«آنستنا يا عيد» لعلي الآنسي الأغنية اليمنية للاحتفال بالعيد

لفرحة العيد لونها الساحر وثوبها الباهر في الأغنية العربية، فنجد من ذلك مثلًا أغنية «من العايدين» لمحمد عبده، و«يا ليلة العيد» لأم كلثوم، و«أهلًا بالعيد» وهي من أشهر الأغاني لفرقة الثلاثي المرح المصرية التي اشتهرت أيضًا بأغنية «سبحة رمضان». 

ومن بين كل الأغاني اليمنية الخاصة بمناسبة العيد والأكثر حضورًا في وجدان الإنسان اليمني هي أغنية «آنستنا يا عيد» التي يقف وراءها عملاقا شعر وأغنية، الشاعر الراحل عباس محمد المطاع، وعملاق اللحن والأداء الفنان الراحل علي بن علي الآنسي (1933 - 1981) الذي يعد أحد أساطين الفن اليمني المجددين، والذي أضفى وأضاف على الأغنية اليمنية لونًا خاصًا عُرف به أداءً ولحنًا، مثلما كان لمعظم فناني اليمن من جيله بصمة ولون خاص يميز كل واحد منهم عن غيره.

أمثلة لأغنيات علي بن علي الآنسي

ومن بديهيات القول أن الفنان الراحل الآنسي لم يتربع على عرش الأغنية اليمنية بـ«آنستنا يا عيد» وحدها، فله عشرات -إن لم تكن مئات- الأغاني التي اشتهرت له على نطاق واسع، وتناول عدد كبير من الفنانين أغانيه على مدى عقود في حياته حتى اليوم، وعُرف الآنسي أيضًا بمستوى الأداء الذي يصعب على كثير من الفنانين مجاراته فيه، مثل أغنية «يا شاري البرق من تهامة» وأغنية «يا ربة الصوت الرخيم». فعلى حد علمي القاصر حتى الآن لم تُسمع الأغنيتان بغير صوت الآنسي وباللحن ذاته الذي وضعه لكل منهما. وبالمناسبة فإن هاتين الأغنيتين «يا شاري البرق من تهامة» و«يا ربة الصوت الرخيم» هما لشاعر يمني قديم يحمل اسم الفنان ذاته، هو الشاعر علي الآنسي، ويحمل ابنه اسمًا ثلاثيًا مطابقًا لاسم الفنان، هو الشاعر علي بن علي الآنسي، فقد كان كل منهما شاعرًا له أعذب قصائد الغزل «الحُميني» المغناة في اليمن في زمنهما. 

لقب الفنان علي بن علي الآنسي

ومن بين الألقاب التي عُرف بها الآنسي لقب «عبد الوهاب اليمن» الذي أطلقته عليه الصحافة المصرية عقب لقاء جمع بينه وبين «موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب في مستشفى غمرة بالقاهرة، وأصل الحكاية كما ترويها بعض المصادر، أن الآنسي في عام 1963م كان قد تعرض لحادث مروري مروع، نُقل على إثره للعلاج في جمهورية مصر العربية، وهناك كانت زيارة يقوم بها بعض فناني مصر حينها لأشقائهم من المرضى المصريين أو العرب الذين قدموا للعلاج، هكذا كان اللقاء الأول بين العملاقين، واستمع عبد الوهاب فيما بعد التعارف إلى أغنية الآنسي «باسم هذا التراب»، فأُعجب بصوته وأدائه ولحن الأغنية، وفـي اليوم التالي خرجت الصحف المصرية بعنوان «عبد الوهاب مصر يلتقي عبد الوهاب اليمن». 

تربع الفنان الراحل علي الآنسي على عرش الأغنية اليمنية بفضل أغانيه الفريدة

وبالعودة إلى الأغنية «آنستنا يا عيد» فهي من كلمات الشاعر اليمني عباس محمد المطاع (1928 - 1993) وهو شاعر لا يقل في مستواه الأدبي عن الفنان علي بن علي الآنسي، فالشاعر المطاع من شعراء الأغنية اليمنية المعدودين، وكانت لقصائده حظوة كبيرة لدى كثير من الفنانين اليمنيين، وكان الآنسي من بينهم في أكثر من أغنية، منها أغنية «من علمك يا طويل العمر» المميزة بقصتها الاجتماعية المؤثرة التي كانت في حياة الشاعر. ويقول فيها: 

وأنت يا عاذلي حُميت ما أكثر فضولك… ما بين أهل الصفا 

جالس بتلعب لعبْ جاهل بعرضك وطولك… شلوا وشك والقفا 

إن كان عقلك مريض خليتهم يفقعوا لك… وفوتحوا لك شفا 

وسيطول الحديث هنا في بيان معاني الكلمات، لذلك نتركه حتى نفسح المجال لتوضيح ما يلزم من كلمات قصيدة الأغنية «آنستنا يا عيد». لكن فقط إنصافًا لمقام الشاعر الراحل عباس المطاع نذكر أن له من أجمل القصائد «نحن الشباب»، «رجل المرور»، «يا سائلي عن هوى المحبوب لا تسأل»، وغيرها كثير من الأغاني الثورية والعاطفية. 

