسمح بأن تغدق عليهم المال، وتحقق لهم كل الأماني الممكنة، فليسعهم منك الحب والحنان والرعاية والاهتمام.
إشباع احتياجات الطفل العاطفية يجب أن تظل على رأس أولويات الآباء والأمهات منذ لحظة الميلاد. فحاجة الأبناء للحب والحنان من الوالدين لا تنتهي عند سن معينة، ولا يمكن الاكتفاء منها عند حد معين، بل الطفل بحاجة إلى مزيد من الحب والحنان والرعاية والاهتمام، ولتحقيق ذلك يتطلب من الآباء والأمهات التضحية بوقتهم وجهدهم.
أحد الأخطاء التربوية التي يقع فيها كثير من الآباء والأمهات تحديدًا العاملات منهن هذه الأيام، هو تغافل احتياجات أبنائهم العاطفية، والنظر إليها على أنها أشياء ثانوية لا قيمة لها، مقارنة بالاحتياجات الأخرى مثل توفير المأكل والملبس والمشرب.
فتجد هذه النوعية من الآباء والأمهات يبذلون غاية جهدهم في توفير هذه الاحتياجات؛ ظنًّا منهم أنها الاحتياجات الأساسية التي لا غنى عنها لأبنائهم، لدرجة تجعلهم دومًا تحت ضغط توفير هذه الاحتياجات، فتجدهم معظم الوقت في غضب وعصبية ولا يتحملون كلمة من أبنائهم، وإن حدث، فيكون الجواب: احنا طالع عنينا عشان خاطرك!
وقع هذه الكلمات على الأبناء قاسٍ؛ لأنهم ببساطة لا دخل لهم في ذلك؛ لأن دور الأب والأم توفير الاحتياجات الأساسية للأبناء في ظل الإمكانات المتاحة، والسعي الدائم لتحسين المعيشة لهم، فذلك أفضل أنواع الجهاد في الوقت الذي نحياه من غلاء وبلاء وأوبئة، ولا يعني ذلك أن تعايرهم بين الحين والآخر بأنك تكد وتتعب من أجلهم، خاصة إذا كانت مطالب الابن بسيطة، يرغب في الجلوس والتحدث معك، أو احتضانه ودعمه بكلمة تشجعه وترفع معنوياته.
لغة حب طفلك
لكل طفل لغة حبه المفضلة. فيوجد أطفال تأسرهم الكلمة الحلوة، الابتسامة الجميلة، وأطفال آخرون، يعشقون الهدايا والمفاجآت، وصنف ثالث يفضِّلون الاحتضان والقبلة الحانية أي لغة التلامس الجسدي، ويوجد قطاع عريض من الأبناء يحب كل ما سبق، وهنا يتعين على الوالدين معرفة لغة الحب المفضلة لدى ابنه ويحاول إشباعها.
ولا يتحقق ذلك إلا بالوقت الذي يخصصه الوالدان للجلوس مع أبنائهما والقرب منهم، فالبنت التي بمجرد أن تسمع صوت فتح الباب مع عودة والدها من العمل، تجري عليه وترتمي في أحضانه، وكأن حضن الأب هو العالم بأسره، وهذه رسالة مخفية تقول للأب: أكثِر من احتضانك لي، فحضنك يمثل لي العالم بأسره.
البنات تحديدًا -وهن المؤنسات الغاليات، حبات القلوب، زهرات البيوت، السراج الذي يضيء بيوتنا- بحاجة أكثر لكلمات الحب والثناء والتشجيع، عندما تراها تساعد أمها في أعمال البيت، امدحها بكلمة طيبة، عانقها عناق المحب، اطبع قبلة حانية على وجنتيها وأخبرها بأنها أجمل هدية أرسلها الله لك.
ماذا عن ابنك الشاب اليافع؟
الذكور بحاجة إلى من يقترب من عالمه، يداعبه بكلمات جيله، يشاركه اهتماماته المفضلة، يستمع إليه أكثر مما يتحدث إليه بالتوجيهات والنصائح، يذهب معه لمباراة كرة قدم رفقة أصدقائه ويشاركه لعبته المفضلة، أنت بذلك توصل له رسالة مؤداها: أنا أحبك.. أنا أقدرك.. مكانتك في قلبي كبيرة، حتى إنني أقتطع من وقتي لكي أمضي معك وقتًا جميلًا.
أيًّا كانت لغة الحب التي يفضلها ابنك/ ابنتك، المهم أن تكون دون قيد أو شرط؛ لأن الحب المشروط يدمر العلاقة بين الآباء والأبناء، يجعلها أشبه بعلاقات المصالح، وهذه ليست طريقة تربية، فالحب أساس العلاقات الإنسانية، فما بالنا بمن هم أقرب الناس إلينا، أبناؤنا فلذات أكبادنا، نعطيهم الحب دون شروط، لكي نبني معهم وبهم جسورًا من التواصل حتى دون أن نطلب.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.