نتناول اليوم مسلسلًا حقق نسبة مشاهدات عالية ورواجًا كبيرًا على الرغم من تعدد أجزائه، وهو مسلسل المداح أحد أكثر المسلسلات مشاهدة في السنوات الأخيرة، عُرض المسلسل في أربعة أجزاء سابقة مع وجود جزء خامس سيعرض في رمضان 2025 وفكرة المسلسل الرئيسة هي مقاومة الإنسان للجن.
وقد عانت الدراما المصرية مؤخرًا عددًا من التداعيات؛ منها الركود وضعف الإبداع، فنرى أن غالبية الأفلام والمسلسلات تكرر السيناريوهات نفسها، وعلى رغم ذلك ميَّزت بعض المسلسلات نفسها عن بقية الأعمال؛ لما تقدمه من أفكار جديدة، سواء أكانت كوميدية أم خيالًا علميًّا أم دراما.
وظهر نوع جديد من المسلسلات يتميز بقصر وقته، فيكون المسلسل من 8 إلى 15 حلقة على الأكثر، مختلفًا عن المسلسلات الطويلة التي تتكون من 30 حلقة والتي تُعرض في شهر رمضان. وليس كل ما يُعرض في شهر رمضان يحقق نجاحًا كبيرًا؛ لذا يتجه بعض المنتجين أو شركات الإنتاج إلى عرض مسلسلاتهم خارج السباق الرمضاني.
ملخص مسلسل المداح
وتتوالى الأعمال الفنية في تاريخ الفن المصري والعربي، لنعاصر واحدًا من المسلسلات التي تناولت فكرة الجن والغيبيات وهو مسلسل "المداح"، بطولة الفنان المصري حمادة هلال.
وما يميز مسلسل المداح عن غيره من المسلسلات التي تناقش تلك الفكرة هو وجود حمادة هلال المغني الذي لم يكن له تجارب كثيرة في التمثيل، وكذلك اختيار القصة ومعرفه كيفية بنائها بالطريقة التي تجذب المشاهد، وتتوافق مع أفكاره ومعتقداته حتى تجذب انتباه أكبر شريحة من المشاهدين.
وقيل عن قصة المسلسل إنها مبنية على قصة حقيقية لرجل اسمه داود محمد فرحان، لكن ما ذُكر من القصة الحقيقية قليل جدًا، وهو ما جعل المجال واسعًا أمام المداح ليقدم كثيرًا من الأفكار الغريبة التي لم يتناولها أحد من قبل.
الموسم الأول
وتبدأ القصة مع شخصية صابر المداح، الطفل اليتيم الذي تبنَّاه إمام مسجد، فكبر ليصبح رجلًا متدينًا يعمل بالمدح في الموالد، ثم يتعلق قلبه بفتاة من قريته تُسمى رحاب. ويلجأ صابر إلى الجن ليساعدوه، لكن ينتهي الأمر على نحو مؤسف، وعندها يقرر صابر محاربتهم، ومن هنا يبدأ الجزء الأول "أسطورة العهد".
ومع تتابع حلقات الموسم الأول عشنا مع صابر أجواء محاربة الجن، وصولًا إلى الحلقة الأخيرة، ومع تغلب صابر على الجن ظنَّ الجميع أن المسلسل انتهى عند هذا الحد. لكن في رمضان الذي يليه طلَّ علينا صابر ببداية لقصته الجديدة مع محاربة الجن التي كانت تُسمى "أسطورة الوادي".
الموسم الثاني
وفي "أسطورة الوادي" سعى صابر للتعرف على ما يحصل معه وما يراه فعلًا في أحلامه، ويتحقق على أرض الواقع. فقد اكتشف صابر أن الجن هم السبب في ما يحدث له؛ انتقامًا منهم لما حدث في الجزء الأول، وذلك ما جعل المشاهدين ينجذبون أكثر للمسلسل، ويشعرون أن الجزء الأول كان مجرد مقدمة، وما يأتي بعد ذلك هو القصة الحقيقية لصابر المداح وصراعه مع الجن.
ومع انتصار صابر في نهاية الجزء الثاني لم يكن أحد يتوقع تكرار المسلسل للسنة الثالثة، ولكن هذا ما حدث فعلًا. فقد أتى لنا صابر بطريقة جديدة لمحاربة الجن، ألا وهو الجن العاشق. ففي بداية المسلسل ظهرت لنا فكرة غريبة جدًا نراها أول مرة، أدت لجذب المشاهد وتجديد حماسته بالمسلسل.
الموسم الثالث
ففي الحلقة الأولى من الجزء الثالث ينتظر صابر وزوجته مولودهما الأول الذي يولد فجأة في الشهر السادس، ومع ذلك يولد سليمًا معافى. ويليه مشهد من أكثر المشاهد أهمية في ذلك الجزء ألا وهو أن صابر يرى كثيرًا من الجن يدخلون غرفة زوجته وهم يرددون "ابننا جه" ولا يراهم أحد إلا صابر.
وتتوالى الأحداث على صابر في الجزء الثالث، ويثبت أن الطفل ابنه وليس ابن الجن، ويحارب تلك العشيرة من الجن، وصولًا إلى نهاية الجزء.