وبخصوص أغنية «آنستنا يا عيد» التي عُرفت أيضًا بعنوان «اضحك على الأيام» التي كان ميلادها في آخر ليلة من رمضان عام 1964م، فإنه عدا ما ذكرناه عنها آنفًا، تذكر معظم المصادر المتوفرة ومنها رواية الشاعر الدكتور إبراهيم أبو طالب، إذ يقول: «إن كلمات الأغنية كانت وليدة اللحظة، وجرى تأليفها في ليلة عيد، كان يجتمع فيها كل من الفنان علي بن علي الآنسي، والشاعر عباس المطاع، وأحد المسئولين في إذاعة صنعاء، وحينها كان النقاش يدور حول أغنية عيدية لجمهور اليمنيين كما هو حاصل في معظم الأقطار العربية، وفي تلك الليلة توفرت كل العناصر لعمل أغنية عيدية، فكتب المطاع كلماتها، ولحَّنها الآنسي، وبثتها إذاعة صنعاء، وظلَّت منذ ذلك الوقت تُبث في كل أيام عيد الفطر المبارك وعيد الأضحى المبارك». 

سبب شهرة أغنية «آنستنا يا عيد»

هكذا نفهم أن أغنية «آنستنا يا عيد» يعود سر خلودها وشهرتها في وجدان الإنسان اليمني لعدة عوامل، من بينها -عدا عن شهرة وإبداع كل من الفنان والشاعر-: 

1- ارتباط الأغنية بالمناسبة الدينية (عيد الفطر والأضحى المبارك) وهما من أهم المناسبات في حياة المسلمين، كان لا بد من إظهار الفرحة والاحتفاء بهما بطريقة إبداعية، وهنا لو كانت القصيدة وحدها دون ثوب الأغنية، لربما خُلِّدت في ديوان روائع الشعر اليمني ليطلع عليها الأدباء والشعراء والمهتمين بهذا المجال دون غيرهم، لكن الأغنية بلحنها وأداء الآنسي المتفرد لها خلَّدها في وجدان كل يمني، سواء اليمني المثقف أو غيره من عامة الناس البسطاء. 

2- بثُّها على أثير إذاعة صنعاء، وهي إذاعة وطنية ذات نطاق بث واسع بموجة متوسطة استطاعت أن تغطي في الأقل معظم دول الإقليم الآسيوي والإفريقي بمن فيهم دول فيها جاليات عربية ويمنية ذات اهتمام فني، وفي زمن كان فيه البث الإذاعي يحظى بمتابعة جماهيرية كبيرة. 

3- تكرار إذاعة الأغنية في مناسبتي عيد الفطر والأضحى عبر البث الإذاعي والتليفزيوني ومن مختلف الإذاعات اليمنية والقنوات التليفزيونية أسهم على نحو كبير في تأكيد مميزات الأغنية وثوبها اليمني البهي. 

4- تصوير الأغنية لسلوك أو صورة الإنسان اليمني وسلوكه وأخلاقه في أيام العيد التي لا بد أنها لا تختلف عن أخلاقيات دين الإسلام الحنيف، ولا تحيد عن قيم وأخلاق الهوية العربية اليمنية. 

الشاعر عباس محمد المطاع من شعراء الأغنية اليمنية المعدودين

لماذا «آنستنا يا عيد»؟

سؤال مهم للدخول في أجواء القصيدة أو الأغنية، والجواب برأيي الشخصي لأنها تأتي في توديع شهر رمضان المبارك واستقبال عيد الفطر، فكأن كلمة (آنستنا) تؤكد أن فرحة العيد جاءت لتؤنس قلوبنا الحزينة على فراق وتوديع شهر رمضان المبارك.

