تفتح عينيك بعد ليلة قضيت ثُلثها وأنت تُصارع الأرق والوساوس والتساؤلات غير النهائية، فتحدق إلى سقف الغرفة متسائلًا ما إذا كان من الضروري أن تُفارق سريرك.
فأنت لا ترغب في ذلك، لافتقادك الطاقة والشغف وعددًا من الأشياء الأخرى، وإنك تشعر بكل شيء وبلا شيء في الوقت ذاتِه، فتسأل نفسك: «لمَ لا أزال حيًّا؟».
اليوم سأحدثك عن «الاكتئاب»، تلك الحالة التي تدفعك إلى عيش تلك اللحظة الصباحية التي سردتها أعلاه، فقد تكون مألوفة لك أو أنك رأيتها في أحد أصدقائك، وقد لا تكون.
أجل، ما تشعر به أحيانًا من مشاعر سيئة وكذا ليس اكتئابًا بالضرورة، وإنما هو حزن من الطبيعي أن يُصيبك كونك إنسانًا تهبه فطرته جملة من المشاعر.
إذًا ما الاكتئاب بالضبط؟ وما أعراضه وأسبابه؟ وفيمَ يكمن الاختلاف بينه وبين الحزن؟ وهل يمكن تجاوز الاكتئاب؟
اقرأ أيضًا أعراض الاكتئاب وأسبابه وطرق التغلب عليه.. لا تفوتك
تعريفه
هو اضطراب نفسي يؤثر في الحالة المزاجية والنفسية للفرد، فيُدخله في دوامة من الحزن المتواصل المصاحب للشعور بالذنب، أو لمشاعر صعبة الفهم والتفسير.
ويمتد هذا التأثير إلى الأفكار والتصرفات وعلاقات الشخص الذي يعاني هذا الاضطراب، إضافة إلى فقدان الدافع في متابعة الاهتمامات التي عهدها سابقًا، حتى الشعور بافتقاد معنى البقاء حيًّا.
أعراضه
يمكننا بتعريف الاكتئاب استنتاج بعض أعراضه، مثل:
· تدهور الحالة المزاجية باستمرار.
· اندثار الاهتمام بالهوايات المعتادة وممارستها.
· الفتور وانعدام الطاقة.
بالإضافة إلى أعراض أخرى ذُكرت في موقع منظمة الصحة العالمية:
· ضعف التركيز.
· الإفراط في الشعور بالذنب.
· قلة تقدير الذات.
· اليأس من المستقبل.
· التفكير في الموت أو الانتحار.
· اضطراب النوم.
· تقلبات الشهية أو الوزن.
وما سبق من الأعراض هو الشائع والعام بين المصابين، فبما أنه مرض قد يُصيب الصغير والكبير، فإن الأعراض قد تختلف عند الطفل المكتئب عن المراهق إلى البالغ، وعند الأنثى عن الذكر.
مع العلم أنه أُشير إلى أن الاكتئاب يُصيب الإناث أكثر من الذكور، وقد نشرح ذلك بالتفصيل في مقال آخر.
اقرأ أيضًا أسرار الاكتئاب وما الأعراض الشائعة له؟
أسباب الاكتئاب
تختلف العوامل المسهمة في الإصابة، ولهذا نرى أن للاكتئاب عدة أنماط شكلتها أسباب خارجية (المحيط) وأخرى داخلية (ذات الشخص)، ويتباين ظهورها في حياة شخص إلى أخر، ولعلَّ هذه أهم الأسباب وأكثرها انتشارًا:
معاملة العائلة
وهو ما رسَّخته العائلة في ذهن الشخص وروحه بتعامل مختلف أفرادها معه سواء في الماضي أم في الحاضر، فمعاملة العائلة غالبًا ما تكون حاضرة في ذهن الفرد وتؤثر فيه تأثيرًا عميقًا، فكما يُقال: «إنها العائلة، إما تصنع إنسانًا وإما كومة عُقَد».
نوع الشخصية
أي الصفات التي يحملها الشخص، التي يكون من شأنها التأثير في نفسيته لدرجة الإصابة بالاضطراب، كقلة الثقة بالنفس والتقليل من الذات والقلق المفرط وكثرة التفكير.
الإصابة بالأمراض الجسدية
لما قد تسببه من ألم أو عجز للمريض، ما يقوده لليأس في كثير من الأحيان.
إدمان المخدرات والكحول
ضغوط الحياة اليومية
كالمضايقات، وضغوط العمل والدراسة، والإجهاد، والأهداف المعطلة.
الصدمات والحوادث العصيبة
ومنها ما قد تعرَّض له الشخص في الطفولة، كفقدان شخص عزيز أو التعرض للتعنيف أو الإصابة في الحوادث كحوادث المرور أو ما شابه، ليمتد تأثيرها إلى اللحظة الحالية.
وقد تكون الأمثلة نفسها المذكورة أعلاه حدثت في الحاضر، لتُدخل الشخص في صدمة تليها حالة اضطراب نفسي عصيب، وأضِف إليها التعرض للخذلان أو المرور بمشكلات معقدة مع الأشخاص المقربين... إلخ.
