سوف نناقش موضوع كيف تعمل مضادات الاكتئاب، ولكن قبل ذلك نود أن نشرح ما الاكتئاب؟ ولماذا يحدث؟ وما التغيرات الكيميائية والهرمونية التي تُرافقه؟ الاكتئاب هو مرض نفسي واضطراب في المزاج يتميز بالشعور المتواصل بالحزن، يصاحبه شعور باليأس والخمول، والعزوف عن فعل أي شيء إيجابي، والرغبة عن (أو الزهد في) أداء الأنشطة المعتادة حتى البسيطة منها، والرغبة الوحيدة التي ترافقه هي الرغبة في العُزلة والانقطاع عن الناس.
اقرأ أيضاً هل الأدوية النفسية تؤدي إلى الإدمان؟
نبذة مختصرة عن الاكتئاب
كما أن الشخص المكتئب يميل إلى الشعور بالذنب وعدم تقدير الذات، هذه هي بعض الأعراض النفسية للاكتئاب، وقد يصاحبه كذلك بعض الأعراض الجسدية مثل تغير الشهية (زيادة أو نقصانًا) ومثل الشعور بالإعياء والإرهاق البدني المتواصل وانخفاض الطاقة، فضلًا عن مضاعفاته الأخرى، في حال استمر دون علاج، كالضغط والسكري وغيرها، وربما يتطور الاكتئاب إلى الوسواس القهري أو غيرها.
أما عن السبب في حدوث الاكتئاب فهو غير معلوم على وجه الدقة، ولكن توجد عوامل تُسهم في حدوثه وتطوره، والإسراع به أو التشافي منه، يندرج تحت هذه العوامل بالطبع، القابلية الوراثية والعوامل الجينية، بالإضافة إلى طبيعة الشخصية وطريقة التفكير.
كما أن البيئة المحيطة لها أثرها المذكور في الإصابة بالمرض من عدمها، وأخيرًا فإن الحدث الأليم يختلف قوة وضعفًا في طبيعته الذاتية، ويختلف كذلك في طبيعة استجابة الأفراد المُتباينين له، مثل موت أحد الأقارب، أو الرسوب في مرحلة دراسية، أو الإخفاق في تحقيق هدف معين، أو التعرض لحادث سيارة، أو الانفصال عن شريك الحياة بالطلاق أو الموت، أو غيرها من الأحداث الأليمة.
طبيعي أن تستتبعَ هذه الأحداث وأترابها درجة من الحزن، لكن عندما يعجز الشخص عن الخروج من هذه الحالة والانفصال العاطفي عنها فهو في الغالب مصاب بالاكتئاب، وكما ذكرنا، فليس الحادث وحده هو المسؤول عن حدوث الاكتئاب من عدمه، بدليل أن شخصين يتعرضان لنفس الحادث، فيصاب أحدهما بالاكتئاب، بينما يتجاوز الآخر أحزانه سريعًا، وذلك لوجود العوامل الأخرى وتباينها بين هذين الشخصين مثل القابلية الوراثية وطريقة تعاطيه مع الحدث وغيرها كما سبق.
اقرأ أيضاً 20 عرض لمرض الاكتئاب.. تعرف عليهم الآن
طرق حدوث الاكتئاب
بقي أن نعرف كيف يحدث الاكتئاب، وهي نقطة جوهرية في فهم طريقة عمل مضادات الاكتئاب، لقد اكتشف الباحثون -من خلال فحص بعض مرضى الاكتئاب- أن هؤلاء الأشخاص يتميزون بانخفاضٍ في مستوى بعض الناقلات العصبية neurotransmitters، وهي مواد كيميائية موجودة في الدورة الدموية.
لكن عملها يتركز في نطاق الجهاز العصبي، وهي تعمل كالرسائل الكهربائية للتواصل بين المخ وأعصاب الجسد، وأهم هذه المواد -التي يحدث فيها خلل في مرض الاكتئاب- 3 مواد وهي: السيروتونين serotonin والنور إبينيفرين nor-epinephrine والدوبامين Dopamine، وبالتالي فإن علاج الاكتئاب يستهدف هذه النواقل العصبية.
في الواقع، لا تقوم مضادات الاكتئاب بعلاج الاكتئاب كاملًا، ولكنها مع ذلك تُسهم بقدر كبير في تحسين الحالة المزاجية للمريض، بالإضافة إلى التقليل من الكثير من الأعراض الأخرى، وفوق ذلك فهي تمنع تفاقم الحالة وتطورها إلى ما هو أبعد من ذلك.
وتوجد أنواعٌ عدّة سيتم ذكرها لاحقًا، لكن تختلف استجابة المرضى لها، وتتعدد الآثار الجانبية الناجمة عنها، وبالتالي فإن اختيار بعضها لا يمكن أن يحدث عشوائيًّا، وإنما لا بد أن يتم بمعرفة الطبيب وتحت إرشاداته، إذ إن توجد عوامل كثيرة تُحدد النوع المناسب منها للمريض، منها على سبيل المثال:
الأعراض التي يعانيها المريض، فكما ذكرنا تتنوع أعراض الاكتئاب ما بين نفسية وجسدية، فَعلي سبيل المثال، إن كان المريض يعاني صعوبة في النوم، فإن من المناسب له أن يصفَ له الطبيب الأنواع التي تساعد على النوم sedating antidepressants، وإن كانت المشكلة الأكبر لديه هي فقدان الشهية، فالأنسب له أن يُعطى دواء يساعد على تحسين شهيته وهكذا.