ومن الملاحظات أن القصيدة لم تُغنَّ بأبياتها كاملة لطولها، والفنان الراحل اختار منها فقط الأبيات التي رأى أنها الأجمل والأكثر تأثيرًا بأسلوب النصيحة. كتبت الأغنية بنظام القصيدة الموشحة، وهو لون اشتهر في الأندلس قديمًا وفي الأغنية اليمنية. ونختار نحن من أبيات القصيدة، ما يلي:

اضحك على الأيام      وابرد من الأوهام

وامرح مع الأنغام        وافرح بهذا العيد

آنستنا يا عيد      آنستنا يا عيد 

سلم على احبابك        واهلك واصحابك

وقل لمن عابك       مبروك عليك بالعيد

آنستنا يا عيد     آنستنا يا عيد 

الجاهل اضحك له         وان كان عديم دله

ومن حنق قله            مش وقت يا خي عيد

آنستنا يا عيد     آنستنا يا عيد 

مش وقت قالت قال      ودحس عال العال

وما يهم البال             خليه لبعد العيد

آنستنا يا عيد     آنستنا يا عيد 

واحذر من التجريح       حتى ولو تلميح

وللخطا تصحيح       لا سيما في العيد

آنستنا يا عيد     آنستنا يا عيد 

خليك بين الناس        شاطر لبيب حسَّاس

لا باس عليك لا باس      ارتاح واهنا العيد

آنستنا يا عيد     آنستنا يا عيد 

واعطف على السائل     وادِّي له الحاصل

فدمعه السائل             يمحق عليك العيد

آنستنا يا عيد     آنستنا يا عيد 

كم من فقير يا ذاك      مشتاق إلى لقياك

اللـه لا ورَّاك        دمع الفقير في العيد

وان كنت فاعل خير      فالأهل قبل الغير

وان قلت ما ناش حير     فليش قالوا عيد

آنستنا يا عيد     آنستنا يا عيد 

معاني الكلمات 

ابرد: دع واترك لتستريح. 

عابك: عاب فيك ولامك.

عديم: بمعنى الجاهل أو الأحمق. 

دله: بكسر الدال في العامية اليمنية وهي هنا بمعناها الفصيح أي ارشده. 

حنق: زعل.  

مش وقت: ليس هذا الوقت المناسب للزعل. 

مش وقت قالت قال: ليس هذا وقت نقل الأخبار المستفزة كفلان قال عنك كذا وكذا. 

ودحس عال العال: سلخ الجلد بمهارة عالية وهي صورة لمن يبحث أو يختلق المشكلات بين الناس. 

ادي له الحاصل: أعطه ما توفر معك حتى لو كان قليلًا. 

يمحق عليك العيد: بمعناها الفصيح أي يُذهب عليك بركة العيد. 

وإن قلت ما ناش حير: إن قلت إني لا أستطيع. والشطر الأول فعل الشرط في حين جوابه الشطر الثاني (فليش قالوا عيد): لماذا سُمي العيد إذًا؟ 

وواضح تمامًا أن القصيدة أقرب إلى الفصحى عدا عما ذكرنا بيانه بإيجاز، وهو أيضًا ليس موغلًا في العامية فلا يفهمه إلا أهل اليمن، خاصة كلمة (يمحق) التي يستخدمها اليمنيون بمعناها القرآني في قوله تعالى: ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات) صدق الله العظيم، أيضًا كلمة (لا سيما). وهذه الفصاحة ليست غريبة على أهل اليمن الموصوفين من قديم الزمن أنهم أرباب الفصاحة والملاحة والسماحة والصباحة.

أما عن الشاعر المطاع فإنه أبدع في هذه القصيدة مرتين، أولًا كتبها في وقت قياسي (ساعة أو أقل كما تقدم في جلسة لقاء)، ثانيًا أنه مع ذلك ضمَّن القصيدة هذا المزج البديع بين العامية والفصحى، حتى إن القصيدة تشرح نفسها للسامع وتمكِّنه من رحيق معانيها دون عناء، وفي هذا دلالة على عبقرية شاعر متفرد، قادر على تطويع الكلمة وإطلاقها في صميم المعنى المراد، لتكون رسالة القصيدة ككل واضحة صريحة مباشرة في ثوب بهي. 

كذلك هي عبقرية اللحن والأداء للفنان الآنسي، في وقت قصير جدًا استطاع نسج الثوب اليماني الأجمل للقصيدة، جامعًا بين أصالة اللحن ورونق التجديد، ثم بالأداء المتفرد الذي تميز به «الآنسي» عزفًا على أوتار (القلوب الأرق والأفئدة الألين) ليكون ميلاد الأغنية «آنستنا يا عيد» بهذا البهاء والجمال والتجلي، ولتبقى خالدة في عذوبتها، قادرة أن تبعث روح العيد من جدثه بعد أكثر من 60 عامًا على ميلادها، خاصة في زمن الحروب والأزمات الإنسانية المفزعة التي يعيشها اليمنيون منذ دهر. 

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

ان تجعل التعرف علي الشعوب المختلفة بشكل موسيقي وبمثابة تهنئة للجميع من حولك بالعيد موفق دوما ان شاءالله
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

سيدتي الأرقى
إسمك وكلماتك الطيبة هي التهنئة الأجمل لكل قلب.
دمتي في تألق وإبداع 🌹🌹🌹
أضف ردا

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.