ملاحظة
«في بعض الأحيان قد لا يتسبب في الاكتئاب شيء من الأسباب السابقة، وإنما يعود إلى خلل داخلي في الجسم كإفرازات الغدد أو ما شابه، لذلك عادة ما يُجري الأطباء جملة من الفحوص لإقصاء الأسباب الهرمونية».
اقرأ أيضًا 10 خطوات للتغلب على الاكتئاب
الفرق بين الاكتئاب والحزن
المدة الزمنية
الحزن شعور مؤقت أما الاكتئاب فهو اضطراب طويل المدى.
بذكر أن الحزن هو حالة شعورية نمر بها جميعنا وقد تكون بسبب حدوث شيء غير سار في حياتنا اليومية، موقنين بأنها ستنقضي لا محالة.
فعالمنا لا يزال عامرًا بأشياء تُدخل البهجة إلى قلوبنا ولن يتوقف على خبرٍ أو كلمة محزنة، فإن الاكتئاب بأعراضه التي ذكرتها يدوم أسبوعين على أقل تقدير.
السبب
قد يُصاب الفرد بالاكتئاب لسبب مشابه لأسباب الحزن (خبر محزن أو الرسوب في امتحان) مع ردِّ فعل أقوى، أو بسبب عامل ذي تأثير أكبر (فقدان شخص عزيز أو التعرض لحادث خطر -عافانا الله وإياكم-)، أو يكون لعامل غامض حتى (أي أن المصاب ذاته يجهل السبب بالتحديد).
وغير ذلك فإن الاكتئاب مرض نفسي يُشخصه طبيب مختص، ويجب التوعية المكثفة بشأنه لكيلا يختلط الأمر على الناس فنرى بين ليلة وضحاها نصف سكان العالم مصابين بالاكتئاب وهم في الحقيقة حزانى فقط! ولكيلا يستهتر الشخص بالأمر فنرى وضع المصاب الحقيقي يتفاقم دون أن ندرك خطورة الأمر.
اقرأ أيضًا اضطراب المزاج.. تعريفه وأعراضه وطرق علاجه
هل يمكن التعافي من الاكتئاب؟
لا شك في هذا، فقد نجح كثيرون في الخروج من مستنقع الاضطرابات هذا باتباع عدة حلول، أذكر لك منها:
· الاستفسار أكثر عن المرض
حتى تكون على علم بماهية ما تمر به دون تحجيم وتضخيم للأمر، أو الهلع عند الاطلاع على الأعراض وكل ما يخص حالتك، وذكر نفسك بين الحين والآخر أنك تستطيع التعافي.
· زيارة الطبيب
لإجراء الفحوص اللازمة لاتخاذ قرار وجوب العلاج النفسي من عدمه.
· إجراء جلسات علاج نفسي أو محاولة التحاور مع شخص كفؤ.
· الكتابة العلاجية
للكتابة دور كبير في التعافي من الصدمات والاضطرابات، فهي مثل أسلوب لتفريغ الوساوس والطاقة السلبية التي تُثقل كاهل المريض، لذلك ستجد كثيرين ينصحون بكتابة يومياتك أو أي شيء تشعر به في وقته، مهما ظننت أنه هراء.
والأمر لا يتعلق بما إذا كنت بارعًا في الكتابة أم لا، فأنت ستكتب ما تشعر به لتساعد نفسك لا لتؤلف كتابًا، لذا تابع ولا تكترث.
· ممارسة التمارين الرياضية.
ولو كانت رياضة المشي، واعلم أن المشي بالقرب من المناظر الخضراء يساعد بدرجة لا تُصدق!
· التدرب على التفكير العقلاني.
· التفكير في نظام غذائي صحي.
· تجربة أشياء جديدة
مثل تجربة نوع جديد عليك من الألعاب أو الرياضات، أو تعلُّم حِرفة جديدة، فإن إبقاء نفسك منشغلًا بنشاطات ممتعة سيُغذي روحك كثيرًا.
· ترك المواد التي تُسبب الإدمان والكحول.
توخِّي الحذر بشأن الأدوية التي تأخذها، ولا تفكر أبدًا في تعاطي دواء لم يصفه الطبيب لك، أو في الأقل استشره لأخذه، مثل الحبوب المنومة وما شابه ذلك.
وفي النهاية، إن التعافي ليس بالأمر المستحيل، وإنما يحتاج إلى اقتناع من المريض وإلى بذل شيء من الجهد منه ومنَّا، نعم منَّا نحن!
فمساعدة المصابين بهذا الاضطراب لها دور فعَّال في تحقيق التعافي وسرعة الشفاء، فأثبت لصديقك أو مهما كان هذا المصاب أنك بجانبه وأنه يستطيع تخطِّي كل ذلك، ودلَّه على الله، وأخبره أن يُناجي الله ويلجأ إليه، ودلَّه على وسائل العلاج، وأعِنه ولو بكلمة طيبة، وإن لم تستطع فعل ذلك، فلا تُثقل كاهله أكثر وتستصغر معاناته.
تواصلي معي من فضلك عبر البريد الإلكتروني narjisskalaf@gmail.com احتاجك بأمر هام
تم
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.