اقرأ أيضاً الاكتئاب والأمراض النفسية للإنسان وكيفية علاجها بالقرآن
الآثار الجانبية لأدوية الاكتئاب
على سبيل المثال، قد يعاني بعض مرضى الاكتئاب مرض السكري في الوقت نفسه، ومعلوم أن مرضى السكري يعانون جفاف الحلق والفم في الأوقات التي يرتفع فيها منسوب السكر لديهم، وتوجد مضادات اكتئاب تُسبب جفافًا شديدًا في الفم، هنا ينبغي اختيار بدائل أخرى للمريض تناسب حالته.
الحمل والرضاعة: إذ توجد أنواع لا يمكن وصفها للسيدة الحامل مثل مادة الباروكسيتين، إذ إن آثارها الجانبية على الجنين لم تُختبر بعد، ولكن في معظم الأوقات، لا تُحدث مضادات الاكتئاب تشوهات جنينية، ومع ذلك فإن استعمالها ينبغي أن يكون بحذر وتحت إرشاد الطبيب المعالج، وبعد عقد موازنة بين مخاطر تعاطيها وفوائدها وهكذا.
أن يكون مريض الاكتئاب مصابًا بمرض آخر في الوقت نفسه، هنا قد يمتنع أن يعطى دواء مضادًّا للاكتئاب بعينه، أو قد يُفضل له نوعٌ بعينه، وذلك إن كان مضاد الاكتئاب يُسهم في علاج هذا المرض الآخر، مثال: مريض الاكتئاب الذي يمارس عادة التدخين، ربما يناسبه أكثر أن يُعالج بعقار البوبروبيون، الذي يسهم أيضًا في التخلص من التدخين وهكذا.
الحالة المادية للمريض، ينبغي أن يراعي الطبيب المعالج القدرة المادية للمريض على شراء الأدوية الموصوفة له، وتوجد عوامل أخرى.
باختصار ينبغي ألا يُقبل مريض الاكتئاب على تناول أي دواء من تلقاء نفسه، بل لا بد أن يكون ذلك تحت إشراف طبي، وفي الوقت نفسه ينبغي للمريض أن يُخبر الطبيب بكل التفاصيل التي قد تؤثر في نوعية الدواء الذي سوف يصفه له.
اقرأ أيضاً كيف تعالج نفسك بنفسك من الاكتئاب؟
طريقة عمل مضادات الاكتئاب
أما عن طريقة عمل مضادات الاكتئاب فهي كما ذكرنا، من خلال إعادة الناقلات العصبية إلى مستواها الطبيعي، مع بعض الفروق الطفيفة بين الأنواع المختلفة، وهنا سوف نُشير باختصار إلى هذه الأنواع المختلفة، مع ذكر بعض الفروق الأساسية بينها.
مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية selective serotonin reuptake inhibitors (SSRIs)، وغالبا ما يبدأ بها الطبيب المعالج، والسبب في ذلك أن آثارها الجانبية أقل من غيرها، ومن أمثلة هذا النوع: الفلوكسيتين (بروزاك)، والباروكسيتين (باكسيل، بيكسيفا) والسيرترالين (زولوفت)، والسيتالوبرام (سيليكسا)، والإسيتالوبرام (ليكسابرو).
مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين والنور ايبينيفرين Serotonin nor epinephrine reuptake inhibitos، (SNRI)، ومن أمثلة هذا النوع ما يلي: الدولوكسيتين (سيمبالتا)، والفينلافاكسين (إيفكسور إكس آر)، والديسفينلافاكسين (بريستيك)، وليفوميلناسيبران (فيتزيما).
مضادات الاكتئاب غير النمطية، Non specific Antidepressants وتسمى بذلك لأنها لا تندرج تحت أي فئة من فئات مضادات الاكتئاب الأخرى، ومن أمثلة هذا النوع: الترازودون، والميرتازابين (ريميرون)، والفورتيوكسيتين (ترينتيليكس)، والفيلازودون (فيبريد)، والبوبروبيون (ويلبيرتين أس آر، ويلبيرتين أكس أل، وغيرهما).
مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات،Tricyclic Antidepressants، مع العلم أنها من بين الأدوية الأكثر آثارًا جانبية (لا سيما على القلب) والأكثر فاعلية في علاج الاكتئاب في الوقت نفسه، ومن بينها ما يلي: الإيميبرامين (توفرانيل) ونورتريبتيلين (باميلور) وأميتريبتيلين ودوكسيبين، وديسيبرامين (نوبرامين).
مثبطات الأكسيداز أحادي الأمين Mono amino oxidase inhibitos (MAOI)، وهي الأخطر من حيث آثارها الجانبية على الإطلاق، ومن ثم فإن الطبيب لا يلجأ لصرفها إلا نادرًا، وعندما تفشل جميع الأنواع الأخرى في السيطرة على أعراض الاكتئاب، ومن أمثلة هذا النوع: ترانيلسيبرومين (بارنيت) وفينيلزين (نارديل) وإيزوكاربوكسازيد (ماربلان).
مع بعض الأدوية أيضًا: وهي ليست أدوية خاصة بعلاج الاكتئاب، ولكنها تساعد في علاج بعض الأعراض الأخرى المصاحبة له، أو للتقليل من الأعراض الجانبية لأدوية الاكتئاب نفسها، على سبيل المثال:
مسكنات الألم: وذلك أن الإرهاق الجسدي والألم البدني من بين أعراض الاكتئاب.
ومزيلات الاحتقان: للتخفيف من الأعراض الجانبية المصاحبة لأدوية الاكتئاب نفسها.
وبعض المكملات الغذائية العشبية.
مضادات الحموضة: لكون بعض الأنواع تسبب التهابًا في جدار المعدة.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.