الموسم الرابع
أما في الجزء الرابع، فقد جاء لنا المداح بما يسمى "أسطورة العودة". وتأتي المشكلة هذه المرة على هيئة صديق صابر الدكتور سميح الذي يؤدي دوره الممثل الكبير فتحي عبد الوهاب، وتتوالى الأحداث والصراعات على صابر.
وأما عن قصة الجزء الخامس فهي أن الجن يريدون العودة لسطح الأرض كما كانوا في قديم الزمان، ويريدون تسخير الإنسان لخدمتهم، وهو ما أثار كثيرًا من الجدل عن المسلسل، فالمسلسل هذا العام لا يناقش فقط مجرد فكرة ما ورائية، بل يتعمق أكثر من ذلك ليلامس كثيرًا من القضايا الدينية التي تعد ثوابت للجمهور العربي، ولا تقبل المساس بها.
فمعنى من المعاني الخفية التي تم تقديمها في المسلسل كان مثلًا "ظهور المسيح الدجال" الذي رأى بعضنا أن الفنان فتحي عبد الوهاب أدى دوره على نحو مثالي، وظهر ذلك واضحًا في الحوار الذي دار بينه وبين صابر المداح على الشاطئ.
عالم الجن الخفي
ولا يزال المداح يفاجئنا كل عام، ويُظهر لنا جزءًا خفيًّا من عالم الجن، ما يراه بعضنا متعة، ورائعة فنية لم تقدم بهذه الطريقة من قبل، وبعض آخر يرى أن الأمر ما هو إلا تمهيد للعودة لآلاف السنين حيث الجهل هو السائد، والدجل هو الرائد في إدارة المجتمعات، وهو ما تخوَّف منه كثير من الناس، وحذَّر منه عدد من المفكرين.
فالفن -كما نعرف- بمنزلة قوة لها تأثير يفوق قوة الحروب في أحيان كثيرة، وهو ما يعرف بالقوة الناعمة التي تؤثر في المجتمعات وتكوِّن تفكيرهم بنسبة لا يُستهان بها.
وقد أصبحت فكرة مواجهة الجن والماورائيات محط اهتمام المشاهدين، والشعب المصري بالأخص، فالقصص التي جمعت بين الإنسان والجن تُعد من القصص التراثية التي تناولها الفن على مدار تاريخه، فذلك النوع من القصص يتميز بطابعه التشويقي المميز الذي دومًا ما ينال استحسان الجمهور.
ولا يقتصر الأمر على الدراما العربية فقط، فالدراما العالمية كذلك ناقشت كثيرًا من القضايا التي تتعلق بهذا الموضوع.
ولا يقف الأمر على فيلم واحد من جزء أو جزأين، فوصل الأمر في أحيان كثيرة لسلسلة من الأفلام، كما شاهدنا على سبيل المثال ما حدث في سلسلة الرعب الشهيرة the conjuring التي حققت نجاحًا كبيرًا في سينمات هوليوود.
أما في الوطن العربي فنجد أن ذلك النوع قد تم تقديمه بأكثر من شكل، سواء في الأفلام أو المسلسلات، ونجد مصر رائدة في تقديم هذا النوع من الأفلام، فقد قدم الفن المصري عددًا من الأفلام المهمة التي ما زالت محفورة في أذهان المشاهدين، مثل أفلام "التعويذة"، و"الإنس والجن"، و"سفير جهنم"، و"استغاثة"، و"البيت الملعون"، و"المكالمة القاتلة"، و"أنياب".
بجانب بعض الأعمال الأدبية التي تحولت لأفلام ومسلسلات تناقش الفكرة نفسها، مثل رواية "الفيل الأزرق" للكاتب الكبير أحمد مراد، وما تناوله الدكتور أحمد خالد توفيق في سلسلة رواياته "ما وراء الطبيعة" التي تحولت لواحد من أكثر المسلسلات شهرة في الوطن العربي والعالم، فحظي المسلسل بنسبة مشاهدات عالية على منصة "نتفليكس" العالمية، وتُرجم العمل أيضًا لأكثر من نسخة في أكثر من دولة، ليضاف لتاريخ الفن المصري واحد من أروع المسلسلات من بطولة النجم المصري الموهوب أحمد أمين.
فمنذ القدم والمصطلحات التي تحمل معاني ما ورائية ترتبط بالمصريين ارتباطًا كبيرًا، فنجدهم دومًا يرهبون الصغار بكلمات مثل النداهة والسلعوة، وهي المخلوقات التي تحدث عنها وذكرها دكتور أحمد خالد توفيق كذلك في كتاباته.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد فقط، لكن وصل الأمر للفراعنة والمصريين القدماء كذلك، فكلمة مثل "لعنة الفراعنة" ليست غريبة على أسماع المشاهدين العرب، بل تناول الفن عددًا من القضايا والأعمال التي في مضمونها تتحدث عن لعنة الفراعنة.
والمثير في الأمر أن الموضوع لم يقتصر على الفن العربي فقط، بل نجد عددًا من الأعمال الهوليوودية التي ناقشت الموضوعات نفسها التي تحمل بين طياتها الحديث عن لعنة الفراعنة أو الحديث عن الماورائيات التي ربطوها بالفراعنة، مثل فيلم the mummy.
يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.