أشهر حملات محمد علي باشا وتوسعاته الإقليمية

كان القرن التاسع عشر قرنًا مميزًا في تاريخ مصر، فهو يعد الفيصل بين الماضي السحيق والحداثة، فيه بدأت ثورة المصريين ضد العثمانيين، وفيه تولى محمد علي باشا الحكم، وفيه تأسست مصر الحديثة، وبدأت مصر تعرف التقدم والازدهار بعد أن عاشت قرونًا في الجهل والظلام، يكفينا القول إن الفرنسيين عندما جاؤوا إلى مصر في الحملة الفرنسية وجدوا المماليك يحاربونهم بالسيوف والخيول حين كان الفرنسيون يحاربون بالبنادق.

لكن كل هذا تغير على يد شخص واحد، نعرفه جميعًا، محمد علي باشا، رائد النهضة العربية ومؤسس مصر الحديثة، ذلك الرجل الذي أوصله عقله وذكاؤه وطموحه إلى أبعد مما كان يتصور من حوله، بل أبعد مما كان يتصور هو نفسه، اليوم نبحر في سفينة التاريخ حتى نصل إلى شواطئ القرن التاسع عشر؛ لنتعرف إلى جزء من تاريخ محمد علي، وهو الإنجازات العسكرية؛ لذا استعد وارتد ملابس ثقيلة، فالإبحار في التاريخ يتميز بالطقس البارد والحرارة المنخفضة أحيانًا.

أين ولد محمد علي باشا؟

ولد محمد علي باشا في الرابع من مارس عام 1769م في محافظة مقدونيا في اليونان لأبوين من الألبان، كانت الأسرة مكونة من 17 ابنًا، لكن جميعهم ماتوا عدا محمد علي، بعدها مات الأب، ثم تبعته الأم في الوفاة، فلم يبق لمحمد علي أحد سوى عمه طوسون الذي أخذه ليربيه، ثم توفي بعدها بقليل، يبدو أن محمد علي (وشه وش فقر)، ثم رباه صديق والده وألحقه بالجيش، وهناك أبدى ذكاء وحسنًا، تلك كانت نبذة بسيطة عن بدايات محمد علي حتى تعرف أصل محمد علي باشا، ولتعرف أكان محمد علي تركيًا أم لا؟

ولد محمد علي باشا في 4 مارس 1769م  في اليونان لأبوين من الألبان

استدعاؤه من قبل العثمانيين

والآن مع الجزء المهم من المقال، محمد علي باشا بدأ حياته العظيمة بحملة عسكرية، فقد استدعته الدولة العثمانية لكي يذهب إلى مصر نائبًا لمدير الكتيبة الألبانية التي ذهبت إلى مصر لكي تحارب الحملة الفرنسية، لكن رئيس الفرقة قرر العودة إلى بلاده ألبانيا في الطريق، ليترك زمام الأمور لمحمد علي باشا، فأصبح رئيس تلك البعثة المكونة من 300 جندي.

بعد جلاء الفرنسيين عن مصر جرت مشادات وحروب عدة بين المماليك والعثمانيين على السلطة، وتلك الأمور غير المستقرة كانت كنزًا ثمينًا لمحمد علي، فاستغلها أفضل استغلال، فافتعل الفتن بين الطرفين حتى يخلو له الجو، وفي ظاهر الأمر أظهر نفسه للناس على أنه الرجل الطيب الورع المشفق على أحوال المصريين البؤساء الذي لا يفارق مجالس العلماء، حتى ثار الناس على الوالي العثماني أحمد خورشيد باشا الذي فشل في السيطرة على الأوضاع حينما جاء جيش عثماني إلى مصر، وتسبب في خراب البلاد، وبالإجبار عُزل خورشيد باشا، وتولى محمد علي مكانه. 

حملات محمد علي العسكرية

والآن نعطي سردًا فيه بعض تفصيل للحملات العسكرية التي أجراها محمد علي.

1. حرب الوهابيين

كان القرن التاسع عشر مملوءًا بالثورات والانتفاضات التي أرقت الدولة العثمانية، وكان على رأسها الحملات الوهابية التي قد أبدت بعض النجاحات، وقد وصل بها الحال إلى أن الوهابيين ضموا مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف إلى صفهم، وكان ذلك له خطر عظيم، فقد كان سيتسبب في فصل الحجاز عن العثمانيين؛ وبذلك فصل الشرعية الدينية عن العثمانيين، ومن أجل ذلك أرسلت الدولة العثمانية ولاتها للحرب، وذهب والي بغداد ووالي دمشق إلى الحرب، لكنهما فشلا في رد الحجاز؛ لذا استُدعي محمد علي باشا، ولبى محمد علي النداء بعد مماطلة، ثم أرسل ابنه طوسون باشا، ولم تكن النتيجة مرجوة، فقد هُزم طوسون في عدة معارك، منها معركة وادي الصفراء، فطلب المدد من والده، وجاءه المدد، لكنه هُزم ثانية، فطلب المدد مرة أخرى.

كان القرن الـ19حاشدًا بالثورات التي أرقت الدولة العثمانية وعلى رأسها الحملات الوهابية

وكاد الجيش المصري أن ينتهي في الحجاز، لكن تلك المرة جاء محمد علي بنفسه، وذهب إلى مكة حيث معقل الوهابيين، وأبدى نجاحًا لم يستمر طويلًا فتعرض إلى الهزيمة، واضطر لإجلاء مدينة القنفذة، فطلب محمد علي المدد من مصر، ووصله المدد، وقبل أن يحارب الوهابيين توفي قائدهم وعدو محمد علي الأكبر في الحجاز سعود الثاني بن عبد العزيز بن محمد آل سعود، وتولى مكانه ابنه عبد الله الذي لم يكن بقدر كفاءة والده، وتلك كانت فرصة جيدة لمحمد علي، وقد أحسن استغلالها، فانتصر في الحرب على الوهابيين، ثم عقدت مفاوضات بين الأمير عبد الله وإبراهيم باشا ابن محمد علي الذي ناب عنه؛ لانشغال والده بالعودة إلى مصر لإحباط محاولة انقلاب، وبعدها سُلم عبد الله إلى الأستانة. 

2. حملة ضم السودان

ضُمت السودان إلى تلك الحملة لسببين؛ الأول ظاهر والثاني خفي، أما الظاهر فهو مطاردة المماليك المتجمعين في دنقلا، أما السبب الحقيقي هو بحث محمد علي عن الذهب والماس اللذين سمع أنهما موجودين بكثرة في السودان، وأيضًا لكي يأخذ جنودًا من السودان لجيشه، وفعلًا قطع الجنود المصريون في مراكب النيل، وكانت المراكب تحمل 4000 جندي مصري، وذلك في 20 يوليو 1820م، وكان احتلال السودان سهلًا إلى درجة أن بعض القبائل كانت تحارب مصر بأسلحة بدائية، فاتجهت الحملات من أسوان إلى وادي حلفا إلى دنقلا، ثم كورتي وبربر ثم شندي، وأخيرًا أم درمان، ثم أسسوا بجوارها مدينة الخرطوم.

وهكذا كان الأمر في السودان يسيرًا، ولم يؤرق محمد علي في تلك الحملات سوى أمرين: الأول هو مرض الجنود في السودان وحاجة الجيش للمدد؛ أما الثاني قتل ابنه إسماعيل، فقد دعا أحد الملوك السودانيين الذي عاقبهم إسماعيل باشا بالغرامات واسمه الملك نمر إسماعيل باشا لوليمة متظاهرًا بالخنوع، وبعد أن امتلأ إسماعيل وأعوانه من الطعام والشراب أمر نمر بحرق الخيمة بمن فيها، ومات فيها إسماعيل خنقًا. 

هكذا يا عزيزي وصلنا إلى نهاية حديثنا عن تاريخ محمد علي في الغزوات والمعارك والحروب، وعن القرن التاسع عشر وما جرى فيه من أمور عمومًا.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة