أسرار اللوحة الجدارية لـليوناردو دافنشي "العشاءِ الأخير"

نحن الآن في خضم القرن الخامس عشر، في دولة إيطاليا، تحديدًا عام ألف وأربعمئة واثنين وخمسين في فلورنسا، واحدة من أهم المدن الفاتنة والفكرية في أوروبا كلها.

اقرأ أيضاً أسرار لوحة الموناليزا للفنان العالمي ليوناردو دافنشي

من يكون ليوناردو دافنشي؟

ثمة شاب أرستقراطي يعمل بالقضاء يسمى "بيرو دافنشي"، وفلاحة من أسرة فقيرة تدعى "كاثيرين"، يرزقان بطفل عن طريق علاقة غير شرعية.. هذا الطفل هو ليوناردو دافنشي.

تمر السنون ويقضي دافنشي سنوات طفولته الأولى البائسة طفلًا لقيطا يربى مع زوجة أبيه.

 لا تتاح له أي فرص ليتعلم سوى أسس القراءة والكتابة، لكن حينما يكبر سيعبر اسمه الأزمنة والقارات.

إنه عام ألف وأربعمئة وستة وستين، يقرر والد دافنشي إرساله إلى مرسم شهير في فلورنسا ليتعلم أصول الرسم.

وفي عشر سنوات، تعلم دافنشي هناك دمج الأصباغ وتحضير اللوحات، لكن عبقريته الفريدة تجاوزت حدود الرسم.

مرت الأيام، وصار دافنشي شابًا، لكنه أصبح موسوعيًا أكثر، فبرع في الرسم والهندسة وعلم النباتات والخرائط والرياضيات والفيزياء حتى علم التشريح.

السؤال الآن: أليس هذا غريبًا على إنسان لم يلتحق بالتعليم الأكاديمي سواء مدرسة أو حتى جامعة؟

العجيب حقًا، لم تنل عبقرية ورسم دافنشي استحسان الفنانين والأمراء في هذا الوقت، فبقي رسامًا متواضع الشهرة.

اقرأ أيضاً كن مفكراً استثنائياً و على طريقة دافنشي

إحباط دافنشي ومغادرة فلورنسا

ليأتي عام ألف وأربعمئة واثنين وثمانين، ويزداد إحباط دافنشي رويدًا رويدًا، فيقرر مغادرة فلورنسا، ليذهب إلى ميلان للعمل هناك.

 لكن، هذه المرة ليس رسامًا، إنما مهندسًا عند أمير يدعى لودوفيكو سفورزا.

 نعم، كان دافنشي مهندسًا حربيًا من الدرجة الأولى، يصمم أسلحة لهذا الأمير، تعمل على تدمير القلاع في حروبه ضد الأمراء الفرنسيين.

المفاجأة، أن دافنشي رغم أنه كان يعمل مهندسا، فإنه لم يتخل عن رسوماته العجيبة بداية من رسم المدرعات والمدافع، حتى طائرات الهليكوبتر الحربية، ومظلات الهبوط ومقياس سرعة الريح، وصولا إلى اختراعه أول رجل آلي عرف باسم "روبوت ليوناردو".

ورغم تلك الإنجازات كان الحظ السيئ حليفا لدافنشي حتى في ميلان..

فحينما كلفه الدوق سفورزا بنحت تمثال من البرونز لفارس فوق فرسه، لم ير التمثال النور في النهاية، لحاجة البلاد للبرونز في حربها مع فرنسا..

اقرأ أيضاً ما هي حكايات أشهر اللوحات العالمية؟

خيبات دافنشي

وحينئذ توالت الخيبات تباعًا على رأس دافنشي.

لكن لم يدم هذا الحال طويلًا، فذاع صيت دافنشي في أرجاء ميلان، وأتته فرصة عمره على طبق من ذهب..

فكلف دافنشي برسم لوحة بأحد الأديرة في ميلان، لتكون أكثر اللوحات شهرة وإثارة للجدل في التاريخ.

دعني أخبرك شيئا، في هذا الوقت كانت قاعات الطعام داخل الأديرة بميلان تتزين بلوحتين كبيرتين: إحداهما صلب المسيح، والأخرى العشاء الأخير للمسيح وتلاميذه.

 كانت هاتان اللوحتان تصوران حالتي الصلب والتناول، وهما صلب العقيدة المسيحية، فكلف دافنشي برسم لوحة العشاء الأخير.

أما لوحة صلب المسيح، فكلف برسمها رسام آخر يدعى جيوفاني دي دوناتو

وبدأ كل واحد منهم برسم لوحته.

 أخذ دافنشي يرسم لوحة العشاء الأخير، لكنه خالف كل المألوف..

فرسم مشهدا دراميًا، يخبر فيه المسيح تلاميذه أن أحدا منهم سيخونه، رغم أن السائد في ذلك الوقت، كان تجسيد لحظة التناول حين يكسر المسيح الخبز لتلاميذه لتناوله.

كان المعتاد أيضا، أن يرسم المسيح والتلاميذ على جانب من الطاولة، ويهوذا الإسخريوطي على الجانب الآخر، في إشارة إلى خيانته، لكن دافنشي اختار أن يضعهم جميعا على الصف نفسه.

اقرأ أيضاً أشهر 10 لوحات فنية في العالم

رسم الفنان دافنشي

على كل حال رسم دافنشي لوحته المبنية على الثالوث في العقيدة المسيحية، فكانت تظهر القاعة وفي خلفيتها ثلاث نوافذ.. يجلس المسيح في المنتصف ويحدده الرأس والذراعان الممدودتان.

 ومن النافذة وراءه يأتي نور يصور هالة القداسة، ثم الطلاب في مجموعات ثلاثية على جانبي المسيح، لكن يا ترى من كان يجلس إلى جانب المسيح؟ المفترض أن القديس يوحنا هو من يجلس إلى جانب المسيح، لكن ملامح يوحنا تبدو أقرب للأنثوية منها للرجولة، حتى إذا قورنت ببقية التلاميذ.

السؤال الآن: هل لحظة إخبار المسيح تلاميذه أن أحدهم سيخونه، ورسم يوحنا بملامح ناعمة، جاءت كلها لاعتبارات فنية فقط؟ هل أراد دافنشي استخدام تلك اللحظة لإظهار مشاعر الخوف والحزن؟ أم أن للأمر أبعادا أخرى؟

في عام ألف وتسعمئة وخمسة وأربعين، عثر على مخطوطات بمصر تدعى مخطوطات نجع حمادي، من هذه المخطوطات ما يقول: إن يهوذا لم يخن المسيح، لكن لم تكن هذه المخطوطات الوحيدة التي ذكرت ذلك (مصدر المعلومة دى بوابة الأهرام ) بل كانت أفكار المؤلف الأمريكي دان براون في كتابه "شفرة دافنشي" أيضا، والتي تحولت لفيلم لاحقا، تؤكد أن يهوذا لم يخن المسيح. 

إنه عام ألفين وسبعة، هذا العام جاء حاملا بين ثناياه سرا جديدا، يكشفه خبير الفن، الإيطالي جيوفاني ماريا بالا، فوجد شفرة سرية في لوحة العشاء الأخير لدافنشي.

ببساطة إذا دققت النظر إلى اللوحة ستجد كل رغيف من أرغفة الخبز الموزعة على الطاولة التي يجلس إليها التلاميذ، يكون نغمة موسيقية، وإذا قرئت من اليسار إلى اليمين، تكون لحنا موسيقيا صغيرا يشبه اللحن الجنائزي الحزين.

لم تكن تلك الأسرار التي دفنها دافنشي في لوحته العشاء الأخير، في يوم واحد، بل استغرق في رسمها أربع سنوات، إذ بدأ في رسمها عام ألف وأربعمئة وخمسة وتسعين، وانتهى منها عام ألف وأربعمئة وتسعة وتسعين.

لكن لم يتبق سوى عشرين بالمئة منها بعد كل محاولات الترميم التي أجريت لها، بسبب تعرضها للتدهور الجسيم، نتيجة استخدام ألوان الزيت باللوحة عند رسمها، ورغم تعرض لوحة العشاء الأخير إلى التلف، تبقى الأكثر غموضا في التاريخ.

ملاحظة: المقالات والمشاركات والتعليقات المنشورة بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل الرأي الرسمي لجوَّك بل تمثل وجهة نظر كاتبها ونحن لا نتحمل أي مسؤولية أو ضرر بسبب هذا المحتوى.

ما رأيك بما قرأت؟
إذا أعجبك المقال اضغط زر متابعة الكاتب وشارك المقال مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتسنى للكاتب نشر المزيد من المقالات الجديدة والمفيدة والإيجابية..

تعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول أولاً لإضافة تعليق.

مقالات ذات